فضاءات

الفقر والبطالة والإحباط تلاحق المرأة العراقية / احسان عبد علي

الظروف الاقتصادية والاجتماعية في العراق، أثرت على الحياة العامة بشكل ملحوظ، حتى اختلت فيها الموازين، ووصلت إلى حد أن يكون المتزوجون هم الأكثر إقبالاً على الزواج، فيما ترغب النساء الشابات في الزواج من شخص متزوج، كونه «مستقراً» مادياً واقتصادياً، ولديه الخبرة في التعامل مع النساء، ولا يفضلن الشباب ممن يعانون العوز والفقر والبطالة. يفضلن المتزوج حتى اذا كان اكبر بنحو 20 عاماً، وشرطهن الوحيد هو أن يكنّ في معزل عن الزوجة الأولى، أو حتى الثانية.
اذن فهل دق ناقوس الخطر بالنسبة لمستقبل توظيف المرأة وارتفاع معدل البطالة في صفها في وقت بدأت فيه البيوت تتكدس بالخريجات من مختلف التخصصات والمراتب؟.
في إطار غياب آلية واضحة لعمل المرأة لدى الجهات المعنية تبقى هناك تساؤلات عديدة حول الأسباب ومكامن المشكلة بين المرأة وطبيعتها ونظرة المجتمع لها وواجب القطاع الخاص في توفير الفرص المناسبة لعمل الطرف الآخر من المجتمع.
المخاطر تتزايد في ظل الأفواج الغفيرة من الخريجات كل عام مقابل الفرص المحدودة لعمل المرأة التي لا تواكب سرعة التوظيف وتقف عائقا أمام تحقيق طموحات المرأة في العمل لإثبات كيانها وليس للكسب المادي فقط، إضافة إلى مطالبتهن بتفهم أبعاد المشكلة والأخطار الاجتماعية التي تنتج عن اللظى المدفون بالرماد.
القطاع الخاص أصبح الملاذ الأخير لعمل المرأة لكن له من الشروط والمطالبات ما يورث الإحباط في مجتمع يتعامل بحساسية مفرطة مع عمل المرأة.
نسبة البطالة تتصاعد
أمام هذه الظروف ستتصاعد معدلات البطالة النسائية لأرقام فلكية خاصة في ظل عدم تعاون القطاع الخاص وقلة الفرص في القطاع الحكومي مما يدل على انه يوجد تخوف حقيقي من منح الفرصة للمرأة لدخول سوق العمل.
نسبة البطالة تولد حتما إحساسا لا يخلو من الإحباط خاصة وان النسبة الأكبر في البطالة هي بين النساء. وهو أمر مخجل بالفعل ويعني أن النساء هن الأقرب إلى خط الفقر في ظل نقص فرص العمل المعتادة لهن. كما أن معظم الأسر لا توافق على عمل بناتهن إلا في الأماكن التي تراعي خصوصية المرأة وهذا سبب آخر مهم من أسباب البطالة لدينا. فنحن في مجتمع محافظ يضع العراقيل أمام المرأة الراغبة في العمل، في حين لابد من إعطاء المرأة الفرصة الكافية لكي تثبت تواجدها بقوة في سوق العمل والانتقال إلى مرحلة منح المرأة الثقة في العمل بدليل وصول العديد من السيدات إلى مناصب قيادية في قطاع البنوك وعلى مستوى برامج التوظيف وفي مراكز سيدات الأعمال وغيرها من الأماكن ومتى ما أعطيت المرأة الخصوصية ستبدع في شتى المجالات.
لكن «الالتزام بالعادات» واحد من الضوابط الأساسية. فالكثير من الآباء والأمهات لا يرضون بعمل بناتهم الا بشرط عدم تعرضهن من الاختلاط مع الرجال!
قصة إعلان للتوظيف
مطلوب (6) فتيات يجدن اللغة الانكليزية، محادثة وترجمة والعمل على الحاسوب على وفق أنظمة فوتو شوب، أكسلو .. بريمير، لصالح إحدى الشركات الأهلية . ستهمل أية استمارة تقدم على عنوان الشركة الالكتروني بعد مدة أقصاها ... الخ .
