فضاءات

شارات لا تعرف الغياب / جواد وادي

إلى من تسيّدو القلب والوجدان. نفحات تعبق بالأريج. أرواح خلّدت قيم الرفض للمهادنة وأبت الخنوع. عبّدت لنا بدمائها الطاهرة طريق الحرية وصنعت قيما خالدة للشهادة. فلفضت كل العناكب الحاقدة وبقيت هي منارات إنسانية ما خبت يوما....
إلى شهداء الحزب ومناضليه الميامين
-1-
فهد
(يوسف سلمان يوسف)
-A-
يقيمون في العتمة
وأنت المضيء دائما
لا تبرح عن هلعهم الماكث تحت جلودهم
قريب من نحورهم المدججة بالخنوع
دجّنوا أسلحتهم
بلغة المكر
وأنت فضحت خيلاءهم
المكتظ بالمداهنات
كانت يداك تطال النجوم
وكانت أياديهم مردودة لخيباتهم
سيد الشجر أنت والثمار وكل المسرات
صديق القطا وحامل شارات المباهج
أترحت كل خباياهم وما أعلنوا
وأسعدت حاملي رايتك الحمراء
ما إن علت هامتك مقاصلهم الذليلة
حتى صعدت لعتبات المجد
لهامات الخلود ليظل صوتك هادرا بذات الصدى
فتبقى الشيوعية:
أقوى من الموت وأعلى من أعواد مشانقهم الخرساء
سيظلون ورثة الطاعون
بحناياهم الفاسدة
أعلم يا سيدي
أنك ستظل حجر الصواعق
ليعرف الصغار
أنهم ضئيلون دائما
أمام قامتك الشامخة.
ستبقى يسوعا يلعن أرض الجريمة
تطرز بين الجفون وحدقات الرفاق
أرصفة موشاة بالأزاهير تعلو الذرى
حين تعود أجسادهم بلا هامات
فتعود نتن الأرض وبقايا رمم منسية.
-B-
(ستبقى معلما ورفيقا عذبا)
في ليلية قمرية
زارني طيفك البهي
حاملا في يمناك
راية الآلتين
وفي يسراك كتاب البيان
لحظتها
استشعرني النبض
بدفء الحنان
والسعد والأريحية
عانقتك...
بكيت على كتفيك
كان طيفك بلسما
في زماني الردي
وها أنذا
أعمّد ذكراك بدمي
وأسمو بك مجدا ومزهرية
علمتني يا سيدي
أن المقاصل
تغدو محاريبً
لا محض أعمدة
حين عاد جسدك
صليبا...
لا جثة هامدة...
-2-
سلام عادل
أخبرني الكبار
أنك كنت تلفظ أنفاسك
وأنت لصيق بتراب الكرامة
على أرض أينعت من دمك المقدس
هم يموتون على أسرّتهم خانعين
وفي إسطبلاتهم
وأنت تلثم الأرض وتعانق التراب
بعشق الوطن...
بجسد ينز عزة لا دما
كلما أزالوا منك شلوا
قال لي الكبار
يعود أقانيم شاسعة
ليترك اللهفة لشلو آخر
يتشهى أن يوسع الهوة بين
الشهادة والمذلات
توارثتك الحكايا الجليلة
حين صاغت بطولتك
حلل من إباء
كانت لنا ملاذات ومسرى شموخ
ما تركت وراءك حكاية موت رجيف
أو رحيلا عابرا
وزعت عشقك وأنت تنبس بآخر الكلمات
أزاهير مورقة لنمضي على خطاك
ونشدو معا:
(سنمضي إلى ما نريد... وطن حر وشعب سعيد)
-3-
شاكر محمود
هل من نهر يجف وعروقه مجرى عطاء
هل من قلب يتوقف ونياطه أوتار عشق
هل من شموخ يعانق الهوان
هل من شهادة لا تجللها الملاحم
هكذا أراك يا سيدي
كأنك لم تمت منذ وقت بعيد
تورق بدمنا كلما زحفت خفافيشهم
لنشر الخراب...
