فضاءات

أم سلطان عضو المؤتمر الأول لرابطة المرأة العراقية / محسن ملاّ علي

امرأة جاءت الى البصرة من أطراف مدينة سوق الشيوخ تحمل معها فكراً نقياً وعقلاً نيراً وروحاً ثورية وثابة وشيمة وشهامة أهل القرية، مستمدة تلك الخصال من أهلها الذين شاركوا في ثورة عام 1935 ضد النظام الملكي البائد .
ولأنها تحمل في ذهنها شحنات ثورية، كانت احدى المروجات لفكر وأهداف الحزب الشيوعي العراقي الذي انضم أولادها الى صفوفه بداية الأربعينات من القرن المنصرم. حيث كانت تشرح لأقاربها الذين يأتون لزيارتها ماهية الحزب وطبيعة العمل فيه وما هي أهدافه وكيفية الوصول اليه، كما توضح لهم اسباب معاناتهم وطريقة عيشهم المتعبة وكيف ان التجار والمرابين يشترون محاصيلهم الزراعية قبل النضوج بنصف قيمتها الحقيقية بسبب فقرهم وحاجتهم للسيولة النقدية التي يقتاتون من خلالها لحين الحصاد بعد اكتمال نضوج المزروعات. وكانت تشرح لهم بأن من واجبات الحكومة رعايتهم وتزويدهم بسلف نقدية وبذور محسنة ومستلزمات زراعية أخرى لزيادة المحصول وتحسين نوعيته.
دخل ابنها البكر (سلطان ملاّ علي) السجن في مدينة الكوت محكوماً ، وكانت تذهب لزيارته بين فترة وأخرى حاملة له ولرفاقه شتى الاحتياجات من الطعام والملبس والقرطاسية وبعض أنواع مطيبات الطعام التي يضيفها السجناء لتحسين مذاقه. وكانت تبث فيهم الروح المعنوية العالية وتشد من أزرهم وتقوي عزيمتهم وتقول لهم "السجن للرجال وأنتم خير الرجال" لأنكم تطالبون بالعدالة الاجتماعية وتحسين عيش العراقيين وتطوير البلد وتحريره من براثن الاستعمار.
كانت سفراتها اليهم مبعث نور وأمل متجدد وإصرار على مواصلة الدرب مهما كان طويلاً. وعند انتكاسة الحزب الناجمة عن إعدام قادته الثلاثة ( فهد , حازم , صارم ) شدد النظام الملكي قبضته على السجناء السياسيين وشن عليهم حروباً نفسية ومعنوية شعواء لإضعاف صمودهم وكسر معنوياتهم مستخدماً شتى الوسائل ، لذا كانت ام سلطان تشد من أزرهم بشكلٍ مستمر، وعندما اشتدت المضايقات والمعاناة أعلن السجناء الاضراب عن الطعام في أوائل 1950 .
منظمة الحزب الشيوعي في البصرة كلفتها بمهمة جمع تواقيع من عوائل السجناء لتقديمها للجهات المختصة ونشرها في وسائل الاعلام المتاحة، احتجاجاً على سلوك بعض عناصر السلطة ورغبة في تلبية مطالبهم (السجناء) ، فكانت تخرج صباحاً وتذهب الى العوائل المعنية وتجمع تواقيعهم في عريضة الاحتجاج، وبالفعل نشرت هذه الاحتجاجات في بعض الصحف آنذاك.
في أحد الأيام اختفى ابنها الثاني محسن ملاّ علي عن الأنظار إثر الحكم الغيابي الصادر بحقه ، وعند قدوم الشرطة المحلية للاستفسار عنه بغية القاء القبض عليه قالت لهم "لا اعرف شيئا عنه" في حين كانت تعرف جميع التفاصيل المتعلقة به .
ومن الطريف ذكره انه في عام 1951 سلمها الحزب أباريق مصنوعة من الصفيح (التنك) لإرسالها الى سجن الكوت في احدى المواجهات التي كان يسمح بها لزيارة السجناء بين الحين والآخر و كانت تلك الارسالية تحمل هدفاً آخر هو ايصال منشورات حزبية ذات أهمية عالية للسجناء داخل تلك الأباريق. وقامت هي بالمهمة على أكمل وجه دون تخوف ونجحت في إيصال تلك المنشورات .
لم تقتصر مهامها على السجناء وذويهم بل تعدت ذلك للسفر خارج الوطن فعندما انتقل ولدها محسن للإقامة في الكويت وفي زياراتها له كانت تجلب مجلات وجرائد ومطبوعات أخرى مرسلة من التنظيم الحزبي في الكويت الى نظيره في البصرة، حيث كانت تخفيها عن أعين السلطات الحدودية . وفي تلك الفترة كان بيتها محطة للقاء الشيوعيين حيث استقبلت الشهيد سلام عادل وشريف الشيخ وحمدي أيوب عندما كانوا في البصرة ، كما استقبلت سليم اسماعيل مختفياً عندها لثلاثة أشهر وحميد بخش لعدة أشهر ايضاً.
في يوم 14 تموز 1958 وعند وصول خبر المظاهرات المؤيدة للثورة في منطقة العشار، مركز (لواء) البصرة ، خرجت من بيتها الكائن في محلة السيمر في منطقة البصرة القديمة وحرضت الشباب على التظاهر والالتحاق بالتظاهرة الرئيسية في العشار، لمؤازرة المتظاهرين هناك وتعبيراً عن رفضهم لسياسات الحكومة الملكية.
نشطت في العمل الاجتماعي من خلال رابطة المرأة العراقية حيث تم اختيارها عضواً في مؤتمر للرابطة المنعقد في بغداد عام 1959. وكان الوفد برئاسة الدكتورة جليلة ناجي (أم ذكرى) وعضوية نهوض اسماعيل وسلمى العمار وكوكب عمران وغيرهن ، وبقيت ملتزمة بصفوف الرابطة لغاية انقلاب شباط الأسود 1963. كما بقيت مع أولادها ملتزمة بفكر الحزب وتوجهاته لحين وفاتها عن عمر 91 سنة.