يبدو أنها طريقة جديدة للتعيين، وثمة أكثر من 200 امرأة من العراقيات اللاتي تقدمن بالطلبات معظمهن يعانين الاحباط، ويرين ان التقديم لشركة لا تحمل إسما في الإعلان أمر لا بأس به فبعض الشركات في العراق ، تَحذر من الاعلان عن اسمائها ، أو تتخفى تحت يافطات تحمل أسماء مستعارة ، لكنها «تدفع» مغرياتها على موقعها الالكتروني تستدعي التجربة .
هذ مشهد درامي في العراق، يؤكد حقيقة أخرى للجوع والبطالة. تصوروا ان فتيات بعمر لم يناهز الثلاثين، يتلقفن بهذا العدد إعلانا لشركة لم تفصح عن نفسها أو مجال عملها.
واقع مزر
أرامل، مطلقات، فتيات وغيرهن يؤكدن حاجتهن للمال فقط . ذلك، بمعنى موصول : انتحار جماعي ضمن المنظومة القيمية التي تعتد بها الغالبية من العراقيين كونها «مادة ارتباطهم بمفاهيمهم الاجتماعية القائمة».
لكن ، تلك المنظومة ، جعلت معظم النساء في العراق يعتقدن بأنهن بائسات أكثر من نظيراتهن في دول المنطقة . تحت المسطرة العربية فأن لسان حال الغالبية يقول: «انها مهمشة.. أو،لا تملك أي شعور أو احساس ايجابي». العراقيات يعتبرن أنفسهن أكثر تعاسة، بالأضعاف، من النسوة العربيات، في بلدان المجاعات والمعروف عنهن، على نطاق ضيق، «نساء الحضيض». هناك، الظرف صعب للغاية ،لا مجال لقول: « قيود الدين.. قيود الاعراف».
ما قدم من المعالجات لواقع المرأة المزري ،محليا ، تلك المساع الحثيثة التي بادر بها مهتمون، ناشطون، معنيون، محللون، وغيرهم ، ولاقت ترحيب و»تمحيص لوجستي» من قبل الاجهزة المركزية في الحكومة . وزارتا التخطيط والتعاون الانمائي والعمل والشؤون الاجتماعية بمشاركة وزارتي التربية والتعليم العالي ومنظمات مدنية، تبنت مشاريع النهضة بواقع المرأة عبر برامج عامة خرجت من مرقاب ضيق العدسة، بحسب قراءات لمنظمة الأغذية والزراعة «فاو»، موجهة لتلك الشريحة ، ولم تلق حظوظها برغم الجهود التي بذلت لإنجاحها.
لكن المعوق، لتحقيق الحضور الأوسع للنساء، هو ذلك الذي يتصل بالنسق الثقافي والقيمي الذي يكرس صورا مكررة عن المرأة والدور الذي تلعبه في المجتمع، مع توافر بعض التفسيرات التي يمكن توظيفها بهذا الخصوص للحد من تفعيل مشاركة النساء في مجالات الحياة كافة.
العادات والتقاليد
تقول أنسام جميل الناشطة النسوية «لنبدأ من جديد، العادات والتقاليد وطبيعة الثقافة الذكورية أثرت على عدم تعود المجتمع العراقي على رؤية النساء في المواقع المتقدمة ، والعظيم في الأمر ان الرجال يوجهون السؤال القديم : ما الذي ستنجزه المرأة في ظل هكذا ظروف صعبة؟ ، بالرغم من ان انجازات الرجال، بحسب استطلاعات رأي، كانت محدودة ، بل أن أدائهم ، بمجمله، كان محدودا جداً».
واذ تساهم العوامل الاقتصادية وارتفاع نسب الامية بين النساء، بأشكالها المعقدة، في المجتمع، فان هيمنة النظرة الذكورية والشكوك التي تحوم حول أهمية مشاركة النساء في العمل، اجتماعية كانت أو سياسية، أو استحقاقية تعد من العوامل الأساسية والمؤثرة في الاحباط بين النساء، وذلك بوجهة نظر متخصصون عراقيون.
