فضاءات

"التظاهرة".. كلمة عادت الى قواميسنا من جديد! / نواف خلف السنجاري

قال افلاطون: « ان غايتنا من اقامة الدولة هي السعادة القصوى للجميع, وليس لأية طبقة معينة.» لكن المفجع حقاً ان يكون عكس ذلك تماماً هو ما يحصل في العراق! فالحكومات المتعاقبة وعلى مدى عقود لم تحقق السعادة للشعب, وانّما لقلة من المنتفعين الذين سلطتهم (الحكومة) على رقاب الشعب المسكين.
فنظام صدام حسين جرّد الشعب من وطنيته وحوّله الى قطيع يمشي وراء (حماره)! وكانت اية معارضة او حتى كلام لا يعجب السلطة مصير صاحبه الموت المحتّم. وكانت كلمة (تظاهرة) مفقودة وممنوعة من معجم كلمات (الشعب) على مدى 35 سنة ! بعد سقوط الصنم استبشر العراقيون خيراً, واعتقد أغلب المواطنين ان الحرية ستعمّ, وستتحقق السعادة للجميع. لكن الذي حصل خيّب آمال الجماهير, فتعمّق شرخ الطائفية المقيتة, وانتشر الفساد كالطاعون في جميع مفاصل (الدولة), واصبحت المحاصصة توجه دفّة السفينة في بحر من الدماء والدخان والمفخخات والقتل على اله?ية والفوضى العارمة...
كل هذه الضغوط ولّدتْ انفجار الشارع فشهد العراق تظاهرات تنادي بالإصلاح, شارك فيها آلاف المتظاهرين ومن مختلف الشرائح, في بغداد وبقية المحافظات, وكان حضور (المثقفين) في ساحة التحرير ممّيزاً وملفتاً للنظر ومشاركتهم كانت فعّالة, كما شاركت النقابات والجمعيات والجماهير الشبابية هي الأخرى في التظاهر ورفع اللافتات وترديد الهتافات التي تحمل مطالبهم. لكن أكثر ما أسعدني هو مشاركة (النساء) في هذه التظاهرات, المرأة العراقية لم تنسَ شقيقتها (السبية الأيزيدية) التي تُباع في سوق النخاسة, وتغتصب وتهان منذ أكثر من سنة بين أي?دي عصابات داعش المتوحشة. ورغم الأعداد الهائلة التي شاركت في التظاهرات, الا أن الشعارات والهتافات كانت ارتجالية وأقرب الى العاطفة منها الى المنطق, وتعددت المطالب وتشتت الأصوات التي كان من المفترض ان تتوحد وتصب في مجرى واحد. وأعتقد ان غياب القيادة والتوجيه الميداني واقتصار التظاهرات على يوم واحد في الأسبوع هي من ضمن الأسباب التي أدّتْ الى إضعاف قوة التظاهرات وقللت تأثيرها.
ان ظروف النازحين الصعبة لم تمنعهم من المشاركة في هذه التظاهرات, رغم ان اعدادهم كانت قليلة الا انهم ضموا اصواتهم الى أصوات اخوتهم لرفع الظلم والغبن عنهم وعن عوائلهم وارجاعهم الى مدنهم.
ومن المؤسف ان يكون هناك (متفرجون) ما زالوا يعيشون عقدة الخوف في نفوسهم القلقة وقد اكتفوا بالمراقبة السلبية لإخوانهم وأخواتهم من المتظاهرين الشجعان ولم يشاركوا فيها, ولو أسهموا ايضاً ورفعوا أصواتهم عالياً لكانت النتيجة أفضل بكثير.. وهنا تحضرني قصيدة الشاعر أحمد مطر (الواحد والأصفار) لأختم بها كلماتي:
ما معنى أن يملك لصٌ
أعناق جميع الأشراف؟
ليس اللص شجاعاً أبداً..
لكن الأشراف تخافْ
والثعلب قد يبدو أسداً
في عين الأسد الخوّاف
ما بلغ (الواحد) مقداراً
لولا واجه (أصفاراً)
فغدا آلاف الآلاف.!
ـــــــــــــــــــــــــــ
* شاعر وقاص من بعشيقة نازح في دهوك