فضاءات

تعدد الزوجات.. بين القبول والرفض / اسعد عبد الله عبد علي

قرر حيدر ، الموظف، الزواج من امرأة ثانية، لكنه واجه مشاكل عديدة مع أسرته وأقاربه، فقرر تأجيل الفكرة وليس إلغاءها، وظل ينظر الى الآخرين الذين اقترنوا بأكثر من زوجة بعين الحسرة، رغم كل ما واجهه من رفض من قبل أسرته وزوجته على وجه الخصوص.
حيدر، أجل الفكرة، لكن غيره مضى قدما وتزوج بسرعة، وآخرون اقترنوا بأكثر من زوجة، ورغم المشاكل العديدة التي تنشأ في فضاء تعدد الزوجات إلا أن هذه الظاهرة تزداد على ما يبدو، وتثيرها وتشجع عليها مؤثرات اجتماعية ونفسية ومادية عديدة.
قضية تعدد الزوجات، إحدى أهم القضايا التي تطرح للنقاش وتجد لها طرفي نقيض بين مؤيد ومعارض. فالبعض يراها حقا طبيعيا للرجل ومفتاح الحل للكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية, بينما البعض الآخر يعتبرها امتهانا للمرأة ونموذجا لعدم المساواة بين الرجل والمرأة.
يُشار إلى أن قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ينص على وجوب حصول الرجل على موافقة الزوجة الأولى أمام قاض، ليتمكن من الزواج بامرأة ثانية. والمفترض ان غالبية حالات تعدد الزوجات في العراق تتم بعد موافقة الزوجة الأولى.
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن المجتمع العراقي يعاني من وجود نسبة عالية في العنوسة وتأخر سن الزواج بين أعمار 18 إلى 45 سنة، إذ تزيد نسبة الفتيات العوانس على 30 بالمائة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي. كما تشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد الأرامل في العراق يبلغ نحو مليون أرملة، أغلبهن من ضحايا التفجيرات الإرهابية التي حصلت بعد الغزو الأميركي للعراق.
لكن ظاهرة تعدد الزوجات ليست وليدة اليوم بل هي ظاهرة وجدت منذ الخليقة ومازالت مستمرة ولابد أن تكون لها أسبابها التي تختلف من مجتمع لآخر بحكم اختلاف التقاليد والثقافات والمذاهب.

حق كفله الشرع والقانون

يقول المواطن أبو تبارك (صاحب محل لبيع الموبايلات): تعدد الزوجات حق كفله الشرع والقانون, وأنا متزوج من امرأتين، ودوما أسعى إلى أن أكون عادلا بينهما في الحقوق والواجبات, وأما سبب زواجي الثاني فذلك لرغبتي في زيادة عدد أطفالي مع قدرتي على فتح بيت ثاني!.
أما المواطن حسنين عبد الله (موظف حكومي)، فقال: تزوجت بشكل تقليدي من قريبة لي. وعشت معها خمس سنوات، لكن لم أجد ملامح الحب, لكنني وجدت فتاة وأحببتها، عندها كنت أمام مفترق الطرق، أما الطلاق من الزوجة الأولى أو البقاء معها والزواج من امرأة ثانية ووجدت الثاني هو الحل الأمثل. نعم حصلت مشاكل لكني كنت مصمما وتم زواجي من الثانية. وها هي سنة تمر على زواجي الثاني واشعر بالسعادة وأحاول أن أكون عادلا بين الاثنتين.

العامل السياسي والاقتصادي

يقول المواطن زهير البياتي (أربعون سنة): اعتقد أن العوامل الاجتماعية هي السبب الأكبر لتعدد الزوجات. فالحروب المتوالية والإرهاب قضى على نسبة كبيرة من الرجال مما تسبب بارتفاع نسبة الأرامل والعوانس، واعتقد لا حل إلا بالتشجيع على تعدد الزوجات عبر توفير قروض وسكن لمن يشرع بهكذا خطوة. وأنا تزوجت مرتين, وزوجتي موظفتين وأعيش بسعادة واجد نفسي مميزا عن باقي إخوتي وأصدقائي.

انقلاب

المواطنة سحر، (موظفة حكومية) قالت: اعتقد أن الموازين الاجتماعية حصل لها انقلاب، فلم يكن المجتمع العراقي يتقبل هذه النسبة المرتفعة من ظاهرة تعدد الزوجات, أما اليوم فنجد مطالبات علنية للتشجيع على تعدد الزوجات, وهذا الأمر مرفوض لأنه يمس كرامة المرأة ويحط من مكانتها. فكل العالم اليوم يعيش بنظام العائلة الواحدة المتكون من زوج وزوجة. واعتقد أن الذي يتزوج امرأتين سيواجه صعوبة في تربية أطفاله ومشاكل مع الزوجتين.

