فضاءات

المناضل موفق عبدالكريم - ابو عصام .. وداعا / عبد الكريم جعفر الكشفي

حين تستذكر مناضلا صلبا هو ابو عصام ، الذي تربي وتتلمذ جيل بأكمله في مدرسته، وكان بحق جذرا كبيرا من جذور الحزب الشيوعي العراقي ، جذرا غذّى شجرة الحزب بالفكر الثوري النير، وصلّب عودها حتى غدت عصية على الانكسار والتقزم والانحناء، وفي زمن كان أصحاب الفكر فيه يضطهدون ويلاحقون اننا ندين له ولأمثاله من الرواد الأوائل بأنهم ارسوا دعائم الحركة الوطنية وهو تميّز على الدوام ببعد النظر والتحليل الصائب للأمور، وخطّ الرواد بدمائهم وعرقهم برنامجا سياسيا واجتماعيا ينحاز إلى الفقراء والعمال والفلاحين، ويعلن بوضوح أن لا عدالة اجتماعية دون إنصاف الشعب. ولا عدالة سياسية اليوم دون ان تسحق الطائفية المقيتة والمحاصصة البغيضة. كان ابو عصام وطنيا مخلصا وثوريا يشار إليه بالبنان، خاض معارك شعبه ضد الدكتاتورية الصدامية وحين عصفت الريح الصفراء بوجة الحركة الوطنية نهاية العقد السابع من القرن الماضي صمد أبو عصام ورفاقه، ولم يفقدوا بوصلتهم الثورية، وأشعلوا وسط الظلام شمعة، تنير لشعبهم الدرب وترسم أفقا للنضال الوطني. كلنا نعرف حراجة ودقة المرحلة التي غاب فيها عنا ، وكلنا ندرك أهمية وحدة شعبنا وقواه التي ناضل من اجلها ابو عصام هذا المناضل الصلب الذي لم يتخلف عن واجب واحد كلف به ، ولم يتخل جمعة واحدة عن تظاهرات ساحة الشرف والنضال ساحة التحرير.
ولد الراحل ابو عصام من عائلة لها تاريخها النضالي الناصع في يغداد الفضل محلة المهدية. وكان والده قصابا وهو صديق والد الشهيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب ايام الحكم الوطني لعبد الكريم قاسم والذي كان قصابا في نفس المنطقة وهو اخ المناضل المعروف عدنان عبد الكريم المهداوي الذي حضر محكمة الشعب للادلاء بشهادته ضد المجرم خليل كنة مدير الامن والذي كان يعذبه في المعتقل، وعندما راه المرحوم المهداوي عرفه وقال له، ان اباك كان قصابا للخرفان وانا قصاب للخونة. لقد استشهد عدنان عبد الكريم شقيق ابو عصام في حادث مدبر عام 1985 في شارع السعدون.
تشير بطاقة ابو عصام انه ولد في سنة 1949 اكمل الدراسة الاعدادية في مدرسة ثانوية التفيض الاهلية المسائية ، وانتمى إلى الحزب اثناء دراسته فيها. كان لابي عصام محلا في سوق حنون وكان يعمل معه ابن اخته الناشط ناجي المصور الحمداني ويقول المصور كانت تأتيه في تلك الفترة الى المحل جريدة طريق الشعب السرية ويكلفنى بارسالها الى بعض أصدقائه وكان من أصدقائه المقربين الشاعر الشيوعي الشهيد بحر خليل الخالدي والذي يزوره باستمرار. في بداية السبعينات تعين ابو عصام موظفا في الاوقاف بشهادة الاعدادية لمدة سنة واحدة وترك عمله بسبب ملاحقته وطلب الانتماء الى حزب البعث وبعدها تعين موظفا في سايلو الحبوب في باب المعظم. واستقال منها بسبب سفره الى الاتحاد السوفياتي والتحاقه بدراسة حزبية هناك حيث بقى سنتين وعند عودته الى العراق عام 1979 اعتقل من المطار من بين رفاقه، واخبر رفاقه اهله بذلك. بعد جهد جهيد خرج ابو عصام من الامن العامة بعد سجنه 6 أشهر لاقى فيها انواع التعذيب منها التعذيب بالكهرباء والضرب بالعصي المكهربة والالفاظ البذيئة التي لا تليق بتربيته واخلاقه وبعد خروجه من الامن العامة عمل في اعمال عدة. وبعد استفحال الفتنة الطائفية عام 2006 سافر وعائلته الى سوريا وبقي ثلاث سنوات ولم تنقطع علاقته بالحزب الشيوعي ورجع الى العراق في عام 2009 وواصل عمله ضمن تنظيمات الحزب الشيوعي في بغداد.
ختاما.. ابا عصام سلام عليك حاضرا وغائبا، فقد كنت كبيرا في موقفك هذا ولابد أن تشمخ أكثر بعد الغياب ايها الغالي المودع يا ابا عصام. بماذا أرثيك ياصاحبي، بدمع قد تحجّر في المحاجر، أم بآهات يفطرن المهج ،.أم يا ترى أرثيك بتراب أهيله على جُثمانك الطاهر. انها حقا لخسارة كبيرة يا ابا عصام، تناديك المناظر، والساحات، وتناديك المحافل الثقافية والسياسية، ستذكرك ساحة التحرير ساحة الشرف والعز والوطنية العتيدة، ما اقوله هو مجرد صدى بوح من الصدمة التي مزّقت جدران صمتي.