فضاءات

لندن تستذكر تموز والصحافة الشيوعية واليسارية/ معن كدوم / لندن

بمناسبة الذكرى السابعة و الخمسين لثورة الرابع عشر من تموز و الذكرى الثمانين للصحافة الشيوعية ، عقدت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا ندوة عامة بتاريخ 19/7/2015 . شارك فيها كل من عميد الصحافة العراقية الرفيق فائق بطي , والرفيق عادل حبة , والرفيقة بشرى برتو ، وذلك في همرسمث غرب لندن .وبمشاركة جمهور عراقي مميز.
وبعد الترحيب بالحضور من قبل الفنان و الشاعر فلاح هاشم الذي أدار الندوة و قدّم مداخلته متطرقاً الى اهمية الحدثين بأنهما كانا معبرين عن الحس الجماهيري ، و في اطار حديثه عن الصحافة اليسارية و الشيوعية خاصة عبر تاريخها ذكر أن خطها البياني خلال عقودها الثمانية كان يتحرك مع ظروف الحزب . حيث تزداد سريةً مع اشتداد حملات الأضطهاد للرفاق و محاصرة إعلامهم .. و في فترات أخرى كان النشاط علنياً . لكنها لم تتراجع عن دورها و نشاطها عبر المراحل كلها . و ركز على أن أهمية هذه الصحافة لا تكمن فقط في كونها تبشر بفكر جديد في المجتمع و تتابع نشاط الحزب الشيوعي .. و أنما دورها الأوسع هو التثقيف و التوعية التي بهما استطاع الحزب أن يطور الوضع الأجتماعي منقذا المجتمع و ناقلاً حاله الى تجاوز و تخفيف تأثير المركزيات الضيقة الطائفية و العرقية . و بقي الحال كذلك لعقود من تنامي المجتمع الذي صار أفراده من كل الأطراف يلتقون في النشاط السياسي تحت راية المواطنة . على خلاف ما يحصل اليوم بعد استشراء موجة الاحزاب الطائفية و العنصرية . التي زورت الصراع و نقلته من كونه سياسياً الى صراع طائفي أو عرقي و أعادت المجتمع الى مرحلة ما قبل نشوء الدولة . ثم ضرب مثلاً بفترة المد اليساري للجماهير بعد ثورة تموز 1958 حيث لم تسجل حادثة واحدة تم فيها الاعتداء على أي مرفق ديني او إثـني على خلاف ما يتم اليوم في فترة سيطرة أحزاب الأسلام السياسي . وكذلك تطرق الى الرعيل الأول الذي مارس الصحافة اليسارية في العراق قبل عام 1935 سنة صدور العدد الأول من صحيفة الحزب الأولى كفاح الشعب . حيث أصدرت مجموعة من المثقفين التقدميين و منهم حسين الرحال مجلة الصحيفة ، و لعبوا دوراً رائداً في نشر الفكر الماركسي و التحريض ضد الاستعمار والقوى الرجعية .
بعد ذلك أعطي الحديث الى الرفيق فائق بطي الذي تطرق الى بدايات ظهور الصحافة اليسارية في العراق على يد مجموعة صغيرة ذات الافكار الاشتراكية و اليسارية والتي قدمت الى العراق من فرنسا وبعض الدول الاوربية الاخرى ، حيث شكلوا تجمعا يحمل الافكار الماركسية ونشروا افكارهم الاولى في جريدة اسمها (( الصحيفة )) في سنة 1924 وكان حسين الرحال مسؤولها. وقد صدر منها ستة اعداد فقط ثم اغلقت بسبب الهجمة الرجعية عليها. لكن بكر صدقي استلم المسؤولية و اصدر بعد ذلك عددين فقط وتوقفت ايضا . وهذا التاريخ يعتبر بدية صدور الصحافة اليسارية في العراق . وأضاف ، ان الرواد الاوائل والتجمعات اليسارية لم تتوقف في طرح افكارها وابداعاتها حيث التجأت الى صحف ومجلات اخرى كانت تصدرها ، وكانت تتعرض للغلق بعد النشر ايضا ، حتى ان الحزب الشيوعي الذى اصدر جريدة كفاح الشعب ، اضطر ان يغير اسمها الى الشرارة والتي اغلقت بعد ان صدرت منها 51 عددا . لكن الشيوعيين واليساريين بدأوا الكتابة في صحف اخرى ، وذكر فائق ، بان فهد كان يكتب من الناصرية ويرسل ما يكتبه الى الصحف اليسارية كمراسل .