قلة الوعي

أما المواطنة أم سحر (ربة بيت) فكان لها رأي مختلف حيث قالت: أنا اعتقد أن الرفض يأتي بسبب قلة الوعي عند النساء فالأمر يكفله الشرع والقانون, ولا يمثل خروجا عن أي نص, واليوم المجتمع العراقي بحاجة ماسة للتعدد بسبب ازدياد أعداد النساء مقابل أعداد الرجال. فالرجل المتمكن ماديا ممكن أن يتزوج مرة ثانية, والذين يرفضون التعدد هل يمكن أن يجدوا حلول حقيقية للأعداد الكبيرة من النساء الأرامل والمطلقات والعوانس؟. فلا حل لهذه الفئات إلا بمشروع تعدد الزوجات. كما أن موضوع التعدد لا يمس ذات المرأة وشخصيتها بل يجب أن تتفهم أصل ?لموضوع!.

أسباب أخرى

تقول وفاء علي (ناشطة في مجال حقوق المرأة): ارتفاع القدرة المالية بعد 2003 شجع على انتشار ظاهرة تعدد الزوجات والدوافع متعددة بين السعي لإنجاب عدد أبناء اكبر, أو سببه حب امرأة أخرى, أو تأثير بعض الفضائيات التي تطرح وبقوة موضوع الزوجة الثانية لذلك يتواجد لها تطبيق عملي في حياتنا. وهي حق لا يمكن النقاش فيه. لكن أصل الخلل يعود للزوجة الأولى بنسبة معينة, فنعمل على تثقيف النساء بأهمية الروابط الزوجية ودورها الأساسي في جعل البيت جنة الرجل, فان هي أهملت زوجها أو جعلت البيت جحيما اتجه للبحث عن زوجه ثانية.

البطالة دافع آخر

ناجي حامد (كاسب) قال: أجد أن بعض الشباب يسعون للزوجة الثانية ليس بدوافع تكوين أسرة بل كمشروع استثماري يحقق لهم مبالغ مالية ويحل مشاكلهم الاقتصادية, فهو مشروع "لاستغلال النساء" اللواتي فاتهن قطار الزواج من موظفات الدولة. فكم عاطل عن عمل تزوج من امرأتين ليحل مشاكله ويعيش طفيليا على ظهر امرأة تكد وتتعب. وهذا نوع من الاستغلال البشع للمرأة.
ويقول المواطن ثامر محمود: تعبت كثيرا من قضية السكن فانا عندي ستة أطفال وأعيش في غرفة واحدة مع أهلي. وفجأة جاءتني فرصة الحل حيث عرض علي مشروع الزوجة الثانية من امرأة تملك بيتا وموافقة على جلب زوجتي الأولى والأطفال للسكن سويا. وهكذا تم الأمر واليوم أعيش بسعادة.

فات القطار

لم تكن هدى، موظفة، تأمل بأنها سوف تتحرر من أسوار العنوسة لتكون زوجة ثانية، بعدما طال انتظارها سنين طويلة لشريك حياتها. لكن قطار حياتها فات فرضخت أن تكون زوجة ثانية.
تقول هدى: تقدم بي العمر وأصبحت في الخامسة والثلاثين، ليس لي خيار سوى أن أقترن برجل متزوج.

إنجاب الذكور

تروي ابتهال قصة زواجها من رجل متزوج، بعد أن برر الأخير طلب زواجه منها بحجة أن زوجته الأولى لا تنجب ذكوراً ولديه خمس بنات منها، فوافقت على طلبه.
تقول ابتهال: كان اتفاقنا قبل الزواج هو أن يوفر لي سكنا مستقلا ويعدل بيني وبينها، وحياتي مستقرة حاليا.

حل أمثل!

يقول ماجد ناصر، طالب جامعي: الظروف الاقتصادية والحروب التي مر بها العراق ساهمت بفاعلية في انتشار الظاهرة.. في إشارة إلى تعدد الزوجات.
ويوضح أن "تشجيع النساء من العانسات أو الأرامل أو المطلقات على أن يصبحن ضرات قد يعتبر الحل الأمثل بنظر النساء أحيانا لمعالجة مشاكل العنوسة في المجتمع العراقي"، ويشير إلى أن:" بعض الرجال يلجأ إلى تعدد الزوجات لحاجته إلى الأبناء في استمرار اسم عائلته".

