فضاءات

عراقيون في الوجدان / سلام القريني

لم تكن مفاجأة ان يسطر كاتب امتلك زمام السطوة على قلم لم يهادن، او يخادع او يخنع وهو يكتب لنا أهم إهداء ينم عن قمة في نكران الذات، عبر هذا المنجز المهم فيقول :
(( الى كل صديق عزيز
ورفيق درب طويل
وفاء حب لدورهم الريادي
في خدمة الوطن الغالي)).
وانا اقلب الصفحات الواحدة تلو الاخرى مأخوذا برشاقة العبارة وحبكة الحدث وسلاسة التعبير لمسيرة امتدت عقودا طويلة اغنت الصحافة العراقية ودورها الكبير في بناء الانسان والمجتمع.
الكتاب ضم رحلة عمر مع 30 شخصية سياسية ثقافية نضالية عاصرها المؤلف وهو يجوب المنافي والفيافي من موسكو الى دمشق ثم براغ ولندن واليمن وكردستان الى بيروت فقاهرة المعز .
لقاءات واحاديث ومواعيد في هذا المقهى وذاك المطعم وتلك الربية، هناك عند ذاك النهر السريع الجريان الذي يقع في ابعد نقطة في عراق بلاد الرافدين المثلث العراقي التركي السوري نقطة عبور قوات الانصار لدك قلاع النظام الديكتاتوري.
في كل بقعة ، صورة وحدث وقصة عمر يطلقها من سجن الى أخر ليبدأ الحياة من جديد، لحياة اجمل دون ان ينال منه الكسل أو الجزع ، طوبى لك ايها الرجل المستقيم.
الكتاب يختتم المقدمة بمقولة لإبراهام لينكولن الشهيرة التي تقول :
((اذا كانت الصداقة هي نقطة ضعفك، فأنت أقوى شخص في العالم )).
الدكتور فائق بطي في معرض حديثه يقول :
في مسيرة حياتنا يتعرف الانسان ويعقد الصداقات في تعاقب المرحلة الاولى بعد الطفولة مع العشرات بل المئات من اترابه واصدقاء العمر وزملاء المهنة ورفاق الدرب، الا انه يجد نفسه بعد عمر, مهما طال او قصر، محاطا بقلة محدودة من كل اولئك الاصدقاء.
فمن السهولة ان تكسب صديقا، الا انه من الصعوبة والالم، ان تخسر صديقا وفيا مخلصا. هذا الارشيف الشخصي كما يسميه ضم نتاجات ثقافية وانجازات سياسية، وذخيرة لسيرة وطنية، ولقادة من العرب والكرد، وفي ميادين الصراعات والانتفاضات في اخفاقتها وانتصاراتها.
لا يمكن لأي باحث او دارس اليوم او غدا اغفال الدور الكبير الذي أسسه وأسهم في ارساء دعائم العمل الصحفي الوطني في العراق من دون ان يقف طويلا أمام العراقي رفائيل بطي الذي يقول عنه الابن :
من ان له نكهة خاصة
واهمية سياسية
عطاءات ثقافية لسيرة رائدة وذاكرة تاريخية نادرة. الوالد الوزير ونقيب الصحفيين غير المنتخب للصحافة العراقية وحامل وسام بشارة الخوري عندما كان رئيسا للجمهورية اللبنانية.
الجدير بالذكر ان العلامة البطي صدر له 16 كتابا ,الاول صدر عام 1956 تحت عنوان( ابي) والاخير كان كتاب ( الموسوعة الصحفية الكردية في العراق ) سنة 2011م.
سأتناول السطر الاخير من سيرته الذاتية مع تلك الشخوص الأعلام، وكتب بحق كل واحد منهم شهادة للتاريخ ، صادقة نابعة من اعماق القلب حتى انها ومن فرط رقتها ابكتني فلنقرأ تلك الشذرات :
1. ودعنا ابو فرات عام 1997م وسيبقى معنا، متنبي عصره، شاعر العراق الرمز، وشاعر العرب الاكبر في تاريخ الادب العربي قديما وحديثا.
2. لقد تأثر عبد الكريم قاسم بكل ما مر به الوطن والشعب، وترك اثرا سيبقى في نفوس اجيال العراق لسنوات قادمة وهي تحاول بناء الوطن الذي اغتاله الانقلابيون القادمون من خارج حدوده، والناكرون جميله.
3. لقد بقي حبي لمام جلال يكبر ويكبر،وامتناني له بالشكر يزداد، لمنحي ثقته العالية بي وتكريمي مستشارا له.
4. بعد سنوات قليلة من الغربة القسرية، جاءني الخبر المحزن بغياب لطفي بكر صدقي بعد رحلة وطنية مشرفة لرائد من رواد الصحافة العراقية الملتزمة، تاركا ارثا كبيرا من العطاء في سوح النزاهة والشرف المهني والكرامة الوطنية التي باتت دروسا للأجيال القادمة.
5. حسن النهر رحل، ولكن افكاره وعطاءاته لهذا الوطن ستبقى في وجداننا.
6. الى جانب كل ما حققه فخري كريم، فانه اضاف الى انجازاته معارض الكتاب الدولية الكبيرة في اربيل والسليمانية وبغداد ومواصلة اسابيع المدى الثقافية، هذا الرجل الطموح في جعبته الكثير من المشاريع المستقبلية ومنها سعيه الى إنشاء جامعة المدى.