تعرج بعدها الى بعض الصحف اليسارية التي صدرت في العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي منها (( الحدث ، المعول ، ومجموعة الاهالي ، الوميض )) ، واضاف انه بعد تاسيس الحزب الشيوعي العراقي صدرت جريدة كفاح الشعب لتكون ناطقة باسم الحزب ، وصدرت في 31 من تموز سنة 1935
وبجانب ذلك اصدر الحزب مجلات يسارية لكنها جوبهت بالمحاصرة من قبل قوات الامن ، ثم بادر الحزب في عام 1936 بأصدار (( الحكمة ، الغد .. سنة 1937 و العصر الحديث سنة 1938 )) وكان للمعتقلين دور ايضا في اصدار الصحف الشيوعية مثل (( السجين الثوري و حرية الوطن )) وكانت تكتب باليد .
وتطرق بعدها الى كيفية صدور الجريدة المركزية (( اتحاد الشعب )) ودورها في ثورة 14 تموز 1958 ، ثم بدأت الصحف الصفراء كما أسماها الرفيق فائق ، بمهاجمة الشيوعيين وقوى اليسار و ساهمت في انجاح انقلاب 1963 ، من هذه الصحف (( الفجر الجديد و العهد الجديد وبغداد )) ، ما اضطر الحزب خلالها الى إغلاق جريدة اتحاد الشعب واصدر وبطريقة سرية جريدة طريق الشعب وهي المستمرة الى يومنا هذا .
وبعد ان انهى الرفيق فائق مداخلته ، جاءت مداخلة الرفيق عادل حبة والتي سماها محطات سريعة في الصحافة الشيوعية في العراق ، وبعد نبذة تاريخية عن الصحافة الشيوعية العراقية تحدث عن الظروف السياسية التي تبلورت إثر الهزائم المتلاحقة لدول المحور والضغوط الشعبية الداخلية، فبادر الحزب إلى محاولات لإصدار صحف علنية تمثل وجهة نظره. فصدرت جريدة "العصبة" الناطقة بأسم "عصبة مكافحة الصهيونية" في 7 نيسان عام 1946، وترأس تحريرها الشهيد محمد حسين أبو العيس. وقد صدرت ثلاثة أعداد منها لحين تم توقيفها من قبل حكومة أرشد العمري. وبعد وثبة كانون الثاني عام 1948، وفي آذار من نفس العام أصدر المحامي شريف الشيخ جريدة "الأساس"، ولكن تم حظر صدورها بعد صدور بضعة أعداد منها. كما كان الحزب وراء إصدار جريدة "العصور" وجريدة "الهادي" التي صدر منها عدد واحد في عام 1949 وأغلقتها السلطة. كما صدرت صحيفة "واسط" في الكوت، وعهدت رئاسة تحريرها إلى الشيوعي الفلسطيني المخضرم المقيم في العراق محمد علي الزرقا، الذي نشط في صفوف الحزب الشيوعي العراقي في الأربعينيات، والذي كان يوقع مقالاته باسم "مازن". كما لم يترك الشيوعيون أية فرصة تتاح لهم للنشر في الجرائد العلنية مثل الجرائد التي كان يتولى تحريرها الاستاذ لطفي بكر صدقي وشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري. كما توفرت الفرصة للشيوعيين في تلك الفترة للنشر في جرائد ومجلات دينية مثل مجلة المثل العليا التي صدرت في 15 تشرين الأول 1941 في النجف، وكان صاحبها ورئيس تحريرها كاظم الكشوان.
واضاف الرفيق عادل عن ما طرحه الرفيق فائق حول صدور جريدة اتحاد الشعب وقال "" استمرت جريدة القاعدة السرية بالصدور حتى منتصف عام 1956. وكان أن صدر إلى جانبها صحيفتان أخريتان تعودان إلى التيارين الشيوعيين الذين انشقا عن الحزب وأصدرا صحيفة نضال الشعب وراية الشغيلة. ولكن مع التغيير الجذري الذي حصل في الحزب في منتصف عام 1955 وهبوب نسيم التجديد والتغيير في الحزب والدعوة لتوحيد طاقات الشيوعيين العراقيين، حتى بوشر بمعالجة التشتت في صفوف الشيوعيين وإعلان وحدتهم، وتوقف صدور الصحف الشيوعية الثلاث في منتصف عام 1956. وصدرت صحيفة جديدة تعبر عن هذه الخطوة البارزة في تاريخ الحزب باسم "اتحاد الشعب"، التي نشرت في صدر أول عدد لها بشرى توحيد صفوف الشيوعيين العراقيين.""
واثناء المداخلة تطرق الرفيق عادل عن قدرة الشهيد ( ابو سعيد ) وقال لقد كان طاقم التحرير فريداً من نوعه، ويضم شخصيات بارزة في ميادين مختلفة رغم أنهم لم يتلقوا دورات تعليمية في المهن الصحفية. ويشير الفقيد عامر عبد الله بحق إلى ذلك في مقالة له بمناسبة الذكرى الأربعين للصحافة الشيوعية بما يلي:( لقد انبثقت من بين أفراد الأسرة كوكبة موهوبة مبدعة. اذكر مثلا حقل "كلمة اليوم" الذي فتحه الرفيق الشهيد "أبو سعيد". كان أبو سعيد يكتب من قلبه.. ينتقي موضوعاته بعناية فائقة.. يتحسس بدقة الفنان نبض الشعور الشعبي.. وكان فوق ذلك ماهرا في اختيار الكلمة المعبرة والأساليب الأخاذة.
