فضاءات

أبو الفوز وكوابيسه في المقهى الثقافي العراقي بلندن / عبد جعفر

إختتم المقهى الثقافي العراقي في لندن موسم نشاطه لهذا العام بإمسية نوفمبر وهي عن النتاج الأدبي للروائي والصحفي (يوسف أبو الفوز)، وخصوصا روايته (كوابيس هلسنكي) وذلك يوم 29-11-2015 وأشترك فيها كل من الكاتبة إبتسام الطاهر والقاص عبد جعفر.
وفي بداية الأمسية رحب الفنان فيصل لعيبي بضيوف المقهى ثم قرأ اليهم رسالة إعتذارالكاتب (يوسف أبو الفوز) الذي لم يستطع الحضور بسبب مرضه ودخوله المستشفى، والتي اكد فيها شكره للمقهى الثقافي، مشيرا الى " أن روحه ستطوف المكان فرحة باستمرار هذا التقليد الثر، وأن إيمانه يزداد بأن الثقافة العراقية ستكون بخير بوجود أمثالكم ".
ثم قرأت السيدة ماجدة حمادي رسالة الأستاذ الجامعي مارك يونتينن حول (أبو الفوز) اشار فيها الى أن الكاتب متعدد المواهب والنشاطات الاجتماعية والثقافية، وقد عكس في أدبه محنة شعبه وماعانه من كوارث وحروب، وتمكننا من خلال إبداعه التعرف على محنة الثقافة العراقية في المهجر، وهو يعد واحدا من الذين خلقوا جسر العلاقة بين الشعبين الفنلندي العراقي.
ثم تحدثت الكاتبة إبتسام الطاهر عن تجربة (أبو الفوز) قائلة :
الكاتب يوسف علي هداد، أبو الفوز، من الجيل الذي عرف رحلة المنافي مثل الكثير من اليساريين الذين عانوا من غربة الوطن بعد أن حوله النظام السابق الى سجن مترامي الاطراف.عاش الكاتب في الكويت بعد هجرته وكتب هناك باسم مستعار (أبو الفوز) الذي عُرِفَ به في مجال الكتابة.
ثم استقر تغربه أخيراً في فنلندا حيث يقيم منذ 1995 ، تميزت اعماله القصصية في رصد حياة العراقيين في فنلندا والمهاجرين عموما ، فمجموعته القصصية " طائر الدهشة " الصادرة عن دار المدى عام 1999، وعن دار Like عام 2000 باللغة الفنلندية ، تتناول هموم اللجوء والمنفى العراقي. ورواية "تحت سماء القطب" ترصد انعكاس الحياة الاوربية على الجالية العراقية وكذلك هموم الجيل الثاني من المهاجرين العراقيين، ورواية "كوابيس هلسنكي" موضوعنا لهذه الامسية ترصد نشاط الجماعات التكفيرية في فنلندا وعلاقتها بالعنف في العراق .
وأبو الفوز هو أول كاتب من الشرق الاوسط، تحفظ أعماله وتفاصيل حياته ونشاطه الثقافي، ضمن أرشيف جمعية الأدب الفنلندي، المعنية بحفظ تراث الادبي في فنلندا .
بدأ الكتابة مبكرا وظهرت له العديد من المجاميع القصصية منها : عراقيون، انشودة الوطن والمنفى، طائر الدهشة ترجمت للفلندية باسم الطائر السحري، وتلك القرى— تلك البنادق عن تجربة الانصار. حيث كان أحد مناضليها...وفيلمه الوثائقي عن أول زيارة له للعراق وإنطباعاته أسماه (عند بقايا الذاكرة ) أختير ليمثل فنلندا عام 2007 في مهرجان تروبوي في مدينة بازل سويسرا. وله العديد من المقالات والحوارات الصحفية نشرت في الصحف والمواقع الالكترونية.