7. مسعود البارزاني مقاتل قومي قبل ان يصبح قائدا عراقيا وقبل ان يكون كرديا، رجل جبل يحمل السلاح.
8. كي لا ننسى خلف الدواح. هل تجرؤ كلية الإعلام على تدريس تجربة ابو كاطع؟ شمران الياسري كاتبا مناضلا.
9. قلت في نفسي هذا هو عزيز محمد سيبقى ابنا للشعب والوطن فقد تأثر بهما وترك ارثا تاريخيا تعتز به الاجيال.
10. ان غاب عنا غائب فانه بقي حاضرا في وجداني، غاب وترك لنا اجمل الروايات التي ارخت بأسلوب شفاف تاريخ ونضالات شعب العراق، الغائب الحاضر ابدا.
11. لقد اخذ مظفر من العراق طيبة الابناء، وغرف من حضارته، وفاء الاوفياء، ومن تاريخه الحديث رغم الانتكاسات، فأعطى الوطن تاريخ شعر ينبض بالحياة.
12. جلال الماشطة الذي قضى جل حياته بعيدا عن الوظيفة في الدولة، ومغتربا، ثم عاد الى وطنه مستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية.
13. لقد تأثر يوسف الصائغ بالعراق.. وترك اثرا غنيا في سجل الثقافة العراقية ومنها ما يدخل في سجل الثقافة والابداع الوطني ومهما اختلفت الروايات حوله، فهو قامة من قامات العراق في زمن التوهج.
14. كان عز الدين رسول من اكثر المثقفين العراقيين انتاجا، فقد اصدر حتى الآن 84 مؤلفا في مختلف المواضيع وبذلك يعتبر, اليوم، اول مثقف يصل الى هذا الرقم في الاصدار.
15. سلوى زكو في كركوك نشأت وفي بغداد تألقت، وعت وعشقت الصحافة، فحفرت اسمها في سجل روادها، قليلة الكلام، كثيرة العطاء.
16. لقد تأثر فاضل السلطاني بالعراق واعطاه كل ما في جعبته قبل ان يغادر وطنه مرغما وهو يحمل على كتفيه هموم وآلام العراق وشعبه ليصبح, وهو في بلاد الغربة، احد المثقفين العراقيين،
17. سعاد الجزائري التي تجاوزت كل التناقضات في حياتها وهي القادمة من بيئة النجف الاشرف المحافظة واول فتاة في العشيرة تدخل الجامعة ومع شقيقاتها تلتزم بالسفور وتعيش في اجواء لا تؤمن بعمل المرأة اصلا فتتمرد لتخلق كل تلك التناقضات في حياتها وتحديات الزمان والمكان، شخصيتها المتميزة في الإعلام وفي المجتمع الذي تنتمي اليه.
18. يعقوب قوجمان ابن العراق، وهو اليوم في السادسة والثمانين، يريد العراق،ولا مكان غير العراق، يحلم بالعودة مع كلير مشعل الى مدينتها العمارة فهل سيحقق الزمن وما تبقى لهما منه هذه الامنية.
19. رافد فائق بطي مات في الغربة وفقد الوطن واحدا من الشباب الواعد، ليلحق به المئات من ابناء هذا الوطن في مقابر المنافي.
20. سلم علي تأثر بالعراق فاخذ منه القليل ليعطيه الكثير في ميادين نشاطه الطلابي والتضامني والسياسي وفي الاعلام والعلاقات الاممية ولا يزال يواصل عطاءاته من اجل الوطن ليبقى رمزا في الوجدان.
21. حمزة عبدالله كردي , مخلص حمل آلام أمته على اكتافه واقتحم السياسة من دون ضجة، لم تبهره المظاهر، بسيرته اعطانا مثالا في الاخلاق كما في دنيا السياسة.
22. حيدر شيخ علي , كادح كردي بين المعامل والمطابع تنقل , جرت السياسة في دمه والوطنية في وجدانه وتلقفته السجون داخل العراق وخارجه فصقلت منه مناضلا من طراز خاص.
23. حسين مردان غاب عنا في عام 1972، غاب احد اعمدة الشعر في العراق، ولكن ذكراه ستبقى عطرة لرجل لم يأخذ من وطنه الا القليل.
24. رياض النعماني شاعر شفاف انشد لوطنه وشعبه شعرا فصدحت ابياته غناء، خلدت في اصوات من غنى،وحفرت حبا في قلوب من سمعها.
25. كامل شياع قديس الثقافة العراقية، لقد كان المغدور ملتزما بالأفكار التقدمية والانسانية ولصيقا بالحزب الذي انتمى اليه مبكرا واخلص له ولمسيرته النضالية. سيبقى حيا في قلوبنا
26. محمد حسين الملا مثال المواطن الكردي الاصيل الذي تفتقده كردستان في هذه الايام بعد تحررها من نير الديكتاتورية والشوفينية والخلاص من اعداء الانسان.
المؤلف فائق بطي
عن منشورات دار المدى للثقافة والنشر
الطبعة الاولى 2013
تصميم الغلاف : ريم الجندي
الكتاب من القطع الكبير وبلغ عدد صفحاته 350 صفحة.