من فوق يمكننا رؤية ما هو شكلي ان أعلى نسبة لمشاركة المرأة ، بعد الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 ، بلغت 13,2%، وهي قياسا بالمشاركة النسائية في المنطقة العربية، نسبة جيدة على الرغم من ان المرأة العراقية لم تشارك في صنع القرار،في وقت كانت فيه البلاد ذهبت الى «أزمة» حروب وتداعيات إنشغل فيها الرجال بمشكلات عقيمة.
اذا ما عدنا الى التمثيل النيابي «الكوتا «، فالتعويل على تبني هذا النظام بالنسبة للمرأة ،قد يقود الى فضاء من فشل التجربة وتعذر تبنيها مرة أخرى، اذ ان توظيف قضايا المرأة سيشكل عقدة في المستقبل، حيث ستنحسر تلك القضايا في زاوية محاولة سحب هامش الديمقراطية الافتراضية وتوجيه الرسائل الانتخابية. ويمكن اجمال الجبهة التربوية الوضعية، أو قل: «اساسيات الحياة»، وقل، بعد ذلك، «ضمور المنظمات النسوية ، ومن ثم غيابها».
بالرغم من عدم توقع ظهور اشكاليات ،وفق الضرورة الديموقراطية، بشأن توسيع مشاركة النساء في العراق بعد إحداث التغيير، بافتراض أن الأطراف الأساسية في النسخة العراقية أعلنت أن الهدف الأساسي تمثل في نشر الديمقراطية التي توجب المشاركة المناسبة للنساء، الا ان الغريب ان التمثيل النسائي في اول كيان سياسي جاء خجلا، حيث تم تعيين 3 نساء فقط من اصل 25 عضوا في مجلس الحكم الانتقالي عام 2004.
وعند تعيين الحكومة الانتقالية منحت هذه 4 نساء مناصب وزارية مشلولة ، على الرغم من أهميتها ، من اصل 31عضوا في مجلس الوزراء كالعمل والشؤون الاجتماعية، الشؤون البلدية والأشغال العامة، الزراعة والدولة لشؤون المرأة.
قوانين ولكن!
تقول القانونية هدير ظافر ان: المادة «جـ» من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية نصت على «يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من أعضاء الجمعية الوطنية».
أما احدى المواد الصادرة عن سلطة الائتلاف المؤقتة في قانون الانتخاب، بحسب قول ظافر، فقد جاءت بـ «يجب ان يكون اسم امرأة واحدة على الاقل ضمن اسماء أول ثلاث مرشحين في القائمة ، كما يجب ان يكون ضمن اسماء اول ستة مرشحين على القائمة اسم امرأتين على الاقل، وهكذا حتى نهاية القائمة».
النخبة .. العائق
ظافر استدركت بالقول «نتيجة لتطبيق هذا النظام كان عدد النساء المنتخبات 87 امرأة من اصل 275عضوا منتخب في كانون الثاني 2005 وشغلت النساء 6 حقائب وزارية من اصل36 حقيبة وزارية في الحكومة الانتقالية، ولم تشغل النساء أي من المناصب السيادية الاربعة العليا فجاء التمثيل النسائي بنسبة 11% في مجلس الوزراء وبنسبة 32% في الجمعية الوطنية، وهذا يشير ضمنيا الى عدم وجود نص في قانون إدارة الدولة من شأنه ان يحدد أدنى حد لتمثيل النساء في السلطة التنفيذية او القضائية».الدستور العراقي الدائم نص في اكثر من مادة الى المساواة في الحقوق بين الذكور والاناث ،ففي المادة 49الفقرة رابعا خصصت نسبة ثابتة للتمثيل النسائي في مجلس النواب بما لا يقل عن 25 بالمائة بمقابل ذلك، كانت مشاركة النساء في الانتخابات واسعة، رغم تردي الأوضاع الأمنية وتعقدها.الاحباط بين النساء العراقيات، على رأس قائمة المعوقات أمام ظهورهن الاجتماعي.
المحاولات التي يقومن بها من أجل الخروج من دائرة العوز والحاجة الملحة لاستمرار حياتهن على النمط المقبول، باتت رهن المواصفات المميزة المطلوبة ، فنتيجة إعلان الشركة الأهلية تمخض عن قبول (6) نساء «جميلات».!