فضاءات

المقهى الثقافي العراقي في لندن يستضيف الحمار وجمهورياته الثلاث / عبد جعفر

في اجواء ممتعة ، جمعت بين النقد الرصين والسخرية المرتبطة بالنكتة العراقية السوداء التي تثير الضحك المجسد للألم، أقام زبائن المقهى الثقافي العراقي في لندن يوم 28-7-13 أمسية للكاتب والروائي كريم كطافة، المقيم في هولندا، في قراءات وتأويلات عن روايته الساخرة (حمار وثلاث جمهوريات) وتحدث فيها كل من الاساتذة خالد القشطيني عن (لون من السخرية العراقية)، وابتسام يوسف الطاهر (الدراما الساخرة) وجاسم المطير (تحديث السخرية) وفيحاء السامرائي (الأسلوب السردي) .
و الرواية محاولة استفزاز لعقول تنحت بعيداً في خضم القمع والاستبداد والابادات والتعصب، استفزاز كرامتها، كبرياءها، اعتدادها بالنفس بهذا الحيوان (الحمار) الذي بات مشجباً يعلقون عليه غبائهم وسذاجتهم وجهلهم بأكاذيب يطلقونها عليه ويصدقونها. محاولة رد إعتبار لهذا الحيوان الخدوم، الجميل، صاحب الفضل الأول في بناء خمس حضارات على هذا الكوكب دون أن يفتح بوزه بنهقة واحدة متفاخراً.
وفي بداية الأمسية رحب الفنان علي فوزي في تقديمه بضيوف زبائن المقهى قائلا : نتقدم منهم بالعرفان والشكر الجزيل لمشاركتهم بتقديم قراءاتهم وتأويلاتهم للرواية موضوعة البحث في أمسيتنا هذه . مشيرا الى أن الناقد جاسم المطير أرسل مداخلته لنا مشكورا من هولندا في رسالة متلفزة.
وفي تعريفه للضيف قال أنه من مواليد بغداد 1961 وعمله رسام (رسم هندسي) وأنه بدأ الكتابة كما يقول:
(بعد خروجي من كوردستان نهاية ثمانينات القرن الماضي. بالتأكيد لم أكن أعرف بالضبط ماذا أريد. لكني، لاحقاً عرفت أني أريد التنفيس عن احتصارات اجتاحتني أثر فشل وانكسار تجربتنا في تحقيق ما كنا نصبو إليه من خلال قتالنا لأكثر من عشر سنين منطلقين من الجغرافيا الكوردية. جربت الكتابة في أنواع أدبية وصحفية عديدة عدا الشعر. ظلت الشعر الميدان الوحيد الذي لم أتجرأ عليه. أحاول كتابة نص مفتوح أمزج فيه بين تقنيات القصة القصيرة ومتطلبات العمود الصحفي القصير، على خلفية ساخرة من هذا الكم الهائل والمخيف من المفارقات الموجعة التي تغلف حياتنا وخرجت بأعمال منها المنشور وهي:
- (ليالي ابن زوال) – رواية- دار الشؤون الثقافية/ بغداد / 2007
- (حمار وثلاث جمهوريات) – رواية- دار الجمل/ بيروت/ 2008
-- بضعة مئات من نصوص ومقالات موزعة بين النقد الأدبي والعمود الصحفي منشورة في جرائد ومجلات عراقية وعربية ومواقع الكترونية مختلفة.

اما اعماله غير الجاهزة أو غير منشورة هي :
- (حصار العنكبوت) – رواية-
- (13 ساعة نزهة حرة) – رواية-
- سكريبت فيلم روائي مأخوذ عن رواية (13 ساعة نزهة حرة) مقدم للجنة فحص النصوص لمشروع (بغداد عاصمة الثقافة 2013)، الآن هو في المرحلة النهائية، مرحلة إعداد الميزانية.
- (صلاح الدين البحار) – رواية-
- (ديمقراطية بدمها) - يوميات بغدادية -
- (الرجل والقِدر) مجموعة قصصية

