فضاءات

اضراب كاور باغي مأثرة نضالية كبيرة / حوار : ريسان حسين

تستذكر الطبقة العاملة العراقية بشكل عام وعمال كركوك بشكل خاص المأثره البطولية التي سطرها عمال شركة نفط العراق المحدودة I-p-c في اضرابهم بداية تموز عام 1946 الذي استمر لمدة 12 يوما لمطالبة ادارة الشركة بحقوقهم.
ومن اجل اطلاع الجيل الجديد من ابناء شعبنا على تلك المأثرة وتفاصيل أحداثها التقينا بعض الكوادر النقابية للتحدث عنها .
عبد الرزاق سعيد ,رئيس اتحاد نقابات عمال كركوك ,اجاب عن الاسباب التي حفزت العمال على الاضراب .
مارست شركة نفط العراق المحدودة I-p-c التي كان يديرها ويشرف عليها الخبراء الانكليز سياسة غير انسانية تجاه العمال العراقيين من حيث تدني الاجور التي كانت 80 فلسا وساعات عمل طويلة,وقد بنيت منشأة الشركة على اكتاف وظهور العمال العراقيين وأصيب الكثير منهم بأمراض وعاهات في اثناء العمل ومنها استنشاق الغازات المنبعثة ,دون ادنى مراعاة للظروف الصحية. وكانت هذه الشركة مثالا وعنوانا فاضحا للاستغلال ونهب ثروات البلد والفقر المدقع للشعب العراقي ,ما أدى الى نمو الوعي الطبقي والتاثير السياسي على القيادات العمالية العاملة في الشركة ,فنشأ صراع بين العمال وادارة الشركة ,وهؤلاء هم جزء من الحركة الوطنية التي لها بأس كبير في توجيه جماهير الشعب ومن ضمنهم العمال للمطالبة بحقوقهم.
ويقول الرفيق جمال عبد الجبار اكرم رئيس النقابة العامة للعاملين في قطاع النفط والغاز عن مأثرة كاور باغي : كانت مطالب العمال لاتتعدى الحياة الحرة الكريمة والعيش والسكن اللائق لكن اصرار ادارة الشركة على التجاوز على حقوق العمال حفزتهم على المطالبة بحقوقهم خصوصا ان الوعي السياسي والطبقي كان له تأثير كبير في تحفيز العمال على القيام بالاضراب وبتأثير قوى اليسار في العالم والعراق التي كانت في صعود
كانت مطالبهم الاقرار بحقهم في التنظيم النقابي , وزيادة الاجور من 80 فلساً الى 250 فلساً, ونقل العاملين من والى مواقع العمل , وتشييد دور او تعويضهم ببدلات الايجار , والكف عن الطرد الكيفي , وضمان اجتماعي يقيهم وعوائلهم الفاقة والعوز عند الشيخوخه والمرض , وتزويدهم بملابس العمل , بعد عرائض عدة قدمت الى ادارة الشركة من دون جدوى ,وفي عريضتهم الثالثة أنذر العمال بانه ان لم تلب مطالبهم فسيلجؤون الى الاضراب وفي 29 حزيران شنت الشرطة حملة اعتقالات وفي 30 حزيران تجمع العمال امام مقر الشركة وقدموا مذكرة تضمنت مطالبهم السابقة فطلبت منهم ادارة الشركة تأليف وفد من بينهم للتفاوض بشأن مطالبهم
بهاء الدين فرج عضو المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات عمال كردستان في كركوك اوضح قائلا ..
يعد اضراب كاور باغي علامة مضيئة في تاريخ الحركة العمالية العراقية لانه جاء بعد سلسلة اضرابات قام بها العمال في السكك والميناء , وكان لتنظيمات الحزب الشيوعي دور كبير في هذه الاضرابات .
وبعد نشوء التجمع العمالي الكبير في شركة نفط العراق المحدودة وملحقاتها و(خطوط الانابيب) ونظرا لإصرار الشركة على عدم عطاء العمال حقوقهم ومنها تأسيس نقابة عمالية ,اذ كان عدد العمال آنذاك عام 1946 (12753) فان الظروف كانت مهيأة للقيام بالاضراب ,خصوصا ان تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في الشركة كان لها دور كبير في بلورة الوعي الطبقي عندهم ومنها تأسيس النقابة وكان يقود هذه الخلايا الرفيق حنا الياس وهو من قادة اضراب عمال السكك سابقا ويعاونه حكمان فارس الربيعي ,وافشلت الشركة الحملة من اجل تأسيس النقابة وتحقيق هدفها اذ قررت تأسيس لجنة عمالية داخلية في 13 حزيران 1946 وهذه اللجنة تحت اشراف مدير الشركة مستر «تود» وقد جرى نوع من الانتخاب الجزئي لهذه اللجنة ومع هذا فاز خمسة من الشيوعيين والديمقراطيين من اصل خمسة عشر مقعدا وكان حنا الياس الشخصية الشيوعية احد اعضاء هذه اللجنة وكان واضحا ان هذه اللجنة طالما هي تحت امرة ادارة الشركة فأنها تهدف الى شل نضال العمال في سبيل المطالبة بحقوقهم الاساسية وفي 13 حزيران وفي اليوم نفسه تجمع قرابة 500 عامل في مقهى «حمة طوبال» المحلي الواقع قرب سوق الهرج وتحدث اليهم الرفيق حنا الياس وشرح لهم مهام اللجنة وبعد ذلك قرر العمال الاتفاق على لائحة لمطالبهم وقد اشير اليها في بداية حديثنا .
