فضاءات

وليد جمعة...مات بعيدا عن بغداده

أي حزن يتملك الروح وأي دمع عصي على العين فتتقرح أجفانها، حين تتمثل أسطورة الموت للعراقي الذي ترك وطنه اضطرارا، لا سيما الراحل شاعر يعشق مدينته التي يعرف مقاهيها مثلما يعرف أزقتها وجسورها، هو ابن بغداد ذلك الذي شيعه رفاقه ظهر يوم الـثالث والعشرين من أيلول ليدفن في زاوية من زوايا شمال العالم، وفي المساء أقام التيار الديمقراطي في الدنمارك جلسة تأبينية/ استذكارية عن الشاعر وليد جمعة.
ابتدأ الجلسة الصديق هاشم مطر بمقطع من قصيدة للشاعر (الغروب النحيف) وهي من قصائد مخطوطة ديوان الشاعر الراحل وليد جمعة
في الغروب النحيف وإذ اتذكر رأس الحواش
وعگد النصارى
والتسابيل..
..أبچي.
في الغروب النحيف
رغم كل البلايا
أراه من المستحيل تماماً
كراهية «هذا» العراق.
ثم تحدث عن وليد الإنسان، الشاعر والكاتب والمتمرد والمشاكس واللماح، وليد العاشق للحرية الحالم بأجنحتها على ضفاف دجلة، وعن وجوده في الدنمارك منذ العام 1987 ثم دعا الصديق حميد جمعة ليتحدث عن أخيه.
ربما السنوات الطويلة التي عاشها حميد بعيدا عن أخيه وليد، جعلت ذكرياته تنصب على الرسائل والقصائد التي كان يتبادلانها، وهي بالتأكيد مفعمة بروح الأخوة والمحبة، مثلما هي لا تخلو من روح الدعابة التي يضفيها وليد على كل جملة يقولها أو يكتبها، ثم قرأ قصيدة كتبها إليه وأرسلها له قبل 25 عاما والتي اعتبرها البعض عتاب إلى وليد، كما قرأ قصيدة أرسلها له وليد ينصحه فيها الانتباه إلى عاديات زمن الغربة، وقد روى أكثر من طريفة ودعابة عن ولي
الفنان محمد زلال قال تعرفت على وليد جمعة حين كنا في العراق قبل أن تشتد هجمة النظام البائد الشرسة ضد الشيوعيين والديمقراطيين، وفي عام 1978 كان وليد من ضمن العاملين في جريدة الفكر الجديد في تلك الظروف الأمنية الصعبة، حيث كان معه الدكتورة سلوى زكو والشاعر عواد ناصر، في ذلك الوضع الصعب كان وليد يحرر المواد التي لم تنشر سابقا في الجريدة خشية على التحالف مع حزب السلطة، وحين تم إغلاقها نهائيا سافر وليد مع الشيوعيين إلى بيروت وبقي أمينا لنضاله ضد نظام البعث.
الصديق أياد الجواهري كان يحمل معه نسخة من مخطوطة ديوان الراحل، بدأ يقرأ منها بعض المقاطع الشعرية، قبل أن ينتقل إلى مقهى المعقدين في بغداد ليروي حكاية من حكايات وليد جمعة في المقهى حيث يقول (كنا جالسين في مقهى المعقدين عام 1975، اخرج وليد من جيبه قصاصة ورق وقال للشاعر عواد ناصر أوصلها للجريدة من أجل أن تنشر، ولكن بعد برهة سحبها من يد عواد وأعطاها لي (مازال أياد الجواهري يحتفظ بها وقرأ ما موجود بها)
(صفعة أخرى وتشحب،
تتهاوى،
وتقول الناس خانت،
ربما أنت التخون،
لا تقل أن الجنون،
جبهة كالطير طارت،
يا أبن أوى، كلنا مثلك ثعلب )
ثم جاء دور الصديق ئاشتي ليقرأ مادة بعنوان (مات الشاعر الأنيق) يستذكر فيها بعضا من حياة وليد جمعة ومعيشته اليومية وجاء في مقدمتها
(في مساء تتداخل فيه لحظات الحزن بكل جنونها،
يأتيك عبر جهازك النقال صوت ليعلن بكل حزنه،
مات وليد!!!
تعرف أي وليد هو يقصد، وليس غيره،
وتعرف أن الأطباء أمهلوه شهرا واحدا في الحياة، كان ذلك قبل أربعة شهور،
مع ذلك كان يتحدى الموت ويتحدى التعاليم،
يدخن بإفراط ويشرب كل ليلة قنينة خمر،
مع هذا مات وليد،
مات المتمرد حد النفور من تمرده )
الصديق نزار ماضي قال (تعرفت بشكل جيد على وليد جمعة في عام 1990 في الدنمارك، حيث كنا نلتقي يوميا من أجل تصحيح مخطوطة ديوانه، رغم أنني عرفته يوم كنا في بيروت وقبلها في بغداد، في أخر زيارة لي وهو راقد في المستشفى قبل وفاته بأربعة أيام قرأت له هذه الأبيات الشعرية التي كتبتها له لأخذ رأيه فيها من اجل النشر فصحح فيها من يطرب الحانا إلى يسكن الحانا
قد كنتُ مجتازا محلتكم.........فوجدتُ حين عثرت قرآنا
فيه من الألفاظ هندسة.........قد حير الإنسان والجانا
لكنني ما زلت ملتزما.........بالماركسية نعم ما كانا
الماركسيون الشباب معي......ووليد جمعة يسكن الحانا
هذا وليدُ وكله شجنٌ ........يضفي على الألوان ألوانا)
ثم تحدث الصديق لطيف المشهداني عن لقاءه الأول مع الراحل وليد جمعة كما روى واحدة من دعاباته حيث قال (سُئل وليد لماذا لم يلتحق بحركة الأنصار في كردستان، قال أنا دافع بدل نقدي، قالوا له كيف، قال أرسلت أخي حميد)
كما تحدثت الصديقة أنعام الحيالي مخاطبة صورة الراحل وليد المعلقة خلف المتحدثين بمشاعر صادقة عن معنى الإنسان وليد جمعة، ثم ختمت قولها (كنت عندما أرى وليد يسير في الشارع كأنني أرى بغداد بكل جبروتها)
وكانت هناك مساهمات اخرى للاصدقاء منهم ابو سعيد، وفؤاد
وفي الختام قرأ الصديق هاشم مطر قصيدة كتبها قبل نحو ٢٨ عاما في رثاء مبكر لوليد جمعة، جاء في ختامها:
أما زلت تقاوم الأحاديث
بـ اسكت يا عمي
والدنيا على هذا الغرار
والحبل على الجرار
تُلخص فيك العيونُ اسرارَها
فيضج الضحكُ بعينيكَ
والشهيگةُ تحاصرُ رئتيكَ المنخوبتين من زمنِ التويثة
زبداً لغروب الخريف، أو ربما كان غروبُ الوليد
فقليلٌ من الموت يكفيه...
حسناً...
سندفنك في (اللاهناك)
وإثر الدعوة الى جمع اشعار الراحل وليد جمعة تعهد الأصدقاء بجمع قصائده وإصدارها في ديوان.
تيار الديمقراطيين العراقيين في الدنمارك