فضاءات

لقاء مع عائلة شيوعية في ذكرى التأسيس المجيد / فيصل الفؤادي

عاش إبن محافظة ميسان الرفيق وحيد سالم شخير الزهيري- ابو ولسن في أجواء دينية حيث ان والده أحد شيوخ الطائفة المندائية (الشيخ سالم)، وهو معروف في المحافظة.
ولد في ناحية الميمونة وعاش بالقرب من الأهوار والأنهر، حيث وفرة المياه، عاش بين الصرائف والأكواخ وسمع أغاني سيد محمد وكريري وغيرهم، وإمتزجت علاقته مع أبناء مدينته بطيبتهم، وقرأ تاريخ بلاد سومر وأكد وبابل، وتزود بالمعرفة العامة والخاصة، وقرأ الماركسية واللينينية، وإنتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي، حيث ربط حياته ومستقبله به.
ابو ولسن
كان سؤالنا الأول: متى تأثرت بأفكار الاشتراكية ومتى انتميت إلى الحزب؟
أبو ولسن: وعيت في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، حيث شاركت في تظاهرات عام 1956 مع الشيوعيين ضد الهجوم الثلاثي على مصر، فقد خرجت المدارس في محافظة العمارة وكنت في الثاني المتوسط، وكان معي أحد الرفاق وهو مازال حيا يرزق (مهدي عمران). أصبحت أحد أصدقاء الحزب في عام 1958، ولكن بعد سنة تركت العمل لظروف خاصة.
في عام 1963 كنت معلما في مدرسة الإصلاح التابعة لناحية السلام، ثم التقيت بالرفيق (حافظ حسين) وطلب مني الرجوع إلى العمل في الحزب، كوني غير مكشوف، وقد قمت بواجبي بشكل جيد، وفي عام 1964 نقلت إلى خانقين، وقد أوقفتُ على أثر إنهيار بعض الرفاق، وسُحبت يدي من الