فضاءات

رؤيا غالي وهاشم الساعدي .. مبدعان ينشدان في لندن اغان عراقية للحب والوطن والحياة

طريق الشعب
قادنا الأعلان (البوستر) لأمسية المقهى الثقافي العراقي في لندن (والمميز في تصميمه والذي أصبح علامة فارقة ) تشرين الثاني /نوفمبر في يوم الأحد 27 .. ونحن نتوق لسماع صوت الوطن البعيد.. أغنيات عراقية ..لاسيما ان المطربَين صوتان محبوبان من الجالية ..لكن الاعلان لم يقل لنا ما الذي سيقدمه لنا المقهى هذه المرة.. فهو يهتم بالجانب النظري – المعرفي ..اذن ما سيقدم ليس حفلة غنائية.؟. ذلكم هو السؤال الذي حملناه لتجيبينا عليه الأمسية.
المسرح هذه المرة بحلة جديدة : كرسيان وعليهما تتكأ آلتا العود الموسيقيتان وبجنب كل منهما ينتصب حاملان للنوتة الموسيقية ومايكرفونات عديدة .

لوحة تعيد للنفس طمأنينتها ..أذن هناك زاد غنائي سيقدم لزبائن المقهى الكرام.. وكأن هذا المقهى في المنفى اللندني يريد أن يعيد ألق مقاهي بغداد في ثلاثينيات الى خمسينيات القرن الماضي .. حين كانت المقاهي فيها مسرحا (شانو) يعتليه التخت الموسيقي والجالغي البغدادي وقراء المقام ويصدح فيه بوق الغرامفون باصوات اسطوانات عراقية (بشيرفون) مسجلة في برلين او اشرطة تدور في اجهزة التسجيل (شريط البكرة) او راديوهات سيرا وفيليبس تنقل حفلات الاذاعة المذاعة حيا .. ترى هل يفعلها مقهى لندن؟ هل سيكون نسخة من " كهوة عزاوي ".. لنر!
يعتلي السينمائي علي رفيق المسرح ويقول ان المقهى في أمسيات سابقة عديدة حرث فيها في حقل الموسيقى العراقية ، فقدم عناوين كثيرة منها (الموسيقى والدراما : للفنان طه رهك) وأمسية (زمان الوصل) للموسيقار أحسان الأمام عن الموشحات الأندلسية قدم فيها استعراضا لنشأتها وانواعها ونماذج منها .. و أمسية نظرية عن السلالم الموسيقية والألوان قدمتها الباحثة والمؤلفة الموسيقية الجزائرية عائشة خلاف .. وكرس الموسيقار احمد المختار أمسية عن فن وابداع الموسيقار صالح الكويتي .. اما الدكتور سعدي الحديثي الخبير والباحث في الفولكلور العراقي ، فكانت له أمسية مميزة تناول فيها الفن والشعر في الغناء البدوي وقدم الدكتور عمار علو أمسيتين غير مألوفتين الاولى كانت عن الساكسفون والمقام العراقي (تلاقي الشرق بالغرب موسيقيا) شاركه عازف بريطاني والثانية عن (المزيقا الشعبية العراقية ) ولم يكتف المقهى بهذا وانما أقدم على تقديم طاولة مستديرة بحث فيها اصول المقام اللامي وجذوره العراقية قدمها الدكتور عمار علو (عازف الساكسفون) والأستاذ صهيب هاشم الرجب (عازف آلة الجوزة) والفنانة رؤيا غالي ( غناء النماذج).
وقال الفنان علي رفيق ان الفنانة المبدعة رؤيا غالي صحبة الفنان المبدع هاشم الساعدي سيكونان ضيفا المقهى لهذه الأمسية وسيقدمان ثلاثة انواع من الأغنيات العراقية ..لذا تجيء أمسية اليوم مكملة للحرث السابق الذي قدم ..وسيكون حصاد اليوم الأغنية الريفية والاغنية البغدادية والأغنية السبعينية.
