فضاءات

في العاصمة الاردنية عمان جلسة استذكار للراحل غانم حمدون

في مساء الأول من آذار الجاري اجتمع شمل عدد من العراقيين والأردنيين، منهم الأساتذة نصير الجادرجي وهاشم الشبلي وعبدالله الماشطة ود. منير حمارنة، في دار د. حمدي التكمجي، تلبية لدعوته، استذكاراً لرمز باسق من رموز النضال والثقافة والسمو الخلقي، رحل قبل ذلك ببضعة أيام.
افتتح الجلسة د. التكمجي فسرد وقائع تعرفه بالراحل د. غانم حمدون في أوائل خمسينات القرن الماضي في مقر (جمعية المهندسين) ثم (جمعية الخريجين) ثم مجلة (المثقف)، وغيرها. فكانت السمة التي اجتذبته إليه الهدوء والاتزان والتواضع والالتزام بالتوجهات والتعليمات الحزبية و سموه الثقافي.
ولعل خلقه العالي هو الذي جعل أمجد حسين، المتحدث الثاني، يستجيب لدعوته (وهما مدرسان في ثانوية الأعظمية للبنين في 1956-1957) للقاء مجموعة من أصدقاء الفقيد أبدت رغبتها في التعرف على كاتب عمود (ينابيع الأحرف الزرقاء) الاسبوعي في جريدة (البلاد). فإذا بالمجموعة تضم نخبة من خيرة مثقفي العراق يومذاك تلتقي مرة في الشهر لسماع الموسيقى الكلاسيكية (من جهاز الحاكي) ومناقشة شؤون ثقافية. وكان منهم علي الشوك ود. نوري السعدي وخالد السلام وجميل لويس وطبعاً، غانم حمدون.
وبعد عودته من الدراسة العليا في أمريكا، ضمته المجموعة الى هيئة تحرير (المثقف)، التي كانت أفضل مجلة ثقافية عراقية بعد 14 تموز 1958. كما شارك أمجد حسين غانماً وخيرة الأساتذة والمعلمين في (القائمة المهنية) التي نجحت في انتخابات نقابة المعلمين لدورتين متتاليتين. وفي أوائل الستينات شرع ثلاثي علي الشوك وأمجد حسين وغانم حمدون في ترجمة الرواية الشهيرة (الدون الهادئ) للروائي السوفييتي ميخائيل شولوخوف الذي حاز بها على جائزة نوبل للأدب في 1965.
وما إن أكملوا ترجمة الجزء الثالث حتى وقع انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، فكان نصيب أمجد حسين وعلي الشوك الاعتقال ثم الفصل من الوظيفة. في حين تمكن غانم من الهرب بمشقة بالغة الى خارج العراق عن طريق الموصل مدينته الأصلية. ونظراً لتشتت ثلاثي (الدون الهادئ) فقد كلف كل من غانم وعلي زميلهم أمجد بترجمة الجزء الرابع لوحده. وبالفعل تم ذلك وظهرت الطبعة الأولى في بيروت ثم توالت الطبعات ومنها طبعة (دار المدى للثقافة و النشر) في 1998.
واستمر أمجد حسين في سرده الحافل بمعاني الصداقة والوفاء والالتزام التي وسمت الفقيد طيلة حياته حتى غيبه الردى.. لكنه غيب جسده ولم يغيب ذكراه الحافلة بكل سمات "الملائكة".. ولهذا أطلق المتحدث عليه أسم (الملاك).
ثم جاء دور الأستاذ نجيب محي الدين نقيب أول نقابة للمعلمين في تاريخ العراق، علاوة على كونه من أبرز الشخصيات الديمقراطية في العراق،فسرد نضال المدرسين والمعلمين ومنهم الراحل غانم و الشهيدان د. صفاء الحافظ ومتي الشيخ لتشكيل نقابة بدلاً من جمعية للمعلمين، ونجاحهم في ذلك. وركز الاستاذ نجيب محي الدينعلى سلوك الراحل غانم المثالي في النقابة وخارجها،بل حتى في علاقاته الاجتماعية الزاخرة بالنبل والتواضع والعفة.
ثم كانت مساهمة السيدة خولة السعدي (أرملة الراحل فتاح حمدون) حافلة بما يدمي القلب ويسره في آن واحد وهي تروي وقائع من سلوكه المثالي معها وكرمه في تخصيص جزء كبير مما ورثه لها بعد أن غدت أرملة، علاوة على حرصه على مكالمتها من لندن يومياً للاطمئنان على أوضاعها بعد الترمل رغم ما كان يعانيه هو من شتى المشاكل الصحية.
ثم تلا خالص محي الدين ما كتبه الرفيق باسم مشتاق من القاهرة في رثاء الفقيد من كلمات نابعة من القلب و العقل معاً.
وقرأ أمجد حسين فقرات من الكلمة الرائعة التي دبجها يراع الأستاذ فخري كريم و نشرها في جريدة (المدى) في 25شباط 2017، وهي مقالة تتميز بسمتين : كونها نتاج عشرة جمعتهما في ديار الغربة (علاوة على معرفته السابقة به في العراق)، وثانيهما النظرة (المجهرية) التي قيم بها فخري كريم سمات غانم حمدون،ومنها قيام غانم بتسليمه "رسالة" هي عبارة عن "وصية لتسليم حزبه رصيده الذي ادخره طوال سنوات العمر". وهذا ما جرى.
ثم تحدثت د.سلوى زكو فتناولت عملهما معاً في جريدة (طريق الشعب) وبالأخص عن هدوئه واتزانه وسعة صدره.
واخيراً جاء دور د. منير حمارنة (السكرتير السابق الحزب الشيوعي الأردني) فسرد قصة لقائه بالفقيد غانم في أثينا في مؤتمر الأحزاب الشيوعية، و أعرب عن اعجابه بشخصيته المتميزة بالمنطق والذكاء والهدوء.. وهي مزايا يفتقد إليها الكثيرون من سياسيي ومثقفي هذا الزمان.