فضاءات

نحو تأنيث وظائف المرأة الفرنسية ! / د. تارا إبراهيم

عجيب أمر فرنسا التي تعتبر دولة حقوق الانسان، فكل القوانين التي صدرت فجر الثورة الفرنسية لمنح كل انسان حقه تعاني من التناقض، ولكنه من ناحية المساواة بين الرجل والمرأة، لازال الطريق طويلا من أجل تحقيق ذلك، فعلا سبيل المثال عندما نتكلم عن حقوق الانسان في فرنسا نقول “droit de l’homme” أو حق الانسان، ولكن في الحقيقة كلمة homme تعني الرجل، وبذلك تسخر المنظمات النسائية من كلمة حقوق الانسان، لانها تعتبرها لغويا حق الرجل، لذا وفي كثير من المناسبات، يقترح بتغيير الكلمة من حقوق الرجل "droit de l’homme" الى "droit humains" حقوق الانسان .
جدير ذكره ان الثورة الفرنسية عندما اعلنت حقوق الانسان لم تكن تلك الحقوق شاملة وعامة تتضمن المرأة أيضا، بل كانت مقتصرة على الرجل، والدليل على ذلك الترجمة الحرفية التي سبق الاشارة اليها .. وقتها حذت كل الدول حذو فرنسا في الاعلان عن حقوق الرجل..ولكن بعد اصداروثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 في باريس، غيرت دول العالم أجمع كلمة كلمة حقوق الرجل الى حقوق الانسان ما عدا فرنسا التي احتفظت بها وبتعمد كونها تخدم طبقة او مصلحة معينة او بالاحتفاظ بصفة الرجولة للغة الفرنسية.
ففي الحقيقة ان المنظمات الانسانية بطلبها تغيير الكلمة من المؤسسات اللغوية مثل الاكاديمية الفرنسية التي تعنى باللغة الفرنسية فهي لاتود مكسبا اضافيا للمرأة او تميزها عن الرجل بل تطالب فقط بالمساواة بينهما في الحقوق والواجبات، ولكن الواقع بل ان الحقيقة تؤكد على ان اللغة الفرنسية هي لغة رجولية بحتة والدليل على ذلك بعض الامور التي سنذكرها.
في اللغة الفرنسية هناك الكثير من المهن والوظائف والدرجات أو الألقاب التي تمتهنها النساء ولكن الصفة الرجولية تبقى هي السائدة في التسمية، حيث ان هنالك وظائف لاتؤنث مع العلم انه من السهل تأنيثها، فعندما نتحدث عن الوظائف التالية، نقول..السيدة الطبيب، السيدة الاستاذ، السيدة الكاتب، السيدة المحامي.. بدلا من القول السيدة الطبيبة، السيدة الاستاذة، السيدة الكاتبة، السيدة المحامية..الخ..ولحد الان وحتى بعد تقديم طلب من الحكومة نفسها الى الاكاديمية الفرنسية عام "1986" لتأنيث المهن والوظائف والدرجات أو الألقاب كي تعبرعن مشاركة المرأة في الحياة العامة ولكن الاخيرة ترفض ذلك بإصرار.
ومع تعدد المحاولات للحكومات المتتالية، يمينية ام يسارية للضغط على الاكاديمية الفرنسية لتغيير بعض من الكلمات في القاموس الفرنسي وتأنيث الوظائف والالقاب الا ان الاخيرة كانت متمسكة برأيها، ولكنها بدأت مؤخرا تميل الى الاهتمام بالموضوع ومعالجته، خصوصا بعد الحادثة التي وقعت في البرلمان الفرنسي، ففي احدى الجلسات العام 2014، خاطب احد نواب البرلمان رئسية الجلسة " بالسيدة رئيس الجلسة"..وعلى الرغم من انزعاج الرئيسة إلا ان الاخير اعاد وكرر تذكيرها...وهنا قامت القيامة "كما يقال" وخصوصا ان النائب كان يمينيا والرئيسة كانت يسارية، فقد لاحقت الرئيسة النائب البرلماني قضائيا وكبدته خسائر مالية كبيرة جراء محاولة تذكيرها والتقليل من شأنها امام الملأ . لذا قررت الاكاديمية الفرنسية بعدم تغيير القاموس أوالمساس بالمفردات المتعلقة بالوظائف والمهن، بل جعلت الامر مفتوحا، وخصوصا في الحياة العامة، ان كرهت المرأة ان يتم تذكيرها ، فلها الحق في تقديم طلب لتأنيثها في مكان عملها فقط .
ومن خلال الطلبات المقدمة، فان التغيير الذي تتطالب به المنظمات الانسانية وحتى الحكومية هو ليس تغيير قواعد اللغة بل تغيير في قواعد السلوك الاجتماعي التي تفضل الذكر على الانثى.. والدليل ان فرنسا متأخرة في هذا المجال وان الدول التي تستخدم اللغة الفرنسية كلغة رسمية مثل بلجيكا وكندا، قد خطت خطوات بعيدة جدا في مجال تأ نيث الوظائف ولكن فرنسا تبقى متأرجحة ما بين ماضيها المجيد وحاضرها المتناقض .