فضاءات

سوق العمل .. أبواب البطالة تفتح ذراعيها للخريجين الجدد / ماجد حميد

مع تخرج عشرات الالاف من طلبة وطالبات الكليات في الايام القليلة المقبلة،تزداد اعداد العاطلين عن العمل،فهؤلاء الخريجون سوف لن يجدوا فرصا للعمل تتطابق مع تخصصهم العلمي،فاغلب التخصصات الهندسية والتربوية والزراعية والادبية والاجتماعية والعلمية لاوجود لها في احتياجاتنا العملية على ارض الواقع،صحيح ان الحكومة لايمكنها تعيين جميع خريجي الكليات والمعاهد،الا ان عليها ان تنشط القطاع الخاص لتجعله جاذبا لهذه الطبقة العلمية الفاعلة.
فالمعمل يحتاج الى عمال وفنيين ومهندسين ومحاسبين واداريين،كذلك شركات الاعلان التي تحتاج الى الرسام والفنان المسرحي والمصور والمحاسب والمهندس والاداري والسائق والكاتب.
قلة فرص العمل المناسبة للخريجين تطوي بين ثناياها نصف اعدادهم سنويا وهم الاناث الخريجات اللواتي لن يجدن دائرة تقبل بتشغيلهن فيجلسن في بيوت ابائهن تمهيدا للانتقال الى بيت الزوجية الذي قد يتاخر،اما النصف المتبقي فيحظى القليل منهم بفرصة عمل مناسبة للتخصص العلمي اما المتبقون فاما في (مساطر العمال) او التشبث بفرصة عمل لا تليق بكد سنوات الكفاح والدراسة،فهم بين حمال او غسال صحون في احد المطاعم او في احسن الاحوال سائق سيارة اجرة.
السطور التالية تسلط الضوء على شريحة مهمة من شباب المجتمع العراقي،خريجون بلا فرص عمل،وشهادات تضحك من اصحابها،مقاه للبطالة تستقبل طلبات التعيين... وشركات ومعامل غير منتجة،تنتظر يد الدولة لانتشالها من واقعها وادارة عجلات الانتاج.

حلم لم يتحقق

في منطقة (الشورجة) التجارية وسط بغداد كان احمد باقر 31 عاما يجر عربته المحملة بصناديق الشاي الى مسار محاذ لشارع تزاحمه المركبات وزعيق ابواقها ولكنه لم يكن يابه لكل هذا بل راح يجتر الماً خفياً يدمدم به مع نفسه بصوت خافت جعله صمام امان لصراعات داخلية, ويروي جزءاً منه فيقول : منذ اكثر من سبعة اعوام وانا اعمل في ظروف شتى مستقرة وغير مستقرة وعملت في البناء وبيع السكائر وعملت سائقاً لشاحنات نقل مواد البناء حتى استقر بي المطاف للعمل في منطقة الشورجة في نقل المواد والبضائع الخاصة بالتجار مقابل اجر لكل حمولة وحسب ا?كمية، وهذا العمل الذي ترونه مؤلم جدا بالنسبة لي وانا خريج كلية التربية للعام 2002, واضاف منذ سنوات وانا ابحث عن وظيفة بمؤهلاتي وان اكون ضمن قوائم التعيينات التي تصدر هنا وهناك ولكن ما باليد حيلة فالحصول على عمل حكومي بات الحلم الذي لايمكن تحقيقه.
وعلى مقربة من احمد كانت عربة كريم ناهض 27 عاماً بانتظار (كروة) فبادرنا بقوله: «منذ العام 2005 وهو عام تخرجي من كلية الادارة والاقتصاد وانا ابحث عن عمل باختصاصي (المحاسبة) وطرقت ابواباً كثيرة في اختصاصي وغيره بلا جدوى واشار احد اصدقائي علي بالعمل في تحميل وتفريغ البضائع, فانتفضت وقلت في نفسي كيف لي ان اعمل حمالا!؟ وبعد فترة من بطالتي جئته ارجوه العمل وكان ذلك, واضاف : العمل ليس بعيب او التقليل من شانه لكن الالم الذي يعتريني هو تلك الشهادة والصورة التي علقتها امي في صالة استقبال البيت وهي تتباهى بها لكني اقس? ان صورتي التي التقطها لي مصوركم ساعلقها بجانب تلك واكتب من تحتها (اين تكمن الفروقات بين الصورتين!! )

