فضاءات

مسرحية المركب في ستوكهولم/عاكف سرحان

دارت الأيام والسنون وجرفتنا أمواج الغربة إلى شاطيء النسيان، وظلت عيوننا تنظر إلى الأفق البعيد تتأمل أحلام الطفولة والشباب واليقضة في عالم الحب والنقاء والبساطة والسلام والتقدم والتحضر والرقي والتسامح، بين ركام الحرمان والسجون والتعذيب والتغييب والتسلط والإستغلال وقرقعة السلاح ودوي حروب الطغاة وصراخ الضحايا... تساءلت متى تفتح جنة بلادي بسلام أبوابها للمخضبين بجراح البعد القسري؟. تسابقت خطاي في يوم عاصف، 4/12/2015، في العاصمة "ستوكهولم"،أخذتني ريحه يميناً ويساراً، نحومسرح موعود في وسط العاصمة (مسرح ئا. ب. أف) لمشاهدة مسرحية "المركب" تأليف وتمثيل الفنان سلام الصكر، وبمشاركة الفنانة نضال عبد الكريم، الإدارة المسرحية والسنكرفيا صلاح الصكر، وإختيار الموسيقى سومة سامي كمال وتنفيذ رتاب الأميري.
وفي قداس وصلاة وسكون أمواج بحر المسرح، تتلقف أسماعنا الأغنية التراثية "أنه من أكولن آه وأتذكر أيامي"، وفي إختيار موفق، لتشدنا إلى الأحداث الماضية المتواصلة مع تداعيات الحاضر وآمال المستقبل، ومن بين الجمهور، ينط سلام الصكر، بصوت مميز يتطلبه الدور، يتقمص شخصية المجنون ليموه عن شخصيته الحقيقية، وتعتلي الممثلة الرائعة نضال خشبة
المسرح بدور المدرسة مبتدئة من مؤخرة المسرح لتحاكي الجمهور عن تراجيديا الحياة. أشرعة متهرئه وحبال في ديكور منسجم يعطي صورة واضحة عن مركب مهجور متعب، ومن سياق الأحداث، تشعر أن المركب وشخوصة، ما هي إلا ومضات رمزية لعراق متعب وممزق أنهكته الدكتاتورية لتزيدة ألماً وتعذيب سياسة الجماعات التكفيرية ومرجعياتها ، وتدخل دول الجوار لخلق داعش ومن لف لفه بدعم من قوى خارجية لها مصالح إقتصادية وسياسية في ما وصلنا إليه. أنت يساري أو علماني أو مدني أو مصلح حقيقي، فأنت محارب ومطارد ومعرض للقتل والتدمير. فالمشهد الذي تطلب فيه المدرسة، المثقفة الواعية الهاربة من مطاردة المتخلفين وأصحاب ثروات السرقة والطفيلية وتجار الحروب، المكنسة من المجنون لتنظف المركب من الأزبال والوساخة المتراكمة، لتشير إلى دور المثقفين والواعين ومن لهم باع طويل في النضال من أجل حرية وسعادة الشعب، في تنظيف البلد من الإرهاب ووساخة المتنفذين وأدواتهم ومليشياتهم وأساليبهم الوقحة. وتكشف لنا الشخصية الحقيقية للمجنون، بأنه هارب من مطاردة التكفيريين الذين حطموا محل تصنيع الأعواد وما فيه، وقد إستطاع أن ينقذ عود جده ليهرب به إلى المركب المهجور، في إشارة رمزية إلى عمق وأصالة التراث لتهذيب وعي الإنسان.فالمركب يصل إلى برالأمان إذا تكاتفت كل قوى الخير والمحبة لصيانته وخدمته وتعميره. لقد تألق الفنان المبدع سلام الصكر في أداء الدور بحرفية عالية وتكنيك جسدي رائع شدنا إليه من أول لحظة إلى نهاية المسرحية. وكانت الممثلة المتمكنة الراقية نضال أوقدت الحيوية في تفاصيل المشاهد، فألف تحية لها، والمجد والخلود لأخيها الشهيد معتصم عبد الكريم "ساطع" الذي أسميت إبني ساطع إعتزازاً به. وألف شكر لفرقة ينابيع لتقديم هذا العمل الجاد في ستوكهولم. في نهاية المسرحية قدمت باقات الورد لكل كادر المسرحية.