فضاءات

تكنولوجيا المادة المضادة والأسلحة الأمريكية السرية الناجمة عنها مع تكنولوجيا البلازما( 1-2 )

د. جواد بشارة
تسير البشرية في خطين متوازيين سيحددان مصيرها, الأول هو الجشع والتسابق لامتلاك اسلحة التدمير الشامل بكل أنواعها وأشكالها بغية تحقيق الهيمنة المطلقة على الكوكب مهما كانت النتائج والتداعيات والتكلفة المادية والبشرية، والثاني هو استمرار العلم في التقدم والتطور والمضي قدماً نحو مستقبل باهر ومذهل في المجالات كافة ، المدنية والعسكرية في آن واحد، حيث سيفتح التقدم العلمي والتكنولوجي آفاقاً لا يتخيلها أحد اليوم ومن بينها أفق فهم أسرار الكون ومكوناته، الظاهرة والخفية، وعلى الأخص المادة والطاقة في الكون المرئي الذي نعتقد واهمين أننا نعرفه بذريعة?أننا نعيش فيه. ومن المتفق عليه اليوم أن معلوماتنا ومعارفنا في هذين المجالين تتراكم وتتسارع بوتيرة عالية بفضل تطور مصادمات ومسرعات الجزئيات العملاقة في العالم وعلى رأسها مسرع ومصادم الجزيئات LHC التابع لمركز الدراسات والأبحاث الأوروبي سيرن CERN الموجود على الحدود الفرنسية السويسرية. ولقد بات بمستطاعنا اليوم أن نفهم بدقة أغلب العناصر، حتى الأكثر تعقيداً، التي يزخر بها كوننا المرئي، وبالرغم من ذلك فلا تزال توجد تساؤلات وأسئلة كثيرة نعجز عن الإجابة عليها إن لم نقل يستحيل علينا معرفة إجاباتها في الوقت الحاضر. ومنذ سنة 1928، وهو تاريخ تقديم العالم البريطاني فرضيته بوجود المادة المضادة antimatière وهذه الأخيرة تثير فضول وحيرة العلماء حيث تساءل البعض منهم: هل حقاً توجد هذه المادة المضادة، وأين هي الآن؟ لذلك كان العثور على المادة المضادة أو إنتاجها مختبرياً هو أحد التحديات الكبرى أمام العلم خلال ما يناهز القرن من الزمان. استناداَ إلى نظرية الانفجار العظيم Big Bang. من المفترض أن يحتوي الكون المرئي على مادة مضادة تعادل كمية ما يوجد فيه من مادة والحال أننا نستطيع حساب كمية المادة في الكون المرئي، وهي ضئيلة جداً، ولا نستطيع أن نرصد وجود المادة المضادة أو نحسبها ولكن في عام 1956 قدم عالم الفيزياء الأمريكي موريس غولدهابير maurice Goldhaber فرضية تقول أن المادة المضادة قذفت إلى كون مواز غير مرئي univers parallèle invisible لذلك فهي نادرة في كوننا المرئي بينما تقول فرضية أخرى أن المادة المضادة كانت أقل بقليل وبنسبة لا تذكر من كمية المادة لذلك لم تفن المادة كلياً في حين دمرت المادة المضادة كلياً منذ البدايات الأولى للكون المرئي. ولم يتم تأكيد أو نفي أي من الفرضيتين علمياً . الأمر الثابت علمياً هو أن هناك في وقت ما وفي مكان ما مادة مضادة وأنها يمكن أن تكون اقوى مصدر للطاقة يتجاوز بكثير المصدر المادي للطاقة العادية. وفي سنة 2010 انتشر خبر حول العالم مفاده أن العلماء في مسرع أو مصادم الجزئيات التابع لوكالة سيرن الفضائية الأوروبية في جنيف نجحوا في اقتناص?بضعة عشرات من ذرات عنصر الهيدروجين المضاد atomes d-antihydrogène ولم تتمكن هذه الذرات من العيش سوى جزء من عشر من الثانية لكنها مدة كافية للعلماء في الوقت الحاضر لدراسة هذه المادة المضادة من الهيدروجين المضاد التي يبدو أنها اختفت تماماً في لحظة الانفجار العظيم أو الكبير، ويعود الفضل لاكتشاف المادة المضادة الى العالم بول ديريك Paul Dirac . ولكن إذا كان الانفجار الكبير نتيجة لالتقاء عنيف بين المادة والمادة المضادة حيث من المفترض أن تفني إحداهما الأخرى ، فكيف أمكن لعلماء اليوم أن ينتجوا في