فضاءات

نبيل.. الشهيد الأنيق / ئاشتي

حين يبدو الحلم سذاجة تتلاشى حدود الأمل في التحقيق، لهذا فإن أكثر الأحلام وردية هي تلك التي تحافظ على ديمومة ابتعادها عن السذاجة، كنا فتية غارقين في أحلامنا حين توجهنا إلى خوض الكفاح المسلح (لا أعرف من قال إن الثورة حلم الشباب)، وإزاء هذا الحلم تجاوزنا الكثير من الصعوبات، الجوع، البرد، الحرمان، البعد عن حياة المدينة، تعفن الأجساد ، الشوق إلى الحبيبة، البعد عن الأهل والأم خاصة (لا أدري لماذا الأم بالذات)، كانت صخور الوادي الذي احتضن أجسادنا( واعني به كَلي كوماته) تستغرب ملابسنا التي تختلف عن ملابس الآخرين (فهي بناطيل كاوبوي) ولكن رفاقنا الذين قدموا إلينا من (قاعدة نوزنك) أثاروا في نفوسنا(الحسد الرفاقي) على ما يرتدون من ملابس تليق بمقاتلين جبليين ومن هؤلاء رفيق بهي الطلعة لا يتجاوز عمره النصف الأول من العشرينات اسمه نبيل، رغم كل حياة التصحر التي كنا نعيشها في كَلي كوماته، إلا أن نبيل في كل يوم ينهض ببدلته الخاكي حليق الذقن وكأنه مدعو إلى حفلة عرس في أرقى الفنادق ، كان البعض ينظر إليه بعين عدم الرضا وربما لسان حالهم يقول إن هذا الرفيق لا يعرف مقولة جيفارا ( تتعرف على الثائر من رائحته) مع كل هذه الأناقة لم يتخلف نبيل عن إداء أية مهمة يُكلف بها، من قطع الأشجار إلى جلب الماء أو الذهاب في مفرزة لجلب التموين، إضافة إلى الواجبات اليومية الأخرى.
نبيل من قضاء شيخان واسمه الصريح(مصطفى فرمان)عندما نزل مع مجموعة من الرفاق في الشهر السابع من عام 1980سلم نفسه إلى السلطة مثل غيره من بعض أفراد المفرزة، فهو الوحيد لأمه، وليس لها من معين غيره، ولكنه عاد في شهر أب إلى كَلي كوماته وأخبر الرفاق عن ما تم تكليفه به من قبل السلطة، وأعلن عن ندمه وحزنه، بقى في حالة انكسار دائم ولكنه لم يتجاوز أناقته، بعد فترة أعيدت إليه الثقة، وقد جُرح في أول معركة كبيرة خاضها الأنصار في (كَلي رمانه)، لم تهتز معنوياته، وحين تشافي من جرحه عاد ليلتحق بالسرية التي تعمل في دشت الموصل، كان في كل خطوة أو عمل يقوم به يحاول أن يعوض عن حالة الضعف التي مرت به، أو في الحقيقة ليثبت العكس، أعيد إليه الاعتبار، أخذ يشعر بالزهو لهذا كان يقوم بأعقد المهام وأصعبها، وفي عملية عسكرية جريئة، كانوا يطمحون من خلالها إلى تجريد المرتزقة من أسلحتهم في قرية دوغات، وحين تسلق جدار احد بيوت المرتزقة، كان المرتزق كامنا فوق سطح الدار فأطلق النار على رأس نبيل فقتله .