فضاءات

مهرجان بغداد مُلَوَّنة بين الإنتقاد والثناء / سهير الوندي

شيءٌ جميل أن تقام مهرجانات لنبذ التطرف والعنصرية والطائفية والأجمل أن يكون الشباب هم المشاركين بمثل هكذا مهرجانات ليعَبِّروا عن شعورهم بالمسؤولية والروح الوطنية بشكل يدعو للوحدة والتعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب العراقي ، وجميل أيضاَ أن ينفثوا الروح في جسد الفرحة المحتضرة في الوقت الذي بدأنا فيه بإنتقاد شبابنا ووصفهم بالخاملين وفاقدي الولاء والإنتماء والشعور بالمسؤولية ، ومظهر حضاري أن نرى المهرجانات تقام في أماكن عامة لإستقطاب أكبر عدد من الجمهور بدون بطاقات دعوة لحضورها وهذا إن دَلَّ على شيء فإنما يدِلُّ على إننا بدأنا بخطوات تقدمية نحو إِحياء الثقافة العراقية التي شهدت ركوداً أشبه بالغيبوبة المميتة في السنوات الماضية وهذا ما شهدته حدائق ( أبو نؤاس ) قبل أيام بإِقامة مهرجان – بغداد مُلَوَّنة – أقامه عضو في مجلس محافظة بغداد وشارك فيه عدد من طلاب وطالبات المدارس في بغداد ، وقد إنتقد المهرجان الكثير من العراقيين وأثنى عليه عدد قليل منهم وجاء الإِنتقاد على إسلوب إِعداد المهرجان والطريقة التي عَبَّر من خلالها الشابات والشباب المشاركين وتقليدهم لمهرجان الألوان الهندوسي ( هولي فاغوا ) والذي يقام سنويا في الهند اِحتفالا بالربيع وذلك من خلال رمي التراب المُلَوَّن على بعضهم البعض لتصطبغ أشكالهم وتصبح مُلَوَّنة الأمر الذي أثار سخط المجتمع وتوجيه الإنتقادات اللاذعة وصلت مع البعض إلى حد الشتم والسب العلني وكالعادة سارعت القنوات الفضائية العراقية إلى نقل ردود أفعال المواطنين وتناولت وسائل الإعلام المختلفة الموضوع لتجعل منه حدثاً مثيراً للجدل وإثارة المشاكل حوله في وقت نحن فيه في غنى عن إثارة المشاكل في مجتمع يتطلع إلى أفق معتم عسى أن يلمح فيه بارقة أمل لتشرق حياته من جديد .
لسنا مع تقييد حرية الشباب في التعبير عن مشاعرهم إزاء أي موضوع محلي ودائما ندعوا الى إِفساح المجال لهم وإعطاءهم مساحة للتنفيس عن مكنوناتهم دون أن نكبت حرياتهم ونُكَبِّل أياديهم ونُخرِس ألسنتهم هذا إن أردنا فعلاً تطبيق الديمقراطية والسير في ركب الدول المُتَقَدِّمة ولكن ينبغي أن نضع في الحسبان بأن المجتمع العراقي لا يزال متمسكاً بموروثاته من العادات والتقاليد وكل ما يخرج عن نطاق موروثاته يُعِدَّه غير مألوفاً ويتعرض للهجوم والإنتقاد وقد يتعرض إلى القمع وهذا ما لا ندعوا إليه ولا نأمله ، ونظام الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي لايزال يواجه الرفض والقبول في آن واحد ، وليس سهلاُ على مجتمعنا الذي كان منغلقا على نفسه لعقود طويلة وفجأة إنفتح على عالم لم يألفه من قبل أن يتقبل مظاهر جديدة يعتبرها شاذة وغريبة عليه ومثل مهرجان بغداد مُلَوَّنة من وجهة نظره – اي المجتمع – مهرجان يعبر عن الإنحلال الأخلاقي ويشجع على الفساد وتقليد مظاهر أجنبية لاتمت لثقافتنا العريقة بصلة ، لذا يتطلب الأمر منا ان نكون حذرين في الإعداد لمثل هذه المهرجانات وحريصين على تجنب إثارة سخط المواطنين كي لا يقع الأذى على شبابنا المشاركين فيها وإلحاق الضرر بهم فيما ندعوا إلى الإهتمام بهم واستثمار طاقاتهم بشكل إيجابي ليكونوا عناصر فَعَّالة غير خاملة في المجتمع وأن يكونوا هم من يدفعوا عجلة التقدم الحضاري والثقافي إلى الأمام لنرتقي بهم أسوة بالدول المتقدمة التي بُنيت بسواعد شبابها ورُسِخت قواعدها بعقولهم النَيَّرة ، والخطأ فيما حدث لم يكن خطأ الشباب المشارك وإنما هو خطأ الذي أقام المهرجان دون دراسة وتخطيط ليظهر بصورة عشوائية مسيئة للموروث الأخلاقي ومسيئة في ذات الوقت لأهالي أولئك الشباب – ذكورا وإناثا - مما ترك إنطباعاً سلبياً لدى المراقبين والإعلاميين والنشطاء السياسيين بوصفهم للمهرجان بـ ( مهرجان الإستهتار ) وبهذا ضاع الهدف السامي للمهرجان الشبابي ، ونأمل أن تكون المهرجانات الشبابية القادمة واجهة مُشرِّفة للثقافة العراقية وتعبيراً حقيقياً عن نبذ التطرف والعنصرية والطائفية من منطلق الشعور بالمسؤولية دون تجاوز الخطوط الحمراء للأخلاقيات العامة والخاصة فالحرية لا تعني الإنحلال .