فضاءات

النصير الشهيد الذي يجيد تقليد أصوات الطيور / ئاشتي

ربما يستحوذ الحزن عليك بكل كيانه فيسرق منك عذوبة الصورة التي تود أن ترسمها بالكلمات لرفيق تعلمت منه البساطة والصدق الفلاحي مثلما استمتعت بالقصص التي يرويها لك عن خدمته العسكرية وعدم معرفته باللغة العربية، فكان يضحك من القلب وهو يتذكر تلك الأيام، كانت روحه تفوح بعطر الحب للجميع لهذا أحب أن يتعلم كل شيء عن رفاقه، فصنع بذلك جسر محبة من خرسانة نقاوة الروح بينه وبينهم.
أنه الشهيد أبو هلال (جميل أحمد صالح) من قرية سواري التابعة إلى محافظة دهوك، من عائلة شيوعية بكل أفرادها، يعرف الجميع انتماء هذه العائلة لهذا من الصعب جدا التخلي عن هذا الانتماء ويبدو أنهم كانوا مقتنعين بـ ( لا تقلب سترتك الأولى حتى لو بـُليت) قبل أن يقرأها جدهم وربما لم يقرأها البتة، لهذا كان اعتزازاهم بالشيوعية ليس من السهولة أن يتزعزع مثلما لا يمكن أن يخضع هذا الانتماء إلى الابتزاز أو الأغراء.
في عام 1980 زارت مفرزة كبيرة العدد من الشيوعيين وبقيادة القائد الأنصاري توما توماس قرية سواري رغم الخلافات والعداء الذي تحمله هذه القرية للشيوعيين لما حدث في عام 1975 مع هذا تم استقبال هذه المفرزة بشكل جيد وقد تم اللقاء بهذه العائلة الشيوعية ووفق ذلك اللقاء التحق الرفيق أبو هلال بهذه المفرزة وهنا بدأت جولته الأنصارية مع رفاقه الأنصار الشيوعيين العراقيين.
في فترات الاستراحة التي تقضيها السرية التي نـُسب إليها، وحينها يكون الرفاق قد توزعوا تحت اشجار العفص أو البلوط أو الجنار، ترى الرفيق أبو هلال يدور عليهم جميعا وفي صدره ألف سؤال عن احوالهم واحتياجاتهم، يضحك معهم ويطلق حنجرته في تقليد أصوات الطيور وخاصة طائر القبج حيث تكون المهمة الرئيسة له هو اصطياد الذكر إذ يتم الإيقاع به من أجل تخليص أنثاه من شرك الصياد ولكنه يقع في الاسر.
في ربيع عام 1986 تقرر أن تقوم السرية التي أحد أعضاءها الشهيد أبو هلال بعملية عسكرية في دشت الموصل، تحركت المفرزة القتالية بعد منتصف النهار وكان السير كالمعتاد بين كل رفيقين أكثر من مائتين مترا، كانت الرغبة كبيرة في المساهمة بهذه العملية العسكرية، وكانت رغبة أبو هلال تطفح من عينيه فرحا وشوقا للمساهمة في العملية، سمعوا صوت طائرات الهليكوبتر ولكنهم لم يأبون لذلك، ولكن فجأة أزداد عدد الطائرات وبدأت ترسل حممها على خيط السائرين من الأنصار ثم قامت بأنزال عدد من الجنود، خاض الأنصار معركة باسلة فأستشهد منهم تسعة أنصار وكان من ضمنهم ذلك الذي يجيد تقليد أصوات الطيور..