فضاءات

المقهى الثقافي يفتح حقائب الشاعر عبد الكريم كاصد، فتتكشف عن كنوز منجزه الشعري والأبداعي المتنوع

طريق الشعب- لندن - خاص
بداية ليست كالبدايات.. المقهى الثقافي في لندن يفتتح أمسيته ليس مثل كل مرة.. حين انتصفت الساعة بعد السادسة .. كان الجمهور اللندني الذي دخل القاعة يربت على ملابسه يزيل عنها قطرات المطر الذي كان ينث طوال اليوم ..لكن هذا الجمهور وعلى الرغم من وجود مؤتمر البيئة العراقية للاكاديميين الذي امتد من صباح يوم 26حزيران 2016 حتى مسائه، وهو نفس اليوم الذي كان يقيم فيه المقهى أمسيته ، ووجود اكثر من لعبة كرة قدم أوربية ..على الرغم من كل هذا، فقد كان الحضور جيدا، بسبب ان الأمسية للشاعر المعروف المبدع عبد الكريم كاصد.. الذي كان فعلا يجلس على المنصة والى جواره الفنان التشكيلي يوسف الناصر الذي سيدير الأمسية .. لكن العتمة سادت القاعة دون سابق انذار.. وعرضت الحروف التالية على الشاشة الكبيرة :
رحل الأعراب
وبقيت وحيدا في القفر أدق بلا أبواب
الامسية عنوانها : "حقائب الشاعر عبد الكريم كاصد" وما عرض على الشاشة كان لقاء تلفزيونيا مع كاصد قال فيه: " في الزيارة الثانية لباريس.. المدينة التي أحبها .. وعندما كنت أدرّس في الجزائر.. أأتي اليها في أشهر العطلة الثلاث ..حيث جوها الثقافي المليء بالبرامج..ولي فيها اصدقاء ألتقيهم ..وصلتها وكنت أجر ورائي حقائبي الثقيلة..وحينها كنت اريد ان أرجع للعراق..فوضعت حقائبي في أحد اماكن الحفظ في المحطات..ولم أعد اليها الا بعد فترة..فوجدتها وقد تراكم عليها الغبار.. وكان عليّ ان ادفع مبلغا كبيرا .. دفعته غير مأسوف عليه.. لانه خلصني من جرجرة حقائبي وأتاح لي الأنصراف الى باريس ومشاغلها..وكان ذلك مثار استغراب المسافرين وتعجبهم لعقل هذا المسافر الذي يترك حقائبه لفترة طويلة .. وعلى الرغم من خطأ هذا التصرف..ولا تبرير له .. نتيجة كسل او سهو.. لكننا نجد ما هوسيىء في حياة الفنان .. ممكن ان يكون ذا نفع.. هذه الحادثة عندي انعكست في قصائد.. فكانت قصيدة مهمة لي كتبتها حينها هي " الحقائب" وكانت عنوان ديوان لي ..هذه الحادثة هي بمثابة الشرارة الصغيرة .. لديواني الأول الذي صدر عام 1975.."
