فضاءات

أزمة السكن.. معاناة اجتماعية خطيرة / اسعد عبدالله عبدعلي

مشكلة السكن هي "المأساة الأكبر" التي تلازم حياة الإنسان في العراق, وهي السبب للعديد من الأمراض والمحن والاحباطات النفسية التي لازمت العراقيين منذ عقود، ولا يبدو هناك أي بوادر لحل هذه الأزمة المزمنة خلال الأعوام المقبلة، بل أن هذه الأزمة استفحلت على ما يبدو وما زالت عصية على الحل. أزمة السكن لم تكن بهذا الشكل في العقود السابقة لكن فشل الانظمة المتعاقبة في وضع سياسة معينة للاسكان تسبب في تفاقمها في أيامنا الحالية وبشكل غير مسبوق.
فشراء قطعة أرض يعني جمع مبلغ يصل إلى عشرات أو مئات الملايين، وهذا أمر صعب على الفئة الأغلب من أبناء الشعب, في حين تبدو قضية بناء بيت في هذه الظروف هي الأعقد، بل مهمة شبه مستحيلة بسبب ارتفاع أسعار المواد الانشائية بشكل كبير نتيجة الاعتماد الكامل على الاستيراد وكذلك ارتفاع أجور الأيدي العاملة وغيرها كثير. هنا يأتي دور الدولة في إيجاد حلول للأزمة، ولكن لا يبدو هناك أي حل بسبب العجز الواضح في ادارة هذه الأزمة وغيرها وانشغال الحكومة بتدهور الوضع الأمني، ناهيك عن استفحال أزمات أخرى عديدة لا تقل أهميتها عن أزمة السكن.
بيت ملك حلم أقرب الى الخيال
يقول كامل العكيلي ( موظف حكومي ): بيت ملك حلم يقرب من المستحيل, فمنذ خمسة عشر سنة وانا احلم ببيت صغير لعائلتي , لكن الراتب لا يكفي والعقارات مرتفعة جدا , ولذلك بقيت أسكن مع اهلي في غرفة صغيرة صابرا على تجرع الهموم والمشاكل. وأضاف: لا اعلم لماذا يستمر أصحاب القرار بالكذب علينا!؟ , فالمليون وحدة سكنية نسمع بها ولكن اين هي؟، ومنذ عام 2004 والوعود بتنفيذ البناء العمودي تملأ عناوين الصحف, لكن لم يتحقق اي شيء بعد مرور اكثر من تسع سنوات!، أعتقد أن المشكلة لها علاقة وطيدة باستشراء الفساد الذي بات سمة الوزارات الحكومية.
نعاني من غياب قانون ينظم الايجارات
المواطن خالد جلال يرى ان مشكلة السكن في العراق لها أكثر من سبب، فمن جهة عدد السكان في تزايد مستمر, ومن جهة أخرى هناك ارتفاع كبير في أسعار العقارات, في حين هناك ثبات في رواتب الموظفين مما جعلنا نرضخ للايجار المرتفع سعره أصلا، كحل صعب لا بديل عنه، خصوصا مع غياب قانون ينظم اسعار الايجارات. وأضاف: المواطن يعيش وحده في عاصفة الحاجات الاساسية التي تخاذلت عنها الجهات المسؤولة. لذلك اعتقد لو أن الدولة تقوم بخطوة أو بادرة جادة وهي توزيع الاراضي على الموظفين من الدرجة الخامسة والسادسة والسابعة لامكن حل جزء كبير من هذه المشكلة المستفحلة، ومن جهة أخرى تجد حلا لتخفيض اسعار العقارات, ولكن لا توجد ارادة على ما يبدو لإسعاد هذا الشعب المبتلى وحل مشاكله العديدة ومعاناته الدائمة.
نعيش في بيت صغير
ويضيف حسين غالب (من سكنة مدينة الصدر): منذ طفولتي وانا أعيش مع عائلتي في بيت صغير, مساحته مائة وأربعون مترا فقط، ونحن اربعة اخوة متزوجون مع "جيش من الاطفال", صدقني اشعر بألم شديد فكل شيء راكد ويبعث على القرف داخل جدران البيت الصغير , حيث لا مكان للقراءة او التامل, ولا فسحة للهدوء. وأضاف أبو علي: اتمنى ان تفي الدولة بوعودها وتقوم بانشاء البناء العمودي لحل مشاكل الناس خصوصا مع توفر المال والمكان. فنحن شعب حرم من ابسط الحقوق ومنها السكن. ولا أدري متى تلتفت الحكومة لنا وتنصفنا ولو لمرة واحدة؟.
