فضاءات

عمالة الأطفال.. ظاهرة متفشية من دون حلول / نهضة علي

عمالة الأطفال من الظواهر السلبية التي ازدادت في البلاد مؤخرا بشكل لافت للنظر، فغياب المساءلة القانونية للاباء والامهات ممن يجبرون اولادهم على العمل وترك المدرسة، شجع الكثيرين منهم على التمادي بتحطيم مستقبل اطفالهم بحجج واعذار واهية وتحت ذرائع مختلفة كعدم فائدة الدراسة والحصول على مهنة (مصلحة) تنفع في المستقبل، الاختصاصيون والمنظمات الانسانية يحاولون وضع بعض الحلول والمعالجات لهذه الظاهرة التي ارتفع خطها البياني واصبحت تعكس اثارا سلبية على القيم المجتمعية ومنظومة التحضر الاجتماعي والثقافي لتنشئة جيل مثقف يعي واجبه تجاه حياته المستقبلية ويعكس مستوى تقدم البلاد بما يواكب التطورات التي تحصل في العالم.
الأطفال العمال
سعد عدنان (10سنوات) في الصف الرابع الابتدائي: صبي مكمل بدرسين، كان اثناء الموسم الدراسي يعمل بعد الدوام واثناء العطلة الصيفية يعمل من الصباح الباكر حتى الرابعة عصرا، اذ يقتصر عمله على جمع المواد الحديدية وعلب المشروبات الغازية الفارغة والمواد البلاستيكة من بين اكوام النفايات ليبيعها على محال المواد المعادة، يقول سعد: اتقاضى عن عملي اجورا قد تتفاوت في ارتفاعها وانخفاضها تبعا لظرف العمل، وانا مضطر للعمل مع اخي من اجل توفير لقمة العيش لعائلتي، والدتي امرأة مريضة وابي متوفى منذ سنوات، وبين عدنان: انه يقضي الوقت المتبقي لديه في لعبة كرة القدم مع اصدقائه ولا يجد وقتا للدراسة الا في المدرسة.
زياد مزعل (13) سنة يعمل سائق(ستوتة) لدى احد الاشخاص، فهو يقوم بنقل اكوام الحديد بعد ان يجمعها ويبيعها على متعهد ثم يحصل من صاحب (الستوتة)الاصلي على اجره اليومي، موضحا: انه ترك الدراسة منذ ثلاث سنوات ويعمل لاعالة والده المريض، فهواكبر اشقائه الخمسة.
الطفل قيس مزهر(9سنوات) قال: اعمل في محل نجارة واخي الاخر يعمل مع والدتي في بيع الخضراوات، والدي متزوج من امرأة اخرى ولديه عائلة ثانية يعيلها، وترك والدتي تعتمد على نفسها في توفير متطلبات المعيشة لعائلة متكونة من ستة افراد، انا الان في الصف الرابع الابتدائي وافكر بترك الدراسة في السنة المقبلة لان وقت العمل يتعارض مع المدرسة
عوائل
حمدية غالب حميد (41) سنة ام لاربع بنات وولدين قالت: اضطرني شظف العيش الى اجبار ولدي (14) سنة على العمل في ورشة حدادة وتركه للمدرسة، فهو يحصل على اجر اسبوعي قدره 60 الف دينار، وعندما يصبح ملما بتفاصيل عمله ويصبح (اسطة) سيعطونه مبلغ 25 الف دينار يوميا، الامر الذي يسهل علينا بعض الصعوبات المالية، فلا معيل لنا بعد وفاة الاب بحادث ارهابي.
حسن جوال مهدي (50) عاما: بين ان مرضه المبكر اقعده في الفراش منذ ثلاث سنوات ولم يعد قادرا على العمل، الامر الذي اضطره الى الاعتماد على ولده في الصف السادس الابتدائي وتشغيله مع احد اصدقائه في ورشة لصناعة الالمنيوم مقابل 15 الف دينار كاجر يومي، مشيرا الى الحاق شقيقه الذي يصغره بسنتين للعمل ايضا في الورشة نفسها، لافتا الى عدم جدوى الدراسة بالنسبة لابنائه مادام الوضع الاقتصادي لهم سيئا ولا يمكنهم من مواصلة الدراسة لسنوات اخرى.