المختبر مادة مضادة، وهل ستعرض نتيجة هذه التجربة العلمية في سيرن النظريات الفيزيائية للكون المرئي للطعن والمراجعة ، وهل سيترتب على نجاح هذه التجربة ، وبعد تطويرها وتعميمها على نطاق واسع ، ظهور تطبيقات عملية مهمة من قبيل خزن الطاقة ، وربما الاستخدام العسكري لهذا المخزون الاستراتيجي من طاقة المادة المضادة؟. كل شيء في الكون المرئي مكون من ذرات، بعبارة أخرى أ? الذرة هي عبارة عن نظام مكون من جزيئات ذات شحنة سالبة charge négative هي الالكترونات التي تدور حول نوى مركزية ذات شحنة موجبة charge positive ، بيد أن الأمور لم تكن على هذه الشكل دائماً لأن الفيزياء المعاصرة واجهت مشكلة وجود الجزيئات المضادة المكونة للمادة المضادة كما نصت عليها قوانين الرياضيات والفيزياء الحديثة وهي مشابهة تماماً للجزيئات المادية لكنها معاكسة لها بالشحنة. ما يعني أن المادة المضادة هي صورة المادة في مرآة مماثلة لها ولكن كانعكاس في الاتجاه و الشحنة. أي هي مكونة من الكترونات مضادة تشبه الالكترونات المادية لكنها تختلف عنها بشحنتها الكهربائية الموجبة وتسمى البوزترونات positrons وكذلك نوى مضادة تتميز بشحنتها الكهربائية السالبة، حيث صار بوسع العلماء اليوم إنتاج هذه الجزيئات المضادة في المختبرات والمسرعات التي تعمل بالطاقة العالية جداً hautes énergies لكننا لم نرصد جزيئات مضادة أو عوالم مضادة أو معاكسة لعالمنا المادي في كوننا المرئي مصنوعة من المادة المضادة، أي كواكب ونجوما ومجرات وشموسا مكونة من المادة المضادة تشبه تماماً كوننا المرئي ولكن بالضد منه بالشحنة والاتجاهات. وهذا لا يعني أن هذا الكون المضاد غير موجود بل غير مكتشف من قبل البشر حتى الآن. تمكن العلماء من خلق جزيئات محايدة في المسرعات العملاقة تتميز بخاصية التأرجح أي التحول عشوائياً أو عفوياً من حالة الجزيىء المادي إلى الجزيىء المضاد . ففي كل مرة يتم فيها تحويل الطاقة إلى مادة تظهر كميات متساو?ة من الجزيئات والجزيئات المضادة وبالعكس عندما تلتقي المادة بالمادة المضادة يدمران بعضهما البعض وينتجان من جراء تصادمهما الضوء la lumière وتتولد مادة مضادة كلما ضربت الإشعاعات الكونية les rayons cosmiques الغلاف الجوي للأرض وتمت مشاهدة عملية النفي المتبادل بين المادة والمادة المضادة خلال التجارب التي أجريت في المصادمات أو المسرعات العملاقة للجزيئات . وكما نعرف فإن النموذج المعياري modèle standard لفيزياء الجزيئات هو نظرية تصف التفاعلات النووية الشديدة أو القوية والضعيفة والكهرومغناطيسية وجميع الجزيئات الأولية التي تكون المادة وقد صيغت هذه النظرية منذ بداية سنوات السبعينيات للقرن العشرين وهي توائم وتتماشى مع مبادىء ميكانيك الكم أو الكوانتا mécanique quantique ومع نسبية آينشتين la relativité d-Einstein . وبالرغم من دقة هذه النظرية فأن اختفاء المادة المضادة في الكون المرئي يبقى لغزاً غامضاً حيث أن النظرية المعيارية لفيزياء الجزيئات تصف تماثلاً symétrie في السلوك يكاد يكون تاماً بين المادة والمادة المضادة وفق معادلات هذه النظرية الرياضية. ومع ذلك إذا كان كوننا المرئي موجوداً فهذا يعني أن عملية النفي المتبادل بين المادة والمادة المضادة تركت تفوقاً طفيفاً أو حيزاً ضئيلاً يميل لصالح المادة على حساب المادة المضادة بنسبة جزيىء واحد من مليار عملية نفي متبادل أي أكثر من ما تنبأت به وتوقعته النظرية المعيارية، وهو التفسير المتداول حالياً لوجود كوننا المرئي وعدم انعدامه.