فضاءات

سميرة مزعل.. رحلة ألم في سجون الطغاة

تحقيق وتصوير/ جمعة السوداني ـ قاسم صبار الفوادي
ما ان جلسنا معها، حتى بدأت تحكي لنا قصة العذاب والالم التي عانتها في سجون الطواغيت لسنوات عديدة والدموع ترقرقتْ من عينيها الذابلتين من قسوة السنين التي مرت بها، فمنذ أن كان عمرها ستة عشر عاما، كان الاعتقال لأول مرة، لتبدأ رحلة الالم والثبات على المبادىء التي شهدها سجن محافظة ميسان وسجن بغداد المركزي، انها المرأة المناضلة (سميرة مزعل) أو كما تُلقب في محافظة ميسان بالمرأة الحديدية (ام عادل) .
من هي المناضلة الميسانية سميرة مزعل ؟
ـ أنا سميرة مزعل فهد الشمسي، تعلقت بشغفٍ واحببت مهنة التصوير وأنا طفلة صغيرة لأنها مهنة والدي الذي مارسها عندما كان في بغداد فعلمني كيف اتعامل مع الكاميرا الشمسية التي ظلت ترافقه حتى وفاته، وكنت ارافقه اثناء ذهابه إلى العمل، وشديدة التعلق بذلك الصندوق الخشبي (الكاميرا الشمسية) فقد حصلت على اجازة مزاولة المهنة وأنا لم أبلغ السادسة عشر ربيعا وقد تملكني شغف الحب لهذه المهنة لدرجة اني لا اتخيل نفسي من دونها فاصبحت بالنسبة لي كل حياتي فلقد عشقتها فضلا عن أنها صاحبة فضل عليّ، لذا اعطيتها كل مجهودي ووقتي وكللت هذه المسيرة بالعديد من الجوائز العراقية والعربية والعالمية عبر المشاركة في مختلف المعارض الفوتوغرافية.
وكيف ولجتِ عالم السياسة؟
- أنا من عائلة سياسية أصلا وشقيقي الاكبر عبد الرحمن الشمسي من الشيوعيين الاوائل في محافظة ميسان وكان يمارس العمل الحزبي برفقة ثلة من الشباب المثقفين الذين يقارعون النظام البعثي القمعي. وان عالم السياسة حافل بالنضال السياسي ومعارضة نظام الحكم الدكتاتوري في العراق وقد عانى ما عانى من ظلم وجبروت الطغمة البعثية الى الدرجة التي افقدوه عقله الا ان ارادة الله اقوى واستطعنا مع الخيرين من ابناء ميسان والطيبين من علاجه ليعود الى طبيعته.
أنا فتحت عيني وسط هذه البيئة، فأنا من النساء العراقيات المعروفات منذ بدء التاريخ في معارضتهن للعنف والاضطهاد.
وما قصة الشحاطة ؟
عندما اعتقلت من قبل الاجهزة الامنية الفاشية وبعد ان تعرضت الى ابشع الطرق في التعذيب الجسدي والنفسي وخلال احدى جلسات المحاكمة ورغم صغر سني انذاك تجاوز القاضي عليه وعلى الحزب الشيوعي بكلام غير لائق فضربته بالشحاطة والتي على اثرها شدد محكوميتي باضافة سنتين ونصف اضافة الى الخمس سنوات والنصف لتكون ثماني سنوات والتي خلدت كما خلد (سفرطاس) الزعيم عبدالكريم قاسم .
ومتى كان أول اعتقال لسميرة مزعل؟
بعد انقلاب شباط عام 1963، قامت الجهات الامنية بمداهمة بيتنا بحثا عن شقيقي عبد الرحمن فلم يعثروا عليه فقاموا باعتقال العائلة ومن ضمنهم والدي وكانت العملية بقيادة البعثي هاشم القدوري الذي اشرف على تعذيبنا، وبعد ايام تم الافراج عنا بكفالة وكان لدينا جهاز تصوير يستنسخ الوثائق الشخصية بدقة، فثارت ثائرة البعثية فقاموا بحملة شعواء أستطاعوا من خلالها القبض على بعض الطلاب الذين اعترفوا بدوري، فالقوا القبض علي وانا متلبسة بالعمل واعتبرت الكاميرا مبرزا جرميا، وبقيت ثمانية اشهر في بيت المختار ثم قاموا بتسفيري مع مجموعة من المناضلين الى سجن تسفيرات البصرة ومن ثم الى بغداد بالقطار وبعدها احيلت اوراقنا الى المجلس العرفي الثاني في معسكر الرشيد، واول حكم صدر ضدي كان خمس سنوات ونصف.
