فضاءات

ثورة أم انقلاب.. أم ماذا؟ / خالد العبيدي

رغم ان السنين الطويلة قد مضت فان ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 لم تمض، ولم تبارح افكارنا ولم تغادر مخيلتنا منذ ان عاشت ولا تزال تعيش في نفوسنا وضمائرنا لأنها بالحقيقة ثورة ليست كبقية الثورات، ثورة غيرت موازين القوى وقلبت الأمور رأساً على عقب وتمكنت من الاستحواذ على قلوب ومشاعر الفقراء والكادحين اصحاب المصلحة الحقيقية للثورة لان الظلم والعذاب والفقر والجوع وتفشي الأمراض التي اصابتهم وحدهم دون غيرهم كان من اهم العوامل والاسباب التي شجعت هؤلاء المواطنين على احتضان الثورة ومنحها كل الحب والتقدير.
فكان الفلاح معذبا في الريف يعمل ليلا ونهارا هو وعائلته لصالح الاقطاع ويصرخ باعلى صوته «نركض والعشا خباز» وكذلك العامل الذي استخدمته البرجوازية واصحاب رؤوس الاموال كىلات استثمارية لزيادة اموالهم التي جمعوها من عرق جبين الكادحين بينما نجد ونشاهد الرفاه يعم اوساط الخونة وبائعي الضمير ممن شيد النظام الملكي على اكتافهم فكانت ثروات وخيرات البلد حصرا عليهم دون ان يحسبوا لفقراء العراق وكادحيه اي حساب ودون ان يخطر في بالهم بان يوم العقاب سيأتي عن قريب وقد اضطر الكثير من الفلاحين الى مغادرة قراهم واراضيهم والمجيء الى بغداد هرباً من ظلم (المحفوظ) وسراكيله ومرتزقته بحثا عن حياة جديدة تعيد لهم كرامتهم وتحافظ على شرفهم وان يعيشوا كبقية البشر.
وجاءت الثورة لتعلن للعالم كله ان زمن الطغاة قد ولى وان الحقوق ستعود لاصحابها الشرعيين واستبشر العراقيون جميعهم خيرا بالثورة ومنحوها كل الدعم والاسناد ولكن العملاء والذين تعرضت مصالحهم الى الضرر لم يهدأ لهم بال ولم يستقر لهم حال فبدأوا يروجون الشائعات والاقاويل المسمومة من قبيل انها ليست ثورة وانما هي انقلاب عسكري لمجموعة من الضباط المغامرين الذين يتطلعون الى المناصب والمال دفعتهم بريطانيا بعد ان شعرت بان النظام الملكي لم يعد قادرا على حماية مصالحها وخاصة انعدام ثقة الناس به ورغبتهم في التخلص منه وبناء نظام?جديد فاوعزت لهؤلاء الضباط الموالين لسياستها والضالعين في ركابها للانقضاض عليه وتغييره بشكل يلفت انظار الشعب والجماهير بان حدثا كبيرا قد حصل وان الظلم والتهميش قد انتهى وان هيمنة وسيطرة البريطانيين قد ولت الى حيث لا رجعة وبذلك يتمكن المستعمرون البريطانيون من ادامة سلطتهم واستمرار سيطرتهم على الثروة وخيرات البلاد دون ان يعرف احد بذلك.
لكن هذه الشائعات والخزعبلات لم تعد تجدي نفعاً ولم يصدق بها أحد لأنها مكشوفة وواضحة للعيان وثانياً المنجزات والمكتسبات الرائعة التي تمخضت عن الثورة منذ اللحظات الاولى لانطلاقها اظهرت بان العكس هو الصحيح وان هذه الخزعبلات انما يراد منها زرع الشكوك والريبة بنزاهة الثورة وصدق نواياها ووطنية رجالها وحرصهم واخلاصهم للشعب والوطن الأمر الذي اضاع الكثير من الفرص امام المتربصين للانقضاض على الثورة وبعثرة منجزاتها واعادة الاستعمار لغرض سيطرته وهيمنته على البلاد من جديد.
فكلما يزداد خبث الخبثاء وتزداد رعونتهم ويشتد غضبهم فان الثورة تزيد من معطياتها ومنجزاتها ويزداد في الوقت ذاته تمسك الجماهير بها وحبهم لها وبما اطار صواب العملاء وجعلهم واثقين بان ثورة تحظى بهذا الدعم والسناد من قبل شعبها ليس من السهل الانقضاض عليها فالثورة لم تتوقف يوما واحداً عن العطاء والسخاء بما اثار دهشة العالم واحراره الذي يكنون للثورة ومنطلقاتها ومناهجها وبرامجها كل الحب والاحترام على العكس من اعداء البشرية وسارقي قوت الفقراء والمحرومين فكانوا على العكس من ذلك وفي اتجاه مغاير لاسيما بعد خروج العر?ق من خلف بغداد المشؤوم واصدار قانون الاصلاح الزراعي والغاء قانون العشائر وخروج العراق من هيمنة وسيطرة الجنيه الاسترليني وفتح المجال امام الصحافة والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم وممارسة الديمقراطية بأحلى اشكالها وصورها.
ومما اطار صواب العملاء واسيادهم المستعمرين ايضا هو الحفاظ على خيرات العراق وثرواته الطبيعية ومطالبة الشركات العاملة في العراق لزيادة حصته بنسبة 75% من عائداته النفطية واستثمار الاراضي واجراء عمليات البحث والاستكشاف داخل الاراضي غير المستثمرة مما جعل هذه الشركات تستخدم الوقت للماطلة والتسويف لعل حدثا جديدا قد يقع فيجعلها في حل من هذه الالتزامات والمطالب المشروعة لحقوق العراق فبدأ العمل بتجميع خونة الشرف وبائعي الضمائر ومدهم بالمال والسلاح والدعم والتأييد للوقوف بوجه الثورة والتصدي لها ومحاولة اجهاضها فتحق? لهم ما ارادوا بفضل هذا الدعم لاسيما الدور المخجل الذي لعبته القومجية ومن يتحدث باسمها.
وكان اليوم الثامن من شباط عام 1963 يوماً اسود في تاريخ العراق لعب فيه البعثيون دورا مخزياً في تدمير ثورة الجياع والمظلومين وتسليم البلاد الى اعداء العراق، الامر الذي ادى الى ضياع الثورة وبعثرة منجزاتها ولا ننسى عدم سماع بعض قادتها لصوت العقل والنصيحة والتحذير ما ساعد في تسهيل مهمة قوى الظلام الشرسة في تحقيق مآربها واهدافها الشريرة التي اوصلت العراق الى التهلكة والدمار والرجوع به الى ما كان عليه قبل الثورة.