قانون حقوق الطفل
شوان اسماعيل مدير منظمة فرح للامومة والطفولة احدى منظمات المجتمع المدني العاملة في كركوك تحدث عن ظاهرة عمالة الاطفال قائلا: احد اهم اسباب هذه الظاهرة هو تردي الوضع الاقتصادي لعائلة الطفل او الصبي الذي يجد نفسه يعاني من عدم توفر ابسط المتطلبات الضرورية الخاصة به كطالب مدرسة او كطفل يحب ان تلبى جميع رغباته في اللعب والملبس والمأكل،كما ان تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي لبعض الاسر بسبب غياب معيل الاسرة او الام وعدم وجود الرعاية والاهتمام بالاطفال، يجبر الكثيرين منهم على الاتجاه للعمل وتبني مكانة المعيل للاسرة وتوفير نفقات المعيشة لاسرته، او قد يكون السبب هو الضغط من قبل الاب او الام، واضاف اسماعيل: ان ثقافة العائلة لها دور مهم في تقبل موضوع عمل الطفل في سن مبكرة، فالبعض منهم يرى ان العمل يقويه ويصقل شخصيته، متناسين نشأته محروما من ابسط حقوقه في الدراسة واللعب، وهناك جهل كبير من قبل الاولاد والعوائل بلائحة حقوق الطفل حسب اتفاقية جنيف، مبينا: ان قلة الثقافة والوعي بحقوق الانسان تدخل من ضمن اسباب تفشي هذه الظاهرة وتتحمل منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الطفل جزءا من المسؤولية، لانها اكتفت بدورات التوعية البسيطة دون المتابعة والتفعيل ولم تقم بدور الرقابة عن حقوق الانسان والانتهاكات ووضع المعالجات الممكنة، مؤكدا: ان هذه المنظمات لم تحقق شيئا في التقليل او الحد من هذه الظاهرة او حتى اعداد دراسة موسعة عنها تتضمن نسب واعداد العاملين من الاطفال، لوضع خطط وبرامج ذكية لتقليلها، مشيرا الى اكتفاء هذه المنظمات بندوات التوعية النقاشية،الامر الذي فتح المجال امام اتساع هذه الظاهرة بشكل ملحوظ، لاسيما في ظل عدم وجود قانون تشريعي يردع عمالة الطفل ويحددها في سن معينة كما في باقي الدول الاخرى.
معالجات
الدكتور صلاح عريبي مسؤول لجنة حقوق الانسان في جامعة كركوك اشار الى خطورة ظاهرة عمالة الاطفال وضرورة ايجاد حلول جذرية للدوافع التي تؤدي اليها واولها الدافع الاقتصادي، مؤكدا: ان اجواء العمل ستؤثر بشكل او اخر على نشأة الطفل وشخصيته وهي اجواء غير مناسبة من عدة نواح منها صحية واجتماعية وثقافية، فعمل الاطفال لساعات طويلة وتعرضهم لاجواء الحر والبرد مع اجواء بيئية مختلفة قد لاتتوفر فيها النظافة قد يعرضهم الى الاصابة بمختلف الامراض،اضافة لطريقة الاختلاط مع الاخرين في الشارع والسوق والاوساط المتدنية التي تؤثر بشكل سلبي على تفكير الصبية والاطفال ويؤدي الى الانحراف في وقت مبكر، الكثيرون منهم تعلموا السرقة والكذب والبحث عن الملذات، واخرون انضموا الى شبكات ارهابية استغلت ظروفهم المادية، واكد عريبي وجود معلومات لدى لجنته تشير الى انحراف الاطفال العاملين من (9 -12 سنة) نحو عادات وتصرفات لا اخلاقية، وبعضهم تعرض للاغتصاب لاسيما الفتيات العاملات تحت ظروف الاكراه والاجبار على العمل لساعات طويلة في الشارع او في الورش الصناعية والانتاجية.
واضاف عريبي: توجد معالجات علمية لهذه الظاهرة لو نظمت بآلية دقيقة، ومن خلال الحلول الجذرية للاسباب التي تؤدي الى اتساع هذه الظاهرة اهمها الارتقاء بالواقع الاقتصادي للعوائل الفقيرة والتوجه نحو تلك العوائل من قبل القائمين على ادارة المؤسسات المعنية وشمولهم برواتب الشبكة الاجتماعية وفق محددات تضعها الدولة، وكذلك تشريع قانون يحد من انتشار هذه الظاهرة وتكليف منظمات المجتمع المدني التي ازدادت اعدادها بشكل كبير على اخذ دورها باعداد برامج تعالج موضوع العمالة على قدر استطاعتهــا،بــدلا مـن صرف الامــوال عــلــى المــــــؤتمرات والندوات واقامة الدورات في الفنادق الغالية الاسعار، لوتم توفير مبالغ المأكل والمنام للمشتركين في تلك المؤتمرات واستغلت تلك الاموال باعداد مشاريع تعليمية للامهات من الاسر التي لاتمتلك معيلا او تعليم الاطفال بمهن وحرف مستقبلية مفيدة وباجواء مناسبة داخل ورش منظمة ومبردة ومتوفر فيها اجواء بيئية مناسبة مقابل الاجر وعن طريق مشاريع منتجة هو افضل بكثير من تلك الاجتماعات ولتثبت منظمات المجتمع المدني دورها كمؤسسات مدنية تعمل من اجل الرقي في المجتمع، واشار مسؤول لجنة حقوق الانسان الى ضرورة ايقاف ظاهرة التسرب من المدارس بشكل جدي وسريع عن طريق لجان متابعة تشكل من قبل التربية وتضم اختصاصيين تربويين يقومون بمتابعة الطفل المتسرب والاتصال بعائلته من اجل اعادته الى المدرسة،لان اكثر العاملين من الاطفال هم ممن تركوا الدراسة مع وضع اليات جديدة لاستقطابهم الى المدارس من خلال توفير مبالغ بسيطة لغرض استمرارهم بالدراسة،لافتا الى تحفيز مختاري المحلات السكنية على رصد العوائل المتعففة ورفع اسمائهم الى المنظمات الانسانية لاعانتهم بدلا من استخدام اطفالهم كمصدر للمعيشة.