نظرة متدنية

ترى الناشطة المدنية في مجال حقوق المرأة، نهلة جابر، أن ظاهرة تعدد الزوجات تعكس النظرة المتدنية للمرأة، وعندما يريد الرجل أن يقترن بزوجة أخرى فإنها (الزوجة) ستكون أمام تعسف ذكوري.
وتضيف جابر أن "الظاهرة باتت تنذر بمخاطر عديدة أهمها الطلاق من الزوجة الأولى والتفكك الأسري، ناهيك عن زواج القاصرات اللواتي أرغمن على الزواج بطرق ووسائل عديدة".
وأوضحت أن تعدد الزوجات لا يسهم في القضاء على العنوسة أو ينهي مشاكل الأرامل والمطلقات، في مجتمع يتحسس من هكذا شرائح.

بين الريف والمدينة

لا تبدي الباحثة الاجتماعية، هدى صبري، اعتراضاً على مشروعية تعدد الزوجات "إذا كان ضمن إطار القانون والشريعة، وعن طريق موافقة المرأة مع مراعاة حفظ كرامتها وصون حقوقها الزوجية".
وتشير هدى إلى: إن تقاليد المجتمع العراقي وعاداته تدفع المرأة أحياناً إلى الزواج برجل متزوج، "على الرغم من أنه تقليل من كرامة المرأة بحد ذاته"، موضحة أن "المرأة ليست سلعة تباع أو تشترى"، في إشارة إلى حالات اقتران الرجل بزوجة ثانية أو ثالثة وأحياناً رابعة.
وتقول إن "أخطر حالات تعدد الزوجات هي عندما يقترن الزوج بزوجة جديدة سراً دون أن يكون للزوجة الأولى علم بالأمر"، وادعت الباحثة أن "تحسن المستوى المعيشي للفرد العراقي بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أنعش أيضاً تعدد الزوجات".
وتلاحظ الباحثة، أن "مناطق القرى والأرياف تكثر فيها نسبة تعدد الزوجات، فيما تقل هذه النسبة في المدن"، على اعتبار أنه "كلما ازداد وعي المرأة انخفضت فرص تعدد الزوجات".

العدل والمساواة أولا

يرى الشيخ مؤيد جاسم، إمام جامع، أن "الدين الإسلامي حلل تعدد الزوجات وفق أحكام عدة. ويجب أن يبنى ذلك على أساس العدل والمساواة بين الزوجات وتوفير الحياة الكريمة لهن".
وأضاف أن "تعدد الزوجات مفضل في الحالات التي يضطر فيها الرجل إلى الزواج بامرأة أخرى". ومن هذه الحالات "عقم المرأة أو عدم تمكنها من إعطاء زوجها كامل حقوقه الزوجية فضلاً عن ازدياد أعداد العوانس والأرامل في المجتمع. وهذه أسباب تدفع إلى تعدد الزوجات".