تبخر حلم اخي بالزواج بسبب عدم وجود غرفة
اما المواطنة وسن الدليمي فتقول: تاخر زواج اخي لثلاث سنوات بسبب عدم وجود غرفة لكي يتزوج بها, وضاق اهل العروس ذرعا من طول فترة الخطوبة وحصلت خلافات عديدة انتهت بفسخ الخطوبة وموت حلم اخي بالزواج من الفتاة التي اختارها. انها مشكلة تواجه آلاف الشباب فالسكن من ضروريات الحياة وصدقني لو توفر السكن لتغير حال البلد ولاختفت الكثير من الجرائم والمحن. وأضافت وسن: انا على يقين ان الحل سهل وممكن، لكن هناك ارادة شريرة تحول دون ان ينعم ابناء الشعب العراقي بالراحة والاستقرار . فالاموال موجودة والشركات موجودة , لكن الارادة للحل هي ما نفتقده .
الكثير من قضايا الطلاق سببها أزمة السكن
ويقول المحامي حيدر الحلفي: الكثير من قضايا الطلاق التي تجري في أروقة المحاكم سببها الرئيسي السكن, فبسبب السكن مع الاهل في غرفة صغيرة تتولد مشاكل عائلية تصل الى حد الطلاق في بعض الأحيان. واعتقد اننا أمام مشكلة اجتماعية تتعلق بالسكن, فاليوم الحصول على بيت ملك هو حلم لا يناله الا ذو حظ عظيم. ولذلك اطالب الحكومة بتوزيع اراضي على المتزوجين الجدد وعلى الموظفين مع توفير قروض للبناء، فهذا حق المواطن على الحكومة .
اتمنى ان يصدق اهل السياسة ويقوموا بحل مشكلة السكن
ستار كريم ( من سكنة حي النصر في أطراف بغداد ) قال: نحن نعيش في بيت صغير متهالك، ونحن عائلة كبيرة تتكون من ستة عشر فرداً, ولا نشعر بأدنى راحة، فحياتنا فوضى والمشاكل لا تنتهي بسبب عدم وجود بيت يسعنا ونشعر بكونه مقبولاً , وانا شخصيا لا استطيع شراء بيت جديد، وبيتنا حتى لو تم بيعه فلا يأتي بسعر ارض في اي منطقة مجاورة لحي النصر. اتمنى ان يصدق اهل السياسة ولو لمرة واحدة ويقوموا بحل مشكلة السكن للمواطن العراقي . والحلول ممكنة مع توفر المال والشركات العالمية المستعدة للتنفيذ باسرع وقت .
نفتقد للرؤية
آخر لقاءاتنا كان مع الاقتصادي بهجت عبد الحسين حول أزمة السكن، قال: أزمة السكن في العراق ليست هي الاولى فقد حدثت للكثير من البلدان , لكن الاخرين وضعوا خططاً واستراتيجيات لحل المشكلة وتم لهم الأمر, لذلك ما نعاني منه ليس مستحيلا, لكن نفتقد للإرادة والرؤية الحقيقية . وانا استطيع أن أضع حلا بسيطاً تجده عند كل مواطن يفكر بحل المشكلة. وهو، اولا: البدء فورا بتنفيذ مجمعات سكنية من طراز البناء العمودي شرط الانتهاء من التنفيذ بسنتين وتوزيعها بالاقساط المريحة على الموظفين وغير المالكين لعقار.
وثانيا: توزيع أراضي سكنية على الموظفين والعسكر. وثالثا: توفير قروض للبناء, وقروض لشراء بيت.
ورابعا: تدخل الدولة لتخفيض اسعار مواد البناء.
وأضاف: عندها سنشهد تحولاً كبيراً في الازمة حيث ستنخفض بشكل كبير جدا اسعار العقارات بسبب التسهيلات الجديدة, وستنفرج الازمة لو تم تنفيذ هذه الخطوات الأربع.
حتى ان معدل الجريمة والارهاب سينخفض. بل ان معدل التسرب من المدارس والرسوب سينخفض لارتباط الكل بالسكن .
فاذا اردنا الحياة السعيدة للمجتمع علينا أن نحل مشكلة السكن أولا.