فضاءات

وفاءاً للشهيد رياض أحمد صالح / كمال يلدو

كان معمل الصناعة البلاستيكية الذي يمتلكه الشهيد، ملاذا آمناً للكثير من الرفاق الذين حاولوا الهروب من أعين ومخالب المخابرات، كما كان مصدرا لمعيشة البعض أيضاً، ولعل موقعه المتميز لعب دوراً في ذلك. فقد كان يقع في منطقة سكنية مزدحمة، كانت تسمى (العمّار) والتي هي جزءاً من المنطقة الاكبر لـ (رأس القرية)، والوصول له يمر من «شارع الرشيد» عبر احد الازقة الفرعية والتي كانت تكنى ب (دربونة كرزات الموصل، او صائب أبو الثلج) على ان معالم اخرى كانت موجودة ايضا ومنها الخطاط (عبد القدوس)، بيت (ماركو ووالدتها رجّو) بيت (العلوية) وبيت (أبو نشعة) وهذه كلها كانت دوال للوصول او تقريب المشهد لموقع ذلك المعمل الذي كان ينتج بعض الحاجيات المصنوعة من البلاستك.
***
ولد الشهيد رياض أحمد صالح في مدينة بغداد عام ١٩٥١، من عائلة كانت على تماس بالقضايا والتطلعات الوطنية المشروعة، إن كان من قبل الاب أو الابناء أو الشقيقة الصغرى لاحقا. درس في مدارسها وتوقف في المرحلة الاعدادية الاخيرة بعد أن كان العمل في البلاستك قد أخذ جل وقته.
يتحدث عنه صديقه (كاظم صدام) ويقول: تعرفت على الشهيد «رياض» منذ ايام المتوسطة في مدينة الحرية، وانعقدت صداقة عميقة بيننا، ولعل الهاجس والاهتمام الوطني كان قاسمنا المشترك، فقد كان شديد الاهتمام بالثقافة الماركسية ، وأيقن بأن لا مناص من خلاص الشعب إلا بقيام نظام وطني يكون للوطنيين المخلصين الدور الكبير به.
في عام ١٩٧٦ قصدني الراحل بطلب أن اولي بعض الاهتمام بشقيقته إقبال التي قبلت في كلية العلوم حيث كنتُ طالباً، وقد وعدته بذلك، وزادت تلك اللحمة مع الثقافة الوطنية والسياسية التي كانت تحملها إقبال فتزوجنا، وبنينا عائلة جميلة، لكن وياللأسف، فقد خطفها المرض من بيننا قبل ثلاث سنوات.
لم تمض تلك الايام التي انحدر فيها النظام نحو الارهاب والعنف في تصفية خصومه السياسيين، وخاصة اليساريين منهم، لم تمض دون أن تترك لعناتها وجراحها غائرة في اجسادنا، كما عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين، فقد تعرض الشهيد رياض الى الاعتقال حينما كان يصف سيارته في المرآب الارضي للسوق العربي بمنطقة الشورجة، وحيث كان والده معه ايضا في احد أيام تشرين الثاني عام ،١٩٨٠ ولم نسمع أي خبر عنه ، وصرنا نخشى حتى البحث او السؤال عنه. أما عائلته فلم تسلم هي الاخرى من ارهاب واستفزاز المنظمات الحزبية البعثية التي كانت تتلذذ بمراقبتنا وتحويل حياتنا الى جحيم، وقد وصل الامر الى المعمل والعمال العاملين به، وحتى أنا (يقول السيد كاظم صدام) فلم أنجو من الملاحقة أو الاستجواب وحتى من الترهيب، لا بل انهم قد صادروا (نصف المعمل) والتي كانت تمثل حصة الشهيد. رحل والده عام ١٩٨٨، فيما لازالت والدة الشهيد السيدة نعيمة عودة خلف على قيد الحياة، وحتما فأن ألماً غائرا في الذاكرة والقلب دائم الحضور كلما مرّت ذكرى ذلك اليوم الاسود على العائلة.
بعد سقوط نظام البعث وصدام حسين في مزبلة التأريخ عام ٢٠٠٣، حاولنا (أنا وزوجتي وبعض الاخوة) عبثا أن نجد اية طريقة تدلنا على مصيره، فلم نتوصل إلا الى اوراق وأضبارات ـ الامن العامة ـ تثبت بأن رياض قد نُفذ فيه حكم الاعدام عام ١٩٨٦، ولم نستدل على المكان الذي يضم رفاته، وربما سأفترض بأنه استشهد تحت التعذيب وانه لم يدل بمعلومات عن رفاقه. وبذا يكون قد مات بطلاً!
الذكر الطيب للشهيد رياض أحمد صالح
المواساة لوالدته الكريمة وأشقائه والراحة لوالده وشقيقته إقبال
العار يلاحق البعثيين والمجرمين الذين نفذوا جريمة القتل.