ثم تطرق الى الرفيق "عبد الرحيم شريف" وقال .. كان كاتبا موهوبا، واسع المعرفة، دؤوباً منظماً في كل شيء. لم يكن يكتب إلا بعد إعداد وتفكير.. نقاط وكلمات يصوغها بعناية دون انفصال أو تعجل. لم يكن يشطب كما كان يفعل "أبو سعيد" ـ كان يستخدم قلم الرصاص والممحاة.. لعله كان حريصا على أن تظل صورة أفكاره أمامه أنيقة منسقة. تلك كانت طريقته في الكتابة، ولشدّ ما استعظمنا مهمته عندما أناط الحزب به رئاسة تحرير "اتحاد الشعب" في وقت طغى فيه موج الردة. والشهيد "عدنان البراك".. وهو يمارس موهبته المبكرة في المرحلة الأولى من صدور "اتحاد الشعب". وكان يشق طريقه كالسهم إلى مصاف أكثر كتاب الصحافة قدرة وموهبة، تدهشك انطلاقاته في الكتابة كأنه كان يستنسخ مادة جاهزة .
ثم تحدث عن باب بالعامية "بصراحة" بتوقيع "أبو كاطع". واضاف كان من بين رفاقنا الشهداء كتاب قديرون.. سلام عادل، ومحمد حسين أبو العيس، وجمال الحيدري، ونافع يونس،(أضيف أنا بهاء الدين نوري ع.ح.) ولقد أعطى كل منهم جريدة الحزب قدر ما يستطيعون من جهد وفكر ومقال) و شاعرنا الفقيد رشدي العامل.
بعدها عرّج على دور الصحفيين الشيوعيين في الصحافة القومية و العالمية وقال : لم تقتصر الصحافة الشيوعية العراقية على الصدور باللغة العربية فحسب، فقد انفرد الحزب الشيوعي العراقي في المنطقة بإصدار صحف باللغات القومية، وتحديداً الكردية. فصدرت جريدة "آزادي" و "پيري نوي" و "ريڱاي كوردستان" أخيراً، والتي لعبت دوراً كبيراً في نشر الثقافة القومية والحفاظ على التراث واللغة القومية، إلى جانب تبنيها للحقوق القومية العادلة.
ولم يقتصر نشاط الصحفيين الشيوعيين العراقيين على ممارسة المهنة في الصحف الشيوعية وغير الشيوعية العراقية، بل ساهموا في العمل والنشر في الصحافة الأجنبية كالبرافدا والمورنينغ ستار والليومانيته ونامه مردم وفدائي خلق، إلى جانب الصحف العربية وتحديداً الصحف والمجلات الفلسطينية الصادرة في بلدان الشتات.
ثم جاء دور الرفيقة بشرى برتو والتي تناولت في مداخلتها دور المنظمات الحزبية و مساهمتها في رفد و نشر الصحف الشيوعية و إثرائها . وقالت ان الصحيفة تعتبر وسيلة مهمة لنشر افكار الحزب ، ولاهمية ذلك كان الشيوعيون يهتمون بايصال جميع الاخبار و بتحليلها وطرح رأي الحزب . وتطرقت كذلك الى اهتمام الحزب برفاقه الاعلاميين وكيف كان يفتح الدورات التدريبية لهم وكيف يوكد على اهمية ايصال الاخبار الحزبية الى الرفاق و الاصدقاء وهو يعمل بطريق سرية . واضافت .. أن الصحافة السرية لها مواصفات خاصة .. فهي تصدر بورق من القطع الصغير و غالباً يكون شفافاً و هي تكتب باليد ، وتستنسخ وتوزع عن طرق الرفاق والاصدقاء .
بعدها تحدثت عن صحافة الانصار وقالت "" بعد تكوين الحركة الانصارية قرر الرفاق اصدار صحيفة باسمهم رغم الظروف الصعبة ، وفعلا تم اصدار صحيفة صغيرة الحجم سميت (( نهج الانصار )) وقد صدر منها 12 عددا وكان ذلك سنة 1987 الى 1988 و توقفت عن الصدور بعد ان تعرض الحزب الى الهجوم الكيمياوي من قبل النظام الفاشي . وكانت الصحيفة تهتم بامور الانصار ونضالاتهم وتحركاتهم البطولية . وختمت الندوة بتقديم الشكر للمتحدثين والحضور الكريم