استكمالا لما طرحه
الاخوة
فإن العمال أعدوا للامر عدته اذ اجتمعوا في الاقسام السبعة للشركة وانتخب كل قسم ممثله في الاجتماع لتكوين الوفد المفاوض وكان هناك اتصالات بين ادارة الشركة ووكيل المتصرف باشا القادري وقائد الفرقة الثانية ومدير الشرطة وبعض رؤساء الدوائر والمتنفذين من العوائل من اسرة النفطجي والقنصل البريطاني. كان وفد العمال المفاوض يتألف من 7 عمال ,لكن التسويف من قبل المتصرف ومحاولة استقدام وفد من عمال الشركة الذين ارتضوا لأنفسهم ان يكونوا ذيلا للحكومة المحلية ولإدارة الشركة فإن العمال المفاوضين الحقيقيين اصروا على مطالبهم لأنهم كانوا مدركين ما يقومون به ولإنهم ممثلون لآلاف العمال , وبسبب هذا التعنت قررت قيادة الاضراب تنظيم امورها وتشكيل لجان وكانت ساحة الاضراب هي بستان كاور باغي , فتوقفت ماكنة العمل في منشآت الشركة وشاع الخبر في لندن وباريس وعواصم اخرى ,لكن في كركوك كان سكانها ينتظرون تفاصيل الاضراب ومهيئين انفسهم لذلك .
انتخب العمال لجنة للاضراب تتألف من (5) أعضاء من بينهم وكانت بانتخاب علني وشكلت هذه اللجنة لجانا تابعة لها , لجنة المفاوضات وتتألف من 3 من القياديين وكان العمال يتجمعون في ساحة الاعتصام يلقون خطبهم الحماسية من اجل شد ازر العمال وباللغات المحلية الكردية والعربية والتركمانية والآثورية والارمنية كأنهم عائلة واحدة وتمر الايام والعمال صامدون والمفاوضات تتعثر والشرطة تتهيأ لا لصالح العمال وانما لصالح شركة النفط .
انتظم العمال في تظاهرة طافت شوارع المدينة ,رافعين شعاراتهم ومطالبهم وكانت جماهير كركوك تلوح لهم بالنصر والنسوة بالهلاهل والزغاريد .
ويضيف عبد الرزاق سعيد قائلا :كان العمال يتجمعون ابتداء من 3 تموز لغاية 12 تموز و يعقدون اجتماعاتهم في بستان كاور باغي في اطراف كركوك ,وكانت تلقى الخطب الحماسية بكل اللغات وهذا يدل على التآلف بين مكونات العمال القومية ووحدة الفكر الطبقي .
وفي 12 تموز تجمع العمال المضربون كعادتهم ولكنهم تفاجأوا بشرطة الخيالة تطوقهم وهدد قائد الشرطة العمال بفك الاضراب والا فإنهكم سيتحملون النتائج ولكن العمال وقيادتهم تجاهلوا هذا التهديد وكانت الكارثة عندما هاجمت الشرطة العمال من كل الجهات واطلقوا عليهم العيارات النارية ,ما ادى الى قتل وجرح اعداد منهم ,اذ بلغ عدد الشهداء 17 شهيدا وعدد الجرحى27 جريحا وكان اغلب الجرحى مصابين بعاهات كبيرة في منطقة الظهر .
ويضيف الرفيق جمال عبد الجبار اكرم :
قدم اهالي كركوك امثلة رائعة لنصرة العمال المضربين ومساعدتهم اذ كانت ابواب دورهم مفتوحة وكان اصحاب محال البقالة (بائعو الخضراوات والفواكه) لايستوفون اثمانها ويخفضون اسعارها تضامنا معهم وحتى اصحاب المقاهي فتحوا مقاهيهم .
كما قامت بعض الشخصيات الميسورة بنحر الذبائح واقامة الولائم وكان الشيخ احمد خانقاه مثالا رائعا لأبناء كركوك في دعمه وتعاطفه مع العمال المضربين .
ويضيف قائلا ان مدرسة كاور باغي تواصل تأثيرها على الوضع الحالي على الرغم من التغيير الذي حصل بعد عام 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري الذي حرم العمال في شركة النفط من حقوقهم في التنظيم النقابي واصدر القرار ذا الرقم150القاضي بتحويلهم الى موظفين وتجريدهم من صفتهم الطبقية ,كذلك ماقامت به حكومة الجعفري بتجميد اموال النقابات بالقرار 8750 وحرمان الطبقة العاملة من حقوقها واموالها ,لذا فان مطالب العاملين في القطاع النفطي لم تتم تلبيتها ,ما دعانا كنقابة الى القيام بالتظاهر والاضراب عن العمل في شباط عام 2011 وكانت مطالبنا: الغاء القرار 150 , اصدار قانون عمل وضمان اجتماعي جديدين , وتشريع قانون التنظيم النقابي الذي يفسح المجال لممارسة العمل النقابي في القطاع العام , وبناء دور سكنية او توزيع قطع اراضي, والانصاف في الايفادات والترقية بين العاملين , وارسال العاملين والمصابين بالامراض المستعصية للعلاج خارج البلد , وتثبيت العمال الوقتيين ....الخ
وقد تم تنفيذ جزء منها ولم يتم تنفيذ الباقي ,ما حدا بالعاملين في القطاع النفطي ايضا الى القيام بالتظاهرات في بداية عام 2015 .
عبد الرزاق سعيد اوضح ان ماحصل في كاور باغي هو مأثرة كبيرة على الرغم من ان العمال قدموا شهداء وجرحى ,وقد تضامن مع العمال اكثر من 150 محاميا تطوعوا للدفاع عنهم امام المحكمة وان المحكمة التي تم تشكيلها بتاريخ 1/6/1947 برئاسة جهاد سعيد الونداوي اصدرت قرارها بتبرئتهم واعتبار عملهم حقا مشروعا من اجل الحصول على حقوقهم وجرمت الشرطة على فعلتها النكراء .