كنت أنت من تطاردها كي لا يعترينا الهوان
كلما غزاني الحنين لأيامك الباكرة
تطل عليّ بقسماتك المزججة بالماء والياسمين
وكان رذاذ الحكايا هناك
كلما ناوشت جسدك رماحهم الخرساء
تفقأ بغيضك حدقاتهم الماكرة
علمتني يا سيدي
أن الشجر لا يعير أسماءه
للحراشف السائبة
والخالدين لا يعرفون العماء
فهم مبصرون فينا
مبصرون في الرفاق
وهم يهيئون أكفانهم على دروب الشهادة
والدفاتر القديمة لا تشيخ
هكذا علمني الكبار
لا ولن يعتريها الذبول
كلما عنّفتنا الأعاصير
تجدد دمك في أمانينا
لنمضي معا شهداء بانتظار
بزوغ مسرات قادمة...
-4-
محمد الخضري
فائرة كثيرا هذه الأجساد
كانت مثل الفراشات
وهي تبحث عن زادها من التسآل
تعرف طريقها دونما نزق
إلى أين تمضي
وأين تدس رحيقها
وكيف تجدد الأشجار فتنتها
نراك هكذا تحوم حولنا بوجد المحب
تينع فينا كلما داهمنا الجدب
وغارت علينا الرياح الصفراء
فيخضّر فينا الشموخ
ما عاد بيننا وذاك الزمان
من هوة أو مدار
مهما تكالبت أوابد الزمن العتي
تدفعنا أنت لبر الأمان
لنصنع من الخيبات تباشير فرح قادم
ما عاد للصمت معنى
الشهداء هم من أسروا بنا
لنقبض على بوصلاتنا
كي لا تشذ الأقدام
وهي تشق طريقها للشهادة
طالما تبرّعمنا فيك أسماء جديدة
لبذرة انتصارات ما تلفعت يوما بالهوان
انتظرناك طويلا...
كنا ننز أسى...
نمضي لمسراك مفعمين بالجديد الجديد
كأن الزمان لم يبرح عنا بمخالبه وهي تنشب فينا
كلما تمادت معاولهم تلاحقنا
كنت أنت من يبعدها عن هاماتنا
كي لا تشيخ فينا السنين
صواعقهم ما عرفت كيف تنتهي
وما سقطنا وتبا لمن هادن منا
ما خذلتنا الأيام أيها الرفيق الجليل
طالما أنت منا، معنا، وفينا...
-5-
أبو سعيد
(عبد الجبار وهبي)
كان عمي بشكو الطيب
يرسلني كل صباح
لشراء اتحاد الشعب
كنت وقتها في عقدي الأول
يطلب العم مني قراءة عمودك
وهو ينصت بخشوع
لم أكن أفقه ما تقول بغاراتك البيضاء...
كان يطوق وجهه بيديه
وكأنه ينصت لمعلمه النبيل ويضحك
ما تزال أصداء قهقهات عمي بشكو
ترن بأذني كلما سمع تهكما لذيذا
وما تخط من أفانين على البياض
وذات يوم رأيته غائرا في حزنه
يصدر نشيجا وهو متكئ على الأريكة
ما أن رآني ضمني إلى صدره
وبصوت أنهكه البكاء
قال لي قتلوه، نشروه، غاب عنا ألق العراق
بعدها أدركت حجم الغياب
هم ما نشروك يا سيدي العذب
هم جعلوك نشورا لنا
لأيامنا العصيبة
تكحّل عيوننا بمرامدك الشفيفة
نشور يتناسل منه الإباء
هكذا هم الفرسان الرائعون
يتركون لنا الملاحم المسيّجة
بالشمع والآس والنخل والياسمين والإرادة
كلما مرت ذكراك
نسجنا نحن الأوفياء من بقايا جسدك الطاهر
طريقنا للخلاص
لنجمع شتات جسدك الغض
ندسه في موضع النور والفخر والكبرياء...
فتشع فينا الأماني من جديد...