خلاصة

كان الوضع الاقتصادي والقبلي من أبرز مسببات ظاهرة تعدد الزوجات كون اغلب المجتمعات الشرقية، ومنها العراق، كانت من الطبقة الفلاحية التي تعتمد في معيشتها على الزراعة وتربية المواشي وهذا ما كان يتطلب أيد عاملة "أي الذكور" للعمل في الحقول وبما أن المجتمعات ذات الطابع العشائري كانت وباستمرار تمر بحالة من النزاعات والصراعات ناهيك عن حالة الغزوات.. فقد كان يتحتم على العائلة إنجاب اكبر عدد ممكن من الذكور.
وقد تطورت وتنوعت أسباب تعدد الزوجات مع التطور والتقدم الحاصل خلال العقود الأخيرة حيث انحصرت مسببات هذه الظاهرة في
•عدم تمكن المرأة من الإنجاب.
• إصابة المرأة بمرض أو عاهة تحول دون متابعة حياتها الزوجية بشكل طبيعي.
• الزواج المبكر.
• الإنجاب المتكرر للإناث.
• التقاليد الاجتماعية في فرض شريك الحياة على الفتاة والرجل.
• تدخل عوائل الطرفين في المشاكل الخاصة بين الزوجين.
• عدم إعطاء الرجل حقه من الاحترام والتقدير وافتقار الزوجين للغة التفاهم.
• المفاخرة بتعدد الزوجات عند بعض الرجال بالأخص وسط المجتمعات ذات الطابع القبلي.
ورغم وجود بعض الايجابيات في ظاهرة تعدد الزوجات المتمثلة في النقطة الأولى والثانية لكنها لا تقارن بالسلبيات التي لا تعد ولا تحصى والتي غالبا ما تكون لها تأثيرات جمة على المجتمع برمته بسبب المشاكل التي ترافق الزوجة الثانية والتي تنعكس بشكل مباشر على نفسية الأطفال ومستقبلهم الدراسي والاجتماعي.
ومن أهم الأخطار المحدقة بالعائلة نتيجة الزواج الثاني هي عودة الرجل للاهتمام بزوجته الأولى وإهمال الثانية التي بلا شك ستشعر بالغبن والظلم والإحباط جراء ما وعدت به قبل الزواج وهذا ما يزيد من تفاقم المشاكل العائلية وبشكل يومي لتصل في بعض الأحيان إلى درجة الطلاق.. ولو القينا الضوء على الخاسر الحقيقي في هذه الظاهرة أي " تعدد الزوجات" سنلاحظ أن الأطفال يأتون في المرتبة الأولى ومن ثم الزوجة الثانية التي تكرس جل وقتها واهتمامها لاستعادة مكانتها في العائلة ورد اعتبارها في المجتمع وذلك باستخدام شتى الوسائل والطرق وا? كانت تلك الوسائل شاذة عن التقاليد الاجتماعية وبعيدة عن التحضر.
وكما يدرك الجميع فان الرجل لن يكون بمنأى من أثار ذلك الصراع الحياتي، شبه اليومي.. فهو يبقى يبذل قصارى جهده لإرضاء الطرفين وإحلال الاستقرار داخل العائلة ولتحقيق ذلك يضطر الرجل المنهك بهموم الحياة في توفير لقمة العيش للعائلة إلى أن يقف أمام خيارين أما الرضوخ للمشاكل اليومية أو استعمال لغة العنف التي تزيد الطين بلة وهكذا دواليك.
وعلى ضوء الدراسات والبحوث في الشأن الاجتماعي والسلوكي وفق الإحصائيات العالمية فان ظاهرة تعدد الزوجات هي ظاهرة تحمل طابع الأنانية والانتهاك الصارخ لحقوق المرأة "الزوجة الأولى" وتعد غير مباشر على حقوق الطفل وحرمانه من استحقاقه في العيش الرغيد في كنف عائلة يسودها الحب والحنان والسلام.
وتمتاز نظم الأسرة بأهمية بالغة نظرا لارتباطها الوثيق بالأمور الشخصية وقد استقت قوانين الأحوال الشخصية العربية نصوصها من مباحث الفقه الإسلامي في مسألة الاشتراط في العقود.
ولما كان أساس تكوين الأسرة المودة والرحمة والتعاون والمحافظة على الأنساب وحفظ كرامة الأسرة وصيانة شرفها وهي أهداف الزواج فانه كان لزاما على القوانين أن تعنى بهذا المقصد الجليل وفي ضوء القيم المنغرسة في مجتمعاتها وضمن الأطر الشرعية وعدم تركه عرضه للاستهزاء ومحلا للمساومات، فنظرا الى الوضعية الخطيرة التي تعيشها العائلة، نتيجة التغيرات السريعة الناجمة عن المشاكل الاقتصادية والظواهر الاجتماعية المتمثلة في اتساع جيوب الفقر واهتزاز القيم والمعايير بفعل الأنماط الاقتصادية الجديدة والسلوكيات المنحرفة وعالمية الات?ال (الانترنت)، هذه المظاهر السلبية أدت الى انتشار تعدد الزوجات وانتقلت آثارها الى الحقل القانوني، وان هذا التحقيق المتواضع محاولة لرسم النظرة الرسمية لقانون الأحوال الشخصية في قضية تعدد الزوجات وبيان واقع تطبيقها وصلاحيتها لحفظ حقوق الأفراد وصيانة القيم الاجتماعية وكشف حجم التأثيرات السلبية من أجل تجنبها من المجتمع وأفراده. وتناولت قضية تعدد الزوجات ليس لكونها قضية عاطفية محورها الزوجة السابقة والزوجة اللاحقة بل بوصفها نظاما اجتماعيا له خصائصه يهم الرجل والأولاد كما يهم المرأة.