وابتدأ رفيق بالتعريف بالضيفين:
رؤيا غالي
تحب الفنون بجميع اشكالها .. لكن الغناء والموسيقى لهما عندها الأولوية
بدأت الغناء منذ ايام دراستها في فرق النشيد المدرسية بدءا من المرحلة الأبتدائية وحتى الثانوية
ربما كان الجو العائلي له الأثر الكبير في ذلك التوجه عندها ، فجميع اخواتها وأخوتها يملكون حسا شعريا ، وأصواتا جميلة ويتذوقون الموسيقى .. على الرغم من نشأتهم الدينية.
انتقلت الى الكويت وعملت هناك مع الموسيقار عبد الرؤوف اسماعيل ، زميل عبد الحليم حافظ، والذي شارك بصوته المطربة نجاة الصغيرة في أغنية ( وطني وصباي واحلامي) .
انشدت من الحان عبد الرؤوف اسماعيل جميع الاناشيد في مسلسل ديني.
وفي نفس الوقت سعت لتعلم العزف على آلة موسيقية ، فأختارت في البداية آلة الأرغن، لكنها كانت شغوفة بتعلم العزف على العود فأنتقلت الى تعلمه.
الأوضاع السياسية أثرت على مسيرتها فأعاقت ملاحقة النظام الدكتاتوري السابق لها ، مواصلتها ممارسة الفن ، وكانت مضطرة لعدم الظهور والأنزواء .. وعندما احتل النظام الكويت .. كانت في زيارة الى لندن فبقيت فيها ولم تعد .
في لندن استأنفت تعلم آلة العود مع الفنان أحمد المختار لفترة قصيرة ، لكنها استفادت منها كثيرا ، وانقطاعها كان بسبب من مشاغلها وانصرافها لعائلتها.
لكنها وجدت وقتا لتساهم مع الفنان الفريد جورج في تكوين " فرقة التراث" عام 1997 والتي واصلت تقديمها الحفلات الغنائية لثلاث سنوات وشاركت في الكثير من الفعاليات التي كانت تقام في كاليري الكوفة او تلك التي تقيمها الجالية العراقية في لندن وحرصت على مواصلة التدريب على العود الذي كان يصاحبها في الاداء وهي لا تعتبر نفسها عازفة .. ولا تمنح نفسها لقبا ما سوى انها محبة للموسيقى والغناء.
هاشم نصر الساعدي
مواليد ناحية المشرح/ ميسان انهى دراسته الابتدائية في ميسان ثم انتقل الى بغداد للعمل والدراسة في وقت واحد.
انهى دراسته الثانوية
ثم معهد المعلمين
خرج من العراق عام 1979
التحق بعدها عام 1980 بحركة الانصار في كردستان.خرج منها عام 1984 متوجها الى بلغاريا حيث درس الفلسفة في جامعة صوفيا
انتقل الى لندن في نهاية 1989.حيث كانت محطته الاخيرة.
كان يحب الموسيقى والغناء منذ نشأتة في الريف الجنوبي لكنه لم يقبل في معهد الفنون الجميلة لاسباب سياسية.
توفرت له فرصة اللقاء مع الفنان احمد مختار فدرس على يديه الموسيقى فتعلم العزف على آلة العود وقراءة النوتة في لندن.
ثم دعا الفنان علي رفيق الفنانين للصعود على خشبة المسرح .. وابتدأت الفنانة رؤيا غالي مرحبة بالجمهور وقدمت الفكرة العامة عن الأمسية واشارت الى ان الفنان هاشم سيقدم عرضا تعريفيا بالأنواع الغنائية الثلاث في البدء ثم سيتوليان معا تقديم نماذج غنائية .
وجاءت مداخلة الفنان هاشم الساعدي كالتالي:
الغناء الجنوبي (الأغنية الريفية)
هنالك أطوار عديدة لكن الشائع منها:
1-طور الغافلي:نسبة الى عشيرة آل غافل (مقام البيات) يغنيه عبادي العماري، شهيد كريم، رياض أحمد
2- الحياوي: نسبة لأهل الحي – الكوت (مقام البيات) يغنى على مقام جنسه الاول بيات وجنسه الثاني سيكاه (أويلي..أويلي)
يغنيه : داخل حسن، حضيري، مجيد الفراتي .
