فضاءات

كاظم طوفان .. الشهيد الذي يتنفس الجمال / ئاشتي

يبدو من النادر أن يجد المرء بعض النواقص في شخصية إنسان ما، حين يقتنع به أو ينسجم معه في أكثر من قاسم مشترك. ولكن أن يكون هناك اجماع على رهافة احساسه وطيبته وتواضعه ومبدئيته وثقافته واخلاصه لقضيته وتضحيته، فذلك أمر يستحق التوقف عنده. وقد لا يختلف أثنان في أن للكثير من الشهداء صفات مشتركة، لهذا فهم نالوا هذا الشرف الرفيع الذي جعلهم يرتقون إلى السماء دون منة من أحد.
من هؤلاء الشهداء الذين حققوا الاجماع تقريبا على صفاتهم، عامل بناء بهي الطلعة والابتسامة لا تفارق شفتيه، وكأنها صنو لكلمات الترحيب التي ينطق بها لكل من يصادفه. عرفه أبناء مدينته العمارة فأحبوه، مثلما احبه رفاقه هناك، واغلب الذين تركوا العمل الحزبي بعد انشقاق عام 1967 عادوا إلى التنظيم حبا بهذا الشهيد.
أحدهم يدلي بشهادته يوم دعاه الشهيد للعودة من جديد إلى الحزب قائلا له (نحن شيوعيون لا لأننا ننتمي إلى الحزب الشيوعي، نحن شيوعيون لأننا متهمون بذلك، سواء انتمينا أم لم ننتم، ماذا نفعل بمشاعرنا الشيوعية؟ ماذا نفعل بشهادات اضطهادنا؟ وماذا نفعل بتهمنا الجاهزة، المتوارثة إذاً؟).
عامل البناء هذا الذي لم يُكمل تعليمه الابتدائي، اسمه الصريح كاظم طوفان، من مواليد مدينة العمارة عام 1945، ارتبط بالحزب الشيوعي العراقي منذ أیام شبابه. وبما أن أغلب أصدقائه من طلبة الكليات فقد أخذ يتأثر بهم في حبه لتثقيف نفسه. كان يطالع الكتب بشكل يومي، لهذا صارت القراءة بالنسبة إليه تأتي بعد وجبات الطعام في أهميتها. ترافقت ثقافته مع شجاعة نادرة في التحدي، لهذا اكتسب احترام الجميع. ودع زوجته وطفلته في عام 1977 للدراسة الحزبية في موسكو. لم تبلغ طفلته حينذاك عامها الأول، في نهاية عام 1979 عاد إلى بيروت، ونظرا لقدراته النظرية تمت الاستفادة منه في تربية الكادر الحزبي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكان الجميع يعرفه باسمه الحركي (أبو علي).
في نهاية عام 1981 التحق بفصائل الأنصار الشيوعيين في قاعدة بهدينان بكردستان العراق. كان محط حب واحترام رفاقه لجرأته في طرح أفكاره ونقده الواضح للأخطاء. كان مبادرا في كل عمل يقترحه رفاقه، أنتقل في عام 1982 إلى سرية روست وكان مستشارا سياسيا بعد أن قضى فترة قليلة في بشتاشان. وكان الجميع يعرفه باسم ليلى حبا بأبنته ليليان، يحفظ من الشعر دواوين ويغني بصوت عذب، يعشق كل شيء جميل، الطبيعة والأشجار وصوت فيروز، في الحقيقة كان متيما بكل الجمال.
حين بدأ الهجوم الغادر على بشتا شان، لم يتردد أبو ليلى ومعه الشهيد خضر گاگيل ورفاق آخرون في التوجه إلى نجدة الرفاق، لكنهم سقطوا في كمين غادر فاستقرت رصاصات الغدر في صدر أبي ليلى ورفاقه، وأنطفأ حلمه برؤية ليليان عروسا مثلما كان يحلم.