جيش من العاطلين

في مسطر العمال بساحة الطيران يصطف الشباب بحثا عن عمل، سواء كان للبناء ام التهديم ام تحميل بضاعة، بعضهم تخصص في عمل معين فهناك بناؤون وصباغون ومتخصصون في رصف البلاط، ونقاشون و اعمال كثيرة اخرى، اغلب الباحثين عن فرص العمل هم خريجون من معاهد وكليات لم يبتسم لهم الحظ للتعيين في دائرة يلفح الهواء البارد وجوههم على المكاتب، ليطبقوا ما تعلموه خلال سنوات دراستهم.
سالم فرحان 32 عاما خريج معهد نفط،حمل الحكومة سبب وقوفه في طابور العمل اليومي الشاق، وقال "بحسب معلوماتي المتواضعة ان بلدنا هو الثالث في العالم بالاحتياطي النفطي، وهذا يعني ان لكل منا حق في فرصة عمل جيدة وبراتب جيد ومميزات حياتية لا يقل مستواها عن اي بلد مرفه ولكن اين المجيب عن سؤالي". واضاف: "في هذه الساحة التي تعودت ان تكون انطلاقة لي للحصول على عمل اعتاش منه هي بمثابة عالم من حكايات وامال وتطلعات لغد افضل فهناك اكثر من شاب حاصل على شهادة جامعية دون عمل ويقف الى جانبه اخر حاصل على ماجستير غير ان قلة الحيل? وضعف الحال يجعلهم يقفون هنا بانتظار العمل".
خالد طارق السلامي 33 عاما،ماجستير لغات قال: "لم اكن اعلم ا ن طموحاتي ستكون بدرج مكتبتي كحال اوراقي القديمة, بحثت عن اية فرصة للعمل في اي مكان حتى وان لم يكن ضمن اختصاصي وللاسف لم احصل على نتيجة وكما تعرفون ان اغلب الشباب بحاجة الى مصاريف يومية وليس بمقدورنا ان نمد يداً لطلب المساعدة من الاخرين فهي ليست من شيم الرجال فقلت في نفسي ساعمل في البناء او في طلاء المنازل وهذا العمل الاخير اتقنه وفعلا ترددت على ساحة الطيران واخذت اعمل في طلاء العمارات والدور والحمد الله .
اما شهادة الماجستير فهي لم تستطع ان تطعمني حتى رغيف الخبز ويا اسفي".
سوق العمل

اما صلاح عمر خريج معهد التكنولوجيا فقال : في مسطر العمال هذا نتجمع صباح كل يوم لياتي من يحتاج لأيد عاملة وحسب حاجته، ومن المؤلم حقا ان تكون اختيارات البعض معتمدة على موصفات معينة مثل البنية القوية والطول والسعر، نعم فهذه مواصفات يطلبها بعض المواطنين الذين لديهم بناء او تحميل وتفريغ حمولات (اللوريات) وكاننا في سوق النخاسة, ولكوني ذا بنية ضعيفة بالكاد احصل على عمل واحيانا اعود من يومي بلا جدوى, المشكلة هي ان الكثير من الموجودين، هم اصحاب عوائل وهم يعانون الامرين في حالة عدم حصولهم على فرصة ليوم واحد فكيف اذا?كان مريضاً ويمنعه مرضه عن العمل؟ البطالة من اهم الامراض التي تتفشى في مجتمعنا وهي من الاولويات التي يجب ان يوجد لها الحل من قبل الحكومة، وهذا ليس بالامر الصعب اذا ما اخذ الامر على بساط الجدية.

الحركة الاقتصادية

العملية الاقتصادية الناجحة في البلاد يمكنها ان توجد فرص عمل كثيرة تجتذب الشباب والشابات، فبلاد متعددة تمتلك اقتصادا ناجحا تكون قبلة للمهاجرين الباحثين عن عمل، فهي سوق مفتوحة لجميع التخصصات، بالمقابل البلدان ذات الاقتصاد المتعثر، تتعثر فيها الاعمال، كالتجارة والزراعة والصناعة والاعمار والسياحة والاستثمار، ما ينعكس على سوق العمل، كون قطاعات الانتاج فيها متوقفة وغير ذات جدوى.

إنعكاسات إجتماعية

وتؤثر البطالة على مسيرة المجتمع،فتراكم الحسرات في نفوس الخريجين والخريجات دون الحصول على فرص عمل والذين سيصبحون بعد فترة اباء او امهات،ستنعكس على تربية الجيل الجديد من الناحية الاخلاقية والفكرية الثقافية وعلاقة المواطن ببلده. الدول المستقرة اقتصاديا وضعت رواتب للعاطلين عن العمل، هذه الرواتب هي عبارة عن ضرائب تجبى من جميع الفعاليات الاقتصادية،لمنع انزلاق العاطلين عن العمل في مهاوي الجريمة والفساد،فيما تبحث مكاتب منظمات مجتمع مدني واخرى تابعة للحكومة عن فرص عمل للعاطلين واعادة تشغليهم ضمن برنامج محدد منبثق عن دراسات علمية هادفة تصب في مفهوم بناء مجتمع متحضر ومتراص.
ان البطالة تكون سببا في انزلاق الشباب غير الواعي للدخول في شرك الجريمة للحصول على المال اضافة لهذا الاضطراب النفسي الذي يتولد للفرد جراء البطالة لمدة طويلة تحدث عنده انفعالات وتصرفات يدفع ثمنها المحيطون به, ولذا نلاحظ ان الدول المستقرة اقتصاديا وسياسيا هي الدول الاقل تضررا من افة البطالة ويكون فيها الفرد اكثر انتاجا واكثر استقرارا من النواحي الاخرى التي ذكرناها , وفي العراق هناك جوانب غيبت او اهملت منها الصناعات المحلية والمعامل الاهلية الكبيرة والشركات وهذه كان لها ثقلها في امتصاص البطالة بنسبة كبيرة قد ?تجاوز 40 بالمئة ويبقى ال60 بالمئة نصيب الدوائر الحكومية والزراعة واعمال حرة اخرى فهنا نلاحظ ان المستوى للخط البياني في نزول جراء اهمال تلك المرافق التي كانت تنعش الاقتصاد وتشغل الايدي العاملة فالفرد هو مورد اقتصادي والبطالة تعمل على اهدار الطاقة البشرية وقتلها بضراوة فكيف اذا كانت هذه الطاقة البشرية خريجي وطلبة الكليات وهم يتدفقون في كل عام ليكونوا رقما اضافيا في سجل البطالة؟