مثلا ( كل مغرم برت علته وانا داي)
3- الملائي : طور يمزج البيات مع الصبا منها اغنية داخل حسن
( اهنا يمن جنه وجنت جينا وكفنا ببابك)
سعدون جابر ( وتنطرت ها تجي وها ع البعد ظليت)
4- الصبا: العادي يستقر على الدرجة الاولى ، اي على الصول او الري حسب طبقة الصوت للمغني.
مثلا ( يالماشية بليل لهلج..حولي عدنه الليلة )
5- المحمداوي : هو نغم من مقام الصبا يستقر على الدرجة الثالثة من سلم المقام.
ابرز من غناه: فرج وهاب، رياض احمد
اغنية سعدون جابر : ( الروح لما علت للشوك دنيتها)
ويمزج معه مقام اللامي في البستة على شكل ابو ذية .. مثلا أغنية ( أحميد)
تمنيتك من الله بس انا وياك
بهيمه وتنكل جدمنا بس انه وياك
خلانه العريضي بس انه وياك
كطع شفنا وتحمل كل خطية
( سلم هذا المقام لا يوجد في المقامات العربية)
6- طور جبير الكون:
يكون سلمه من جنسين صبا زمزم الواحد فوق الآخر
صبا زمزم تكون :
( احبابي شلون حالتكم بعدنه
شبدينه والوكف عنكم بعدنه
اجان انتم نسيتونه بعدنه
بذكركم كل صباح ومسية
7- ابوذية على مقام السيكاه:
يغنيه: نسيم عودة، داخل حسن، اما سعدي الحلي فيغنيه بطريقة تختلف ، على السيكاه الطبيعي اي سلم السيكاه.
8- ابو ذية على مقام الرست: الوحيد الذي يغنيه حسين سعيدة
مثلا اغنية ( تتلاكه الوجوه واعرف شحاجيك) لفاضل عواد
9- الشطراوي: نسبة الى الشطرة.. يغنيه ناصر حكيم :...لاللا..اويلاه
10- طور الصبي: نسبة الى الصابئة ، ويغنى على مقام النهاوند
11- السويحلي : بيات ( يغنى في المنطقة الغربية والجنوب)
يغنيه عبادي العماري، وحيدة خليل، جبار عكار
تطور الغناء الجنوبي من مسعود العمارتلي- داخل حسن- حضيري- ناصر حكيم – المنكوب- عبادي العماري- وحيدة خليل – فرج وهاب- رياض احمد
آخر نسخة متطورة هم : سامي كمال، كريم منصور.
استعمال اللغة الفصحى وكثرة المقامات المستعملة
هذا الثراء سمح بتطور الأغنية الجنوبية حيث تركت لاحقا تأثيرها على الأغنية العراقية ككل
كتابها البارزين الحاج زاير ملا عبود الكرخي
الأغنية البغدادية
ملامحها واعلامها : شعرا ولحنا وغناء
نشأت منذ الثلاثينات حين بدأها وطورها الفنان صالح الكويتي وأخيه داود
كان ضمنها الونولوج – المربع
المونولوج : حوار مع النفس ( مخاطبة الروح أوالقلب )
الديالوك : حوار يقوم به مطرب واحد او مطربين.
(قالب موسيقي موجود في المدينة والريف)
المربع موجود فقط في بغداد
-لاقت الأغنية البغدادية تجاوبا عربيا حيث غناها كثير من الفنانين العرب مثل نرجس شوقي – نهاوند- فائزة احمد- وغيرهم
-حاول البعض تطوير الأغنية البغدادية محاكاة مع الأغنية المصرية مثل ( فاروق هلال- جميل سليم) حاولوا اعطائها طابعا مرحا فلم ينجحوا.. كذلك عفيفة اسكندر- احلام وهبي لانهم عاشوا في مصر.
