فضاءات

الشعر الشعبي العراقي وكامل الركابي والصوت المختلف في المقهى الثقافي العراقي في لندن

طريق الشعب – خاص – لندن
في التاسع والعشرين من آيار الماضي كان جمهور الجالية العراقية في لندن على موعد مع الشاعر العراقي كامل الركابي القادم اليهم من السويد وهو وهم بضيافة المقهى الثقافي العراقي الذي قرر بعد ان أنصرمت من عمره خمس سنوات ماضيات ، قدم خلالها صنوف الثقافة العراقية المتنوعة ، ان يقدم في برنامجه ، ولأول مرة ، الشعر الشعبي العراقي .. وأن تكون أمسيته "فوانيس" للشاعر كامل الركابي .. تحمل طابعا مميزا .. وهذا ما يفسر الحضور الحاشد لهذه الأمسية من زبائن المقهى القدامى والجدد .. والذي من اللافت للأنتباه .. ان حجمه يتوسع من أمسية الى أخرى.
ان من يلاحظ مجريات هذه الأمسية يتأكد ان المقهى جاد في ان يقدم مفردات الثقافة العراقية ساعيا كما تتضمن اعلاناته لأمسياته، الى ما فيها من شحنات معرفية جادّة وأصيلة.
- ومن هذا المنطلق جاءت المقدمة المكثفة التي قدم فيها الشاعر المبدع عواد ناصر زميله الشاعر الركابي، بالقول : " أمسية اليوم للشاعر كامل الركابي الذي اتشرف بتقديمه وهي من الاماسي التي اتوقع ان تنال رضاكم وهي أمسية ممتعة ومفيدة.سيكون تقديمي موجزا ومختصرا ، احتفائيا اكثر مما هو نقدي ..سأتحدث بايجاز شديد ايضا عن الشعر الشعبي العراقي ، لكي نتوصل معا،الى موقع كامل الركابي ، في هذه الظاهرة وماذا تمثل تجربته .
الشعر الشعبي العراقي مثل الكثير من الفنون في العالم بدأ شفاهيا،قاله الكثير من الناس،نساء ورجالا..أحيانا الكبت والقمع،في مجتمعات متخلفة،له فائدة اذا صحت التسمية،فأنه يدفع الناس الى اشكال طريفة ومتميزة في نفس الوقت من التعبير" وأضاف: " في فترة السبعينات حتى الآن ، أنتشر وأزدهرالشعر الشعبي العراقي، لأنه يتألف من مقطوعات قصيرة يسهل حفظها وتداولها بين الناس..وبالأضافة الى قيمته الفنية ، فهو وسيلة تعبيرية عن أو عما هو مسكوت عنه، بفعل القمع بأشكاله المتعددة ، العشق الممنوع، الشكوى،البكاء او الحزن في مراثي امهاتنا واخواتنا .."
وفي الأمسية قرأ الركابي صاحب الأمسية العديد من قصائده ومن أجوائها:
الشاعر منتشي بخمره
بشفته وتبرد الجمره
اشبعد يكتب عن الروح؟
الفنان يجيله اللحن من نفسه
لو هو على اللحن الفريد يروح ؟
الرسام يتحيّر گدامه جسد عاري
اجمل ما رسم الله
شيسوّي
يحط نفس الجسد ع اللوح ؟
وبعد انتهاء الأمسية توجهت "طريق الشعب" الى الشاعر الركابي في سؤال عن انطباعاته عن الأمسية فاجاب: " امسية المقهى الثقافي العراقي في لندن ذات التنوع الجميل، فيديوهات الاغاني للفنانين فؤاد سالم وبيدر البصري وجعفر حسن وشهادات الشعراء عواد ناصر وعبدالقادرالبصري وعبدالباقي فرج والفنان طالب غالي والقراءات الشعرية اشعرتني بالحب ،الناس والاصدقاء،وشجن الذكريات وغناء السهرة ذات الروح بعد الامسية ، الحضور الجميل في الامسية غمرني بالفرح واحسست بأنني كنت واهما عندما افترضت ان هذه القصائد قد لاتعبر الا بقدر ضئيل عن معاناتهم وتجاربهم ولكن تبخر الوهم ، عندما شاهدت اصغائهم وتعابير الوجوه وهي تتفاعل مع القصائد . للحضور الكريم وللاصدقاء الرائعين القائمين على نشاطات المقهى الثقافي العراقي في لندن ، ارفع نخبكم من القلب وهو يفيض بالشكر والامتنان ."
ان اجابة الشاعر تغني تغطيتنا عن الكثير من التفاصيل التي لابد وان نذكرها عن هذه الأمسية الغنية .. اذ ان شاشتها الكبيرة حملت لنا رسالة من جزر الكناري بالصوت والصورة حيث شاهدنا فيها الشاعر عبد الباقي فرج وهو يقول عن تجربة ضيفنا الكريم :" تتبين ملامح شاعر شاب بالسبعينات.. الساحة العراقية كانت مزدهرة بقامات شعرية كبيرة..في تلك الفترة ظهر كامل الركابي.. في الثمانينات صمت خيرة شعراء العراق..ربما أدى ذلك الى موتهم شعريا..كي لا يمتدحوا الدكتاتور..وحروبه.. ومجموعة قليلة من الشعراء الشعبيين غادرت العراق..ومنهم كامل الذي خاض تجارب عديدة .. مناف.. تجربة كوردستان كنصير في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ..مخيمات اللجوء..المنفى الشمالي أو شمال شتاء العالم في السويد.."
وتعرّف جمهور الأمسية الى جانب مهم من شعر كامل ، وهو القصيدة المغناة فاستمع الى مقاطع من قصيدة "سفر" بصوت الفنان جعفر حسن ومن تلحينه وهي قصيدة طويلة سجلها عام 1985 في عدن وقال لجمهور الامسية : " ان هذه الاغنية (ومدتها 25 دقيقة) ستكون احدى اغاني البومي الجديد الذي سيصدره قريبا ".. وعن تجربته في تلحين قصيدة "أريدك" للركابي والتي غناها الفنان الراحل فؤاد سالم تحدث الشاعر والفنان طالب غالي في رسالة من البصرة ، تليت في الأمسية و من بين سطورها :" قرأت النص. مرة ..مرات .. وتداخلت مع نبضه وجماليته ..كان نصا رقيقا باذخا في صوره الجميلة الجديدة التي تناغمت مع احساسي وتطلعي ورؤياي..وآنا لست بغريب على الشعر. فكان المطلع :
اريدك نبعة لأيامي. واباريك بدمع عيني ..
اريدك ..
في تلك الفترة كنا نحمّلُ النص الشعري تأويلات عديدة وقصدا ومعنى وجدانيا وسياسيا . ممكن ان تكون المخاطبة للحبيب وممكن ان تكون للحزب الذي كنا في أوج التعلق به حد العشق في السبعينات وما قبلها .
اريدك بسمة لشفافي
وفَيْ قدّاح لسنيني
هو التعلق الجميل بما هو جميل أملاً وغاية .
واساجيك بدمع عيني ..
اريدك.
هل هناك أبهى وأعمق معنى وتصوير لهذا الاحساس.؟؟
مرجحني على رمشك طيف
شمعة سهر خليني.
هو الارتباط والتمسك الواعي بالمخاطب جسدا واحساسا واغمارا وذوبانا .. فهل هناك اجمل من صورة شمعة تحترق لتضيئ ليل السهر للحبيب الله ما أبدع شعرك يا كامل حتى وانت في عتابك جميل وعذب.
يظالم بيش أصبر الروح
وانت بعطش ناسيني"
وكانت مساهمة الشاعر عبد القادر البصري القادم من كوبنهاغن في أمسية المقهى، شهادته عن شعر زميله كامل الركابي فتحدث للجمهور اللندني : - "
* كامل الركابي ، شاعر مثقف وقارىء ممتاز، مما أتاح لقصيدته أن تكون حرة تتفاعل فيها كل الخطوط والألوان، لتنتج كتل من الجمال والفن.
* هنالك عدة مراحل مرت فيها قصيدة كامل ( الوطن – المنفى الأول – كوردستان – المنفى الثاني او الوطن "البديل" ).. قصيدته الأولى تحكي عن الفترة التي كان الشاعر فيها لا يزال يافعا ، وفي وطنه العراق، وانحيازه للناس المعدمين، وتوجهه الى اليسار كحاضن لأحلامه بالحرية والحياة الكريمة، والذي سيصطدم فيما بعد بقوة وبطش السلطة الغاشمة، التي لا تتأخر بقمع أحلام الشاعر.. وفي المنفى كان لقصيدة كامل أشكال ومضامين أخرى ولكنها لم تزل تلك القصيدة الملتصقة بالوطن والأمل في الحرية.
* في كوردستان أرتدت قصيدته أشكالا ومضامين متأثرة بتواجده في صفوف الأنصار الشيوعيين ، وأصبحت تنحو منحى التكثيف والأيجاز، .. وكانت فترة عمله في اعلام الفوج الأول للأنصار في "مراني"، فترة غنية بالقصائد ، حيث كتب في تلك الفترة قصيدته"مشاهدات" وقصائد أخرى مثل: "صباح الخير كوردستان" – "شيوعيين" ، وصدرت له مجموعة "سورات الدم والنار" التي صممها ووضع لها لوحة الغلاف الفنان النصير سربست (ثائر محسن )، ..وكان مقررا أن تصدر مجموعة "فوانيس " أيضا التي صمم غلافها الفنان الشهيد فؤاد يلدا (أبو أيار)،..
* يمتاز شعر كامل الركابي بصور غنية جميلة، وألوان حية وحساسية عالية، وشفافية رائعة..شعر ذو مشهدية عالية ورموز متعددة ومتوالدة ..هو شاعر منتج حقا.. لا تكاد القصيدة عنده تغلق نافذتها ، حتى تفتح نافذة أخرى لقصيدة جديدة.. الشاعر الركابي .. هضم وأستوعب تجارب الكثير من الشعراء الذين سبقوه أو حتى مجايليه..لكنه لم يكن سهل الأمتزاج والأنصهار بتلك التجارب ، هو يكتب قصيدته الخاصة به ولم يكتب مثلهم..
* هناك خاصية لدى شاعرنا ، فهو يمتلك عين كاميرا حساسة جدا، تلتقط ما هو عادي وبسيط، لنجده في القصيدة شيئا آخر شعري. وهو شاعر متجدد.. فتحديث النص الشعري عنده عملية مستمرة."
ساعتان من المتعة مع شاعر وقصائده.. مع شهادات عنه.. مع آراء في الشعر الشعبي العراقي .. مع رحلة كامل الركابي الأنسان والشاعر وهو في الوطن والمنفى وفي سوح النضال .. ان الأمسية التي حملت الرقم (53) من أماسي المقهى الثقافي العراقي في لندن وعلى مدى الخمس سنوات الماضية أضافة أخرى في منجز جميل يحتفي بثقافة العراق.