وفي مداخلتها القيمة أكدت الكاتبة والصحفية إبتسام الطاهر أن راويته الاخيرة (كوابيس هلسنكي) كانت رحلة عبر كهف أو منجم متعدد الابواب ووجدت فيها التاريخ والدين والسياسة والمغامرة والحب والحلم والرؤيا السريالية والواقعية .
بالرغم من السرد السهل كما يوحي لنا به الفصل الأول، يفاجئنا الفصل الثاني بأن مقدمة الرواية ليست سوى الفصل الاول من الرواية التي جزأها لأبواب متداخلة تؤدي لبعضها البعض كما لو هي سلسلة مترابطة..وقد نجح الكاتب بربطها بشكل سلس بالرغم من الأحداث الصادمة..
وتعتقد الطاهر أن الرواية يمكن اعتبارها سياسية بامتياز، ومنذ المقدمة التي عنونها (القارئ الكريم) ستعرف أنك امام رواية مختلفة عما قرأناه سابقا في بنائها واسلوبها. لكنها لم تكن معقدة فكان الكاتب هو الدليل الذي يقود القارئ ويفتح له الابواب بوضوح وسلاسة .
وأضافت أن الروائي أشار الى أسماء عديدة في المقدمة تصورنا انها ساعدته في مراجعة النص أو طباعته الخ..لكننا نكتشف ان تلك الاسماء هي شخصيات للرواية التي تطرق لها عبر رحلاته في موانيء المنفى او في الوطن قبل الرحيل. فالكاتب تعمد ان لا يطلق اي اسم على الشخصيات حتى الشخصية الاولى او البطل .. إكتفى بتعريفهم من خلال أوصافهم أو المهن أو الصلات الإجتماعية. بينما حرص على توصيف المدن وتسميتها.
مشيرة الى أن الكاتب إستخدم إسلوبا سرياليا لطرح قضايا واقعية عصرية ، أي التنبؤ او الرؤيا ليتخذ من مفرداتها وسيلة لرسم رؤياه في الكشف عن الشخصيات وعن الجرائم التي يحاول إرتكابها بعض الجماعات التكفيرية المتشددة ، بإسلوب بوليسي. لكنه جعل البطل يتعرف بسهولة عليها ويمكنه من الدخول لعالم الرؤيا وكشف خبايا نفوس وأسرار امثال هؤلاء.
في أبواب عدة نجد الرواية تضمنت نقدا وفضحا لأولئك الذي استغلوا الدول التي لجأوا اليها وتلاعبوا بالقوانين .
وحاول الكاتب ان يطرح وجهات نظره في إشكالية الدين خصوصا بعد الحملة التي تشنها وسائل الاعلام ضد الاسلام بسبب ارتكاب قيادات العصابات الارهابية للكثير من الجرائم البشعة بأسمه.
وأوضحت الطاهر أنه بالرغم من قتامة الأحداث وتصوير الرعب في سجون صدام لاسيما في باب أو مشهد (قبو) و(مختبر)، نجح الكاتب بانتشال القارئ عبر مشاهد عاطفية او طريفة خففت من ظلامية الأحداث والغرق في متاهاتها.
واشارت أن الرواية تحمل بلا شك تجربة الكاتب ومعاناته ونراه في شخصية صديق البطل الذي سماه الكاتب..ويطل مرة اخرى عبر يوميات البطل ربما! فالعمل الابداعي بكل ما فيه من خيال هو جزء من حياة المبدع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال وقائع و أخيلة او اماني. مؤكدة أن هذه الرواية لما فيها من معلومات مكثفة وقيمة أدبية وتاريخية وسياسية تستحق أن تصل للقارئ العربي وأن تترجم لتصل للقارئ الاوروبي.
ثم تناول القاص عبد جعفر رواية الكاتب (كوابيس هلسنكي) قائلا:
أن (يوسف أبو الفوز) يدخلنا في راويته عبر مذكرات البطل الى اكتشاف العالم من حولنا عبر حاسته السادسة أو قدرته على الرؤيا في معرفة الأشياء، وهذا يتجسد على شكل حلم يتجسد له، حيث يتماثل الواقع بالخيال، الحلم بالرؤيا، السرور بالكوابيس.