-أبرز وجوهها ( وديع خوندة- ناظم نعيم- عباس جميل- محمد عبد المحسن- احمد الخليل- يحيى حمدي- رضا علي)
- أبرز مغنيها :
(صديقة الملاية- زكية جورج – زهور حسين – عفيفة اسكندر- فاروق هلال- احلام وهبي)
-أبرز شعرائها : عبد الكريم العلاف- سيف الدين ولائي
ساهم في تطوير الأغنية عدة عوامل منها:
-معهد الموسيقى
2-النشاط المدرسي
3-فرقة الموشحات – روحي الخماش
4- اهتمام السلطة بالفن
الأغنية السبعينية:
أغنية العقد الذهبي
العوامل التي ساعدت على ظهورها
1- -الهجرة الكبيرة بعد 1958 من المحافظات الى بغداد وكانت بالملايين كان فيها شعراء
ملحنين – مغنيين
-النشاط المدرسي :لعب دورا كبيرا في تطور الفنون جميعا ولعب المعلمون دورا هاما بذلك لان اغلبهم شيوعيون ويساريون.
3- - الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي في البلد
-انتعاش الشعر – القصة-المسرح- الموسيقى
-برنامج ركن الهواة (كمال عاكف) ساهم بتخرج نجوم جديدة مثل فاضل عواد-حسين نعمة- سعدون جابر- حميد منصور
-تراجع الاغنية البغدادية بعد التغيير السكاني الكبير في بغداد حيث نشأت مدن مثل الثورة- الشعلة- الحرية وغيرها
-الجماهير المهاجرة حملت معها انماطا جديدة من الغناء منها: اطوار الجنوب الحزينة ذات المعاني العميقة
- تحول الكلمة الشعرية الى التعبير العميق عن حب الارض- المزارع المصانع- الانهار-الانهاروساعد على ذلك وجود الملاينن الملتحقين الجدد
كل هذا استوجب نوع جديد من الغناء
-دخلت في الاغنية الواحدة مقامات عديدة وايقاعات مختلفة
- اول من مهد لذلك الفنان كمال السيد في عام 1968 حين لحن اغنية "مشيت وياه للمكير اودعنه" وكانت اغنية طويلة وجميلة وفيها جهد فني كبير ..غناها ياس خضر وكتبها زامل سعيد فتاح ، الشاعر الابرز في اغنية السبعينات
- تلحين محمد جواد اموري اغنية " الريل وحمد " من شعر مظفر النواب وغناء ياس خضر
- تبعهم كوكب حمزة في اغنية "يانجمة " كلمات كاظم الركابي غناء حسين نعمة
ثم طالب القره غولي في اغنية ياخوخ يا زردالي عام 1970 وكانت غناء منير حسني شعر زامل سعيد فتاح
- ابرز شعراء الحقبة ..زامل سعيد فتاح- مظفر النواب- ابو سرحان (ذياب كزار)
- اشهر الملحنين : كمال السيد – محمد جواد اموري كوكي حمزة طالب القره غولي- محسن فرحان
- ابرز المغنين- ياس خضر- فؤاد سالم- حسين نعمة- سعدون جابر- انوار عبد الوهاب- رياض محمد –قحطان العطار- سامي كمال.
قبل ان تنتهي الأمسية نبه علي رفيق الى حضور الفنان نامق اديب الى الأمسية فرحب به ودعاه الى المشاركة بتقديم احد الحانه باعتباره احد ملحني السبعينات المعروفين ولبا الفنان الدعوة وقدم لحنا جميلا من الحانه في تلك الحقبة.
تجاوزت الأمسية وقتها المحدد بكثير .. لأكثر من ساعتين ونصف كان الجمهور يغني مع المطربين رؤيا وهاشم ..كانت ليلة من عمر المنفى البارد استحضر فيها الحضور دفء الحب والوطن والحياة عبر " أغنيات عراقية ".