-6-
حسن سريع
رافقتك وأنا اليافع الغض
يوم كنت تلوك الكلمات حرا
فتقذفها حمما بوجه الأراذل
كم تهكموا عليك وأنت الخازن لأسرار
الرسالات النبيلة
قديسا كنت وكان الطغاة مرتهنون بوصاياهم الرثة
شامخا كنت كنسر يفرد جناحيه
كلما استفزته مقاصدهم الرذيلة
كنت أراهم مثل الغربان الكسيحة
كان صوتك يهز الأرجاء فيكدر صفو مقاعدهم
فتكحّل عيوننا بالفرح
كلما حاصروك بحقدهم
كنت ندا لهم
أعابوا عليك أسمك
فكنت سريع التفكه عليهم
وأكتظ المكان بقهقهات الطيبين
لم تعد الشاشة لتلفاز صغير
كانت لنا مؤلا للخلاص
أحبك حتى من أنكر عليك حق امتلاك القرار
فاختزنت في صدورنا هبّاتك الفذة
كلما خذلتنا المحن كنت معنا
وكأنها لم تكن عقود خمسة مضت
فتعلمنا كيف يكون الإباء
هكذا هو الخلود يجدد اخضراره
كلما خبى الألق لحين...
-7-
ستار خضير
لا أحد يزورني الليلة
وأنا المسور بالمتاهات
لا أنصت إلا لوقع خطاك
وأنت تحث المسير نحوي
أرتّق نسياني عبر كل هذا المدى
بلغت أقصى الأسارير
ولا من جديد
عبأت نفسي بكل احتمال
كي تليق بك أحلى ما تكون الحفاوة
لبست أبهى الثياب
لكنك ظهرت لي بلون التراب
غافلنتي اللحظة الباهرة
وسرنا نحث الخطى صوب
الرفاق الطيبين...
وهم يهيئون لطلتك
نواميسهم مثلما تركتها
تستوطن كل القلوب
-8-
محمد حسين أبو العيس
هكذا كانت البدايات
تسمو بنا وقتها
ونحن نفرش للأرض جسدك
لينعم به الياسمين
فيينع فيك الوقت
ويدون الرفاق آخر الكلمات
عن وطن كان يتسع بجروحك الفاغرة
كلما تكالبت سياطهم
قلت لهم هل من مزيد
محقين كان الرفاق
حين بايعوك بوجدهم وأنت تعرّج سمت الخلود
يعتلي قامتك قمر وتسامرك الكواكب.
والشهداء نجوم يحثون الخطى نحوك
رفاق بأحجية لا يفك رموزها
إلا من خبر عشق من تكون أنت
-9-
سعدون كاظم
ضعت في زحمة النحيب
كلما تذكرت حديقة بيتنا الصغيرة
وكوكبة الأصدقاء الطيبين حولك
خرجت قهقهاتك من عتمات لا أعرف
من أين تأتين
تغزوني ذكراك
وأنا القابع هنا في ملاذي البعيد
قبل أن تسر أمي حكاية نحرك
انهمرت دموعها ولم تنبس بشئ
كنت أعلم أنها ستخبرني بشئ مهوول
ما بصدرك يا أمي
احتقنت وجنتاها
وفي نشيج هزني
قالت: مات سعدون
شنقوه يا ولدي
تركته هناك لعذابات أمه
كان لم يبق له وقت طويل ويفي بوعده
ليعاين سقمي كما قال لي طبيبا حبيبا
لكنهم أوصلوه بملحفة ورموه في عتبة دارها
من هول ما حدث
راحت أمه توزع الحلوى والعصير
للمارة احتفاء بعرس سعدون
وكلما زاد في العراء الضجيج
زغردت فرحا بعرس الزين
نعم أيها الرفيق الحبيب
ستظل عريسا للوطن الذبيح
عريسا لي ولرفاقك الوديعين
عريسا تكلل هاماتنا بالشموخ
عريسا لا تخبو طلتك الفاتنة أبدا
أيها الوسيم الجميل.
كلما شع فيك حرف
فاض بذكراك الحنين.