والحلم أو الرؤيا عند البطل تعيد لا خلق الواقعة فقط بل خلق البطل لنفسه وكما يقول ماركيز:
إن البشر لا يولدون دوما يوم تلدهم امهاتهم وإنما تجبرهم الحياة على ولادة انفسهم ثانية ولمرات عديدة.
وأشار الى أن إشكالية الحلم تدخلنا عند البطل الى مأزقه بالذات، فالذين حوله لا يفهمونه كعائلته وأصدقائه أوالسلطات الفنلندية وخصوصا في كشفه لخطط التجمعات الإرهابية، أذ ترى في مصداقيته نوعا من الجنون ، بعد أن كفت عن إتهامه بالتواطؤ مع الإرهابيين ، وقد جعلته رهين مشفى الامراض العقلية.
و تساءل :هل كوابيس هلسنكي كما هو عنوان الرواية هي كوابسينا في هلسنكي؟ فما الذي أضافته الينا المنافي من كوابيس، وما الذي اضفناه الى منافينا من كوابيس؟
معتبرا إنها اسئلة يصعب الإجابة عليها. فالوطن حملنا بكوابيس المطادرة والعذابات والمنفى أضاف كوابيس أخرى رغم مساحة الحرية، مثل اشكالية التشرد والعوز وإشكالية الاندماج أوالتمسك بالجذور الاولى.
والسؤال هل أعطانا (أبو الفوز) رؤية جديدة في هذا العمل؟
الجواب أن (أبو الفوز) الصحفي يتصارع مع (أبو الفوز) الكاتب ومرة يتفارقان وأحيانا تكون الغلبة للصحفي ولغته التقريرية.
ولكن الكاتب المبدع يظهر في طريقة تناوله للموضوع والبناء السردي للرواية وفي جعل حلمه ثقبه في باب الظلمة لرؤية ضياء الواقع وما يخفيه الأخرون عنا.
وأعتبر القاص عبد جعفر الفصل الأخير من الرواية هو الأكثرالفصول تشويقا ومتعة أذ تصبح فيه اللغة حية تتوازى مع الواقع ويختفي فيها (أبو الفوز) الصحفي تماما.
مؤكدا أن (أبو الفوز) أسقط في كوابيسه حجارة ثقيلة في ماء السرد العراقي في المنافي وخلق لنا سؤالا حول منجز الرواية العراقية في المنافي، هل ستظل صدى لإوجاع الماضي، أو تسجيل لمعاناة المنافي، بدون الاقتراب كثيرا من واقع يعمق إغترابنا وتقوقعنا سواء أكنا في الداخل أو الخارج.
وقد أثارت المداخلات حوارات وأسئلة مهمة من قبل جمهور المقهى اشترك فيها كل من ضيوف المقهى مثل القانونية السيدة بدور الددة ، وكريم السبع، وفيصل لعيبي، وعماد الحمداني، وصمد عباس، ومظفر وماجد حمادي.
وتناولت المداخلات موضوعة الاغتراب والانقطاع عن الجذور في العمل الروائي وجرأة العمل في الطرح خصوصا علاقة البطل بزوجته. كما تطرقت المداخلات الى موضوعة الإرهاب وهو الموضوع الأساسي في الرواية.
ويرى البعض أن الرواية فيها أحلام اكثر من الكوابيس، ولكن الكوابيس تبدأ عندما تعتقله السلطات الفنلندية وتحاصره بالإتهامات.
الجدير بالذكر أن برنامج المقهى للعام القادم قد إكتمل حتى نهاية العام وفيه من المواضيع الشيقة ما يغني فضاء المقهى ويزيد من مساحة المعرفة ويعمق محتواها الأنساني وستكون أول أمسيات العام القادم حول الآلات الهوائية والموسيقى الشعبية العراقية وآلة السكسافون يحيها الفنان عمّارعلو مع بعض الموسيقيين البريطانيين .