وأجمع المتحدثون أن رواية (حمار وثلاث جمهوريات) تعد فتحا جديدا في الرواية العراقية الساخرة، وهي تجربة تقع خارج النسق الكثيف للرواية العراقية و(العربية) في مشهدها الاخير، وتميزت في إختراقها المحرمات، من الجنس والشذوذ وكافة أشكال القمع، واستغلال الدين وذلك بلغة رصينة سلسة وفي جمل قصيرة موحية، خالية من الاسراف العاطفي والوصف الكثير.
إن ميزة هذه الرواية هي وجع السخرية ومتعتها ، وهي نص روائي مثير للدهشة داخل الفضاء الاجتماعي وعبر هذا التدفق الحداثي في الفكرة والاسلوب.
ويذكر أنه قدم في الامسية أيضا مقتطفات من أراء نقادين بالرواية وهما ياسين النصير وعبد اللطيف الحرز.
ثم تحدث الكاتب عن تجربته وأجاب عن اسئلة الجمهور حول الرواية مؤكدا:
إن حديثي سيكون حول الحقائق التي تقع خلف النص، خلف الكتابة، فالنص ولد عندي عام 2006 وهي عام الذي عرف بفنتازيا الاجرام والذبح في الوطن الذي فاق كل التصورات والخيالات ، فأردت ان أفرغ هذا القهر من خلال هذه النص الساخر الذي حمل طبقات من الألم.
الحقيقة المعروفة، أن الناس روضت الحيوان، ولكن الواقع أن القمع روض البشر وجعل سلوكه اقرب الى سلوك الحيوان ، وجعلت من يقودهم يفكر نيابة عنهم ، فهم كالقطعان بعد أن رهنوا عقولهم (سر قفلية) لغيرهم.
وحاولت في هذه الرواية فك الاشتباك بين الحيوان والانسان، فالبشر يتجنى على الحيوان في اسقاط عالمه الاخلاقي على الحيوان، وهي اسقاطات سلوكية فيها الكثير من الاكاذب ويصدقها للبشر. فالحمار ليس غبيا، وحاولت ان اقلب المعادلة، وجعله –اي الحمار -هو السارد، ويكتشف الكثير عن عالمنا الانساني فيرفض أن يكون بشرا.
وحماري سياسي ومعارض يقود المتظاهرات ويسقط حكومات ويستخدم بالارهاب ايضا.
وأزعم ان هذا الشكل التعبيري في كتابة الرواية (السخرية السوداء) غير مطروق الا قليلا على مستوى الكتابة باللغة العربية.. وهو يكاد يكون معدوما على مستوى التجارب العراقية في الكتابة، باستثناء مخطوطة للفقيد شمران الياسري (أبو كاطع) رواية (الضبع الأخضر)غير أنها رواية لم تكتمل ونشرت فصول منها في الثقافة الجديدة، حيث غاص فيها الكاتب في عالم الضباع، مشتغلا على ثيمة ان الضبع يتنمي الى منطقة وسطى في عالم الحيوان الكائنة بين عالم الافتراس والتدجين.
أبو كاطع وظف هذا الموضوع، وكانت سبابته تشير الى نظام الحكم العراقي السابق ورئيسه تحديدا.
وأكد ان في روايته أراد ان يستفز البشر بأغبى حيوان في عرفهم وجعلته يتكلم بلسانه عن اخلاقهم وموبقاتهم، وأرى أن الشعب الذي لا يجد حلا لمشاكله وهو شعب ميت.
وقال: في الغالب يستخدم الحيوان في السرد الروائي للوصول الى هدف يقع خارج النص.. أو لنقل خارج دائرة الحيوان نفسه، ووفق الرؤية الاخلاقية الانسيانية التي اسقطت على الحيوان.. وهذه الوسيلة هي التي حاولت الهروب منها في هذه الرواية.. لم يكن الحمار بالنسبة لي وسيلة لطرح قضيتي.. بل وجدت له هو الآخر قضية جديرة بالطرح.. وبالتالي حدث التداخل بين قضيتي وقضية الحمار حتى أصبحا قضية واحدة.