فضاءات

طريق الشعب علمتني دروس الوطنية والكتابة الصحفية / د. علي الخالدي

تعرفت عليها في أواسط الخمسينات وأنا طالب في المتوسطة بلباسها السري المكتوب باليد عن طريق زميلي متي عبد الله على ما أتذكر وزميل آخر لا يحضرني اسمه ، كنا نلتقي في حديقة على نهر الديوانية وأتذكر أننا كنا نقرأ قصيدة أين حقي لبحر العلوم ، ونحن ندرك أن من يُمسك وبيده القصيدة يسجن ستة أشهر.
في رحلتها العلنية اﻷولى سهرت على قراءتها ، واحتفظت بأعدادها اﻷولى ( إذا لم تخني الذاكرة فأنها كانت تطبع بورق أسمر ) وأصبحت من المدمنين على قراءتها . فقد جذبتني مواضيعها المتماهية مع هموم الشعب ، وبصورة خاصة الفقراء منه .
أعتبر نفسي ابنها وما زلت مدينا لها ، لأنها لم تلقنني دروس الوطنية ، وخدمة الشعب فحسب، بل عرفتني بطرق كيفية نيل حقوق المواطنة . لقد رافقتني في غربتي أينما حللت ، فقوت أواصر إرتباطي بالوطن في بلدان أجنبية وعربية . وكانت وما زالت بلسماً لمعاناة بعدي عن الوطن ، تروي عطشي بسماع أخباره . وهي كطائر تحط بين يدي في أي بلد مكثت فيه لأجل العمل . تصلني بطرق مختلفة منها العلنية ومنها السرية ، ولا أبالغ عند قولي انها أول جريدة عراقية تنطق بإسم الشعب تدخل كوبا في أوائل السبعينات . حيث كان يرسلها الشهيد ، الطيب الذكر دكتور صباح الدرة ممثل أتحاد الشيبة الديمقراطي العراقي لدى اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي (وفدي ) ، حيث أسهمت مع فريق شبابي أممي، للاطلاع على منجزات الثورة الكوبية في ظل الحصار الامريكي الجائر الذي صارت بوادر التخلص منه قريبة بعد صمود الشعب الكوبي لمدة تزيد على نصف قرن .
عند مواصلتي دراسة اختصاص في المجر، كنت أقوم بتوزيعها على العراقيين والعرب ، وأجمع التبرعات لها منهم.
تعلمت على يديها المراسلة الصحفية فأتذكر، نشرت لي ريبورتاجا على صفحتها اﻷخيرة عن مهرجان الشبيبة العالمي الذي عقد في صوفيا عام 1968. ما زلت أتذكر حيثيات هذا الريبورتاج ﻷني كنت أحتفظ بهذا العدد الى أن فقدته مع تراثي العراقي عند خروجي النهائي من ليبيا القذافي . وصلتني الى صنعاء حيث كنت اعمل بطريقة تدل على حنكة وذكاء موزعيها من الرفاق، نادرا ما غابت عني طلعتها فقد كانت تصل وبشكل معقول حتى الى ليبيا القذافي صاحب مقولة ، "من تحزب خان" . ومع هذا كان أحد زملائي من الاطباء الليبيين معجبا بها لدرجة انه كان يأخذها مجازفا الى بيته ليقرأها.
لقد درست فيها الفكر الملتزم والثقافة الديمقراطية اللصيقة بقضايا شعبي ووطني، وبها ترسخت وتعمقت محبتي للوطن وتبني قضاياه. أما على الصعيد الصحفي ، كانت مدرسة صحفية خَرَجت كوادر التزمت بضمير الشعب ، وهنا لا يفوتني أن أتقدم بشكري الجزيل لكل من علمني طريقة الكتابة الصحفية وتصحيح مقالاتي اﻷملائية والنحوية وإرسالها لي للتعرف على اﻷخطاء التي إرتكبتها ، قبل نشرها ظهورها على صفحاتها. والشكر موصول ﻷم نادية التي كانت تبدي رأيها بما أكتبه وتصحح اﻷخطاء النحوية واﻹملائية ، في بداية تطفلي على الكتابة الصحفية ﻷشغل فراغ وقتي الذي نتج عن تقاعدي من المستشفى قبل خمس سنوات ، وتقاعدي الكلي عن العمل قبل سنتين.
ان ما ينشر بها يتماهى مع صميم حاجات الجماهير ، وهي تثقف الناس على كيفية انتزاع حقوقهم من السلطات. وهي الجريدة الوحيدة التي كانت ترفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان العراق . لقد سجلت عبر صفحاتها مآثر شعبنا النضالية و عايشت ظروفه السياسية والمعاشية الصعبة ، ولم تخضع ﻷية إغراءات مادية من أية جهة كانت ، وكان الكثير من الساهرين على إصدارها متطوعين لا يتقاضوا غير الملاحقة وأﻷعتقال ، وفي علنيتها ، تحجب عنها اﻷعلانات ، وتحارب بكل الوسائل ، ولم يستطع قائد الفرقة اﻷولى الذي كان يدعى حسين حصونة على ما اذكر أن يعرقل وصولها الى عمال وفلاحي مدن وأرياف الفرات اﻷوسط والجنوب.
لقد كانت المعين الذي لا ينضب لتعزيز قيم التآخي بين مكونات الشعب العراقي فهي الناطقة باسمها والمدافعة عن حقوقها كافة . إنها اﻷولى في الصحافة الملتزمة ، منذ صدورها الى يومنا هذا وهي تحافظ على الثقة التي منحها إياها الشعب ، فلا غرابة من أن تكون أول جريدة تتلقفها الجماهير ، بعد سقوط الصنم، وتعود وبشكل علني ، ليستلهم منها محبو الوطن مواصلة الاخلاص والتضحية في سبيله في هذه اﻷوقات العصيبة التي تمر فيها البلاد والمتمثلة بالفساد وتغييب الكفاءات نتيجة نهج المحاصصة الطائفية ، وحاليا تتصدر صفحاتها الدعوات الى معاضدة قواتنا اﻷمنية التي تقود معركة التحرير من فلول العصابات اﻹرهابية
ستبقى طريق الشعب الغذاء الروحي والفكري التقدمي الملتزم ، الف تحية لمن سهر على مواصلة إصدارها ولمن ترك بصماته في سجل تاريخها النضالي من اللذين غيبتهم الحكومات الرجعية الدكتاتورية ، مع أطيب التحيات والتمنيات الصادقة للعاملات والعاملين فيها بالمزيد من النجاحات في تطويرها لمواصلة طريق خدمة الشعب العراقي في عيد الصحافة العراقية.