لقد كان للفيلسوف الانكليزي الشهير (برتراند رسل) دور في اطلاق سراحك مع مجموعة من المناضلين اضافة الى دور منظمة حقوق الانسان، كيف كان ذلك ؟
ـ في سجن بغداد المركزي تدهورت حالتي الصحية، حيث اصبت بالقرحة وتعرضت الى نزف داخلي بعد تفجرها في معدتي نقلت على اثرها الى مستشفى الشعب، ولعبت الصدفة دورها بوجود أحد المصورين استطاع أن يوثق حالتي الصحية أثناء وجودي في المستشفى وعلى اثر هذه الصورة أثيرت ضجة اعلامية تدخل على اثرها الفيلسوف البريطاني (برتراند رسل) ومجموعة من الضالعين في حقوق الانسان امثال خروشوف وانديرا غاندي والرئيس البلغاري وغيرهم، من الذين طالبوا الحكومة العراقية باطلاق سراحي، وبالفعل تم الامر بعد شهور من المطالبة والضغوط العالمية التي مورست عليهم وقد كنت سببا رئيسا لاطلاق سراح المعتقلين السياسين للضجة الكبيرة التي احدثتها نتيجة صغر سني .
وما قصة اعتقالك على اثر مكالمة هاتفية ؟
عند اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية تم اعتقالي من قبل الاجهزة البعثية القمعية وقد مورست ضدي ابشع انواع التعذيب والاضطهاد ونقلت الى المستشفى الجمهوري بسبب مكالمة هاتفية من قبل زوجة اخي مع احدى صديقاتها باعتبار ان الهاتف كان مراقبا بتهمة الولاء للنظام الايراني وعلى أثره اغلق محل التصوير الذي نعتاش منه ووصلنا الى مرحلة صعبة جدا، ولولا الخيرون لما تمكنا من الاستمرار في تلك الظروف الصعبة كما لا انسى وقفة الطيبين الوطنيين الذين لم ترهبهم عربة الرعب البعثية.
ودورك في قيادة الجماهير الهادرة خلال الانتفاضة الشعبانية المباركة ؟
- أثناء الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 قمت بقيادة التظاهرة الاولى في مدينة العمارة ومعي مجموعة من النساء المناضلات والشباب، توجهنا الى مدخل المحافظة ثم طلبنا من الجميع الحفاظ على الممتلكات العامة وعدم ايذاء أي شخص لكن خلال ساعات قليلة خرجت المحافظة عن بكرة ابيها تحيي هذه الانتفاضة الشعبية الخالصة وكنت اتوقع سقوط نظام صدام المقبور، ولكن بعد ان احبطت هذه الانتفاضة من قبل قوات الحرس الجمهوري، ثم هربت من قبضتهم بمساعدة احد الاشخاص في سيارة الديزل العسكرية بحجة البحث عن ابني قبل ان يتم القاء القبض عليَ في منزل اخي من قبل جلاوزة البعث والامن وقد حكم عليَ بالاعدام من قبل المجرم عزت الدوري الذي اطلق احكام الاعدام الكيفية، ومعه المجرم هشام صباح الفخري، وبدل حكم الاعدام الى السجن، ونقلت الى سجن الرضوانية وتم التحقيق معي من قبل صدام كامل، وبعد انكاري التهمة ولسوء حالتي الصحية تم اطلاق سراحي، وعودتي الى طفلتي العزيزة (الكاميرا) التي لايمكن ان استبدلها بجميع كنوز الدنيا، فأنا من خلالها وثقت لمدينتي ولبلدي تفاصيل حياة لايمكن ان يراها غيري.
اين هي سميرة مزعل الان من الحياة السياسية ؟
قالتها والعبرة تخنقها انها عندما قارعت النظام البعثي وتعرضت واهلها الى كل انواع التعذيب والمحاربة تفنن الطغاة بالايغال في ايذائها فقد كان همها الدفاع عن حقوق شعبها المغصوبة لم تطمع في منصب هنا او هناك .. ولكن أن تصل الدرجة الى قطع راتب اخيها التقاعدي الذي كاد أن يفقد عقله جراء نضاله السياسي، امر يصعب تصديقه، مطالبة والغصة بحلقومها ان يرد هذا الحق لهذا المناضل الذي هو أبسط حق للعيش بكرامة تحت خيمة هذا الوطن.