وينتهي العرض على الشاشة بسطور من قصيدة كتبها كاصد تقول:
قبل ان يرتدي الليل شملته
سبقتنا الجمال
وعبرنا القرى
كان نجم القرى نائيا
فعزمنا الرحيل
وانحدرنا مع النجم
قلت : أذن هكذا
صرة ومتاع قليل
ولابد من التنويه ان هذه القصيدة تروي حدثا مفصليا آخر في حياة الشاعر حيث هرب عبر صحراء السماوة صحبة صديق عمره الشاعر مهدي محمد علي الى خارج حدود العراق بعد هجمة الدكتاتورية الفاشية وشروعها بتصفية التقدميين الوطنيين الذين يرفضون نهجها القمعي .. ودامت رحلة الصحراء على ظهر جمل لسبعة ايام تحدث كاصد عنها في مقابلة تلفزيونية عرضت مشاهد منها في الأمسية :" كنا ثمانية على ست جمال،اثنان رديفان،على الجمل.. وكانت تباغتنا الدوريات في الليل،باضواء مشعة كاشفة. هي سفرة كانت فيها مشاهد انسانية..تدلل على انساننا العراقي الذي يملك في جوهره الطيبة.. انا ضد من يقول ان تلك الطيبة زالت من العراقيين.. وهذه من تجاربي.. فالناس لم يبخلوا بانسانيتهم، ومودتهم ، ومساعداتهم لنا " وذكر عدة مشاهد رافقتهم في تلك الرحلة واضاف :" بعد السبعة ايام،كان علينا ترك الجمل وركوب خزان ماء(تانكر) حيث التقينا بقافلة أخرى تتكون من 20 شخصا هاربا من السوريين والفلسطينيين يبحثون عن عمل ، ونحن نريد وسيلة توصلنا الى الكويت، فتكدسنا جميعنا في (تانكر) الماء، داخل الحوض احدنا فوق الآخر..لاحظت أحدهم فوقي يتحرك، في تلك الأثناء اردت مداعبته فسألته: "شلونك؟" فأجابني: " خوية ..آني وردة " .. انه يحمل روح الاستهانة بالملمات عند العراقيين .. وبادرني بالسؤال : " انت شلونك؟ " فأجبته : " اذا انت وردة .. آني مزهرية ".
قدم التشكيلي يوسف الناصر الأمسية مبتدءا بالأشارة الى ان المقهى الثقافي أعد لهذه الأمسية فقرات متنوعة وباشكال وطرق عرض مستحدثة لهذه الفقرات، ليست متعارف عليها في سياق الندوات " فهي اشبه،بحلقات تلفزيونية، أو بمهرجان مصغر يحتفي بالشاعر عبد الكريم كاصد، وهو يستحق هذا واكثر، لكونه عميق التجربة.. فمراجعة صغيرة لنتاجه سترينا الكمية الكبيرة في منجزه الأدبي اضافة للشعر هناك الترجمات والسيرة والنقد والمسرح .. تعداد عناوين كتبه ستستغرق وقتا.." وذكر انه كان يتصور على معرفة بكريم الا انه حين عمل على التحضير لهذه الأمسية اكتشف انه لايعرف كل شيء عنه لكن
" سأحاول ان أقدم شذرات من حياته حيث له الى جانب دواوينه العديدة ومنها ( الحقائب. النقر على ابواب الطفولة .الشاهدة. وردة البيكاجي .نزهة الآلام.سراباد.دقات لا يبلغها الضوء.قفا نبكي) وغيرها.. ولد كريم في البصرة 1946 .. درس الفرنسية في بغداد لم يكمل لأضطراره للهرب من بطش البعث فدرس في جامعة دمشق الفلسفة وفي بريطانيا درس ماجستير بالترجمة ثم الادب الأنكليزي. تنقل في بلدان مختلفة .. ترجم الكثير من الكتب منها( جاك بريفير.. سان جون بيرس. قصاصات – ريتسوس .نكهة الجبل – سانت يوكا الياباني) وغيرها. كتب في القصة وله مجموعة "المجانين لا يتعبون" ومسرحية شعرية "حكاية جندي" عرضت في لندن – مسرح اولد فيك .. وترجمت قصائده للغات عديدة.. وذكرأسم كريم في انطولوجيات كثيرة عن الشعر منها معجم الكتاب المعاصرين . معجم البابطين. انطولوجيا الشعر العربي. وشارك في منتديات شعرية عربية وعالمية عديدة .. وفي 2006 اقيمت دورة مهرجان المربد في العراق بأسمه وكرست للأحتفاء فيه .. وعنه صدرت كتب عنه مثل "الشاعرخارج النص" لعبد القادر الجموسي ..وكتب
اخرى .. " ثم قرأ الشاعر مجموعة من قصائده من اجوائها:
قصيدة "الحقائب" التي لم يرد قراءتها في البداية لكنه فعل لطلبها من الحضور واشار انه يتذكر ان الكاتبة فاطمة المحسن قد اعتبرتها نبوءة مبكرة لما حل بعدها بالعراقيين:
لماذا نشدّ السلاسلَ عبر ألوفٍ من الكيلومترات..؟
نرتاحُ في غرفٍ مرّ فيها ألوفٌ من الناس..؟
نبصرُ أوجهَنا في الوجوه..
ونمضي
لنمسحَ عند المساء غباراً تراكمَ فوق الحقائبْ
لماذا الحقائبْ؟
ثلاثَ سنينٍ وتوقظنا عند كلِّ صباحٍ
فننهض فوق أسرّتنا بالبجامات منطفئين
ونقفزُ نحملها ثمّ نرجع للباب منكفئين
لنمسحَ عن راحتينا غبارَ الحقائبْ؟
لماذا الحقائبْ؟
تسافرُ في الليل مجنونةً..
ثمَ تهدأ بين ضجيج البواخر،
تجلسُ صامتةً
بين وجهي المعذّبِ والبحر،
فوق رفوفِ القطارات ..
- سيّدتي هل تخافُ الحقائب ..؟
تهتزّ فوق الرفوف ..
- انظري البحرَ خلفَ الزجاج يسافرُ دون حقائبْ
- كلّ شئ يسافرُ خلف زجاج القطارات إلاّ الحقائبْ
وتتالت قراءات الشاعر .. لقصائد عديدة ..لحقب عديدة وموضوعات شتى.. كان الحضور متجاوبا معها في التصفيق تارة او بردود افعال تجلت في عبارات الاستحسان او في طلب الأعادة .وقدمت في الامسية شهادات عدة عن منجز الشاعر .وجاءت تلك الشهادات بصور واجناس ابداعية مختلفة .. وقدمت باساليب عرض متباينه منها ما قدمته الشاشة او ما قدم بشكل حي .. فقد قدم الشاعر والاعلامي فلاح هاشم قصيدة مصورة عنوانها "رسالة الى عبد الكريم كاصد" وقرأت رسالة من الشاعر والملحن المبدع طالب غالي ارسلها للأمسية من الدنمارك تحدث فيها عن تلحينه لبعض قصائد الشاعر الذي قال عنه :
" كريم كاصد شاعر الفصحى والقصيدة الجميلة المتماسكة والشهرة في الوسط الادبي العراقي والعربي وفي رأيي ان اية كلمة مبتسرة لا تضيف لشاعرنا الجميل ولو ومضة ..هو وهج شعري وموقف انساني متحدي وانسان شفاف وملتزم بقضايا وطنه وشعبه بل بالانسانية" واضاف " لحنت قصيدة " الخبز" ضمن أوبريت "الطريق" لكنه لم يكتمل بسب الظرف والملاحقات "..وتضمنت الأمسية عزفا لفرقة نيوزيلندية لقطعة موسيقية الفها الموسيقى النيوزيلندي ليكس فرينتش وقد استوحى نغماتها من مفردات قصائد الشاعر وأسماها " كاصد" وفي الأمسية جرى تحليل نظري لهذه المعزوفة من الموسيقي العراقي الشاب عمور جمال حيدر وقال انها تنتمي لجنس "الجاز" واكد ذلك الموسيقي د.عمار علو وارجعها الى أصول نغماتها الى اغنية عراقية ولكن باعداد وتصرف وعزف على آلة السكسفون بعض المقامات والأغاني العراقية الأصيلة .. ومن بين ما جرى تلحينه لقصائد الشاعر وغنتها في الأمسية الفنانة ساهرة سعيد بمرافقة عودها وهي قصيدة " شجن " والتي اكمل الشاعر قراءتها:
طائرُ الكروان
يغنّي
لمنْ؟
الوسائدُ خاليةٌ
والمنازلُ مهجورةٌ
والظلال..
تجيءُ وتذهبُ
خائفةً
فلمنْ
طائرُ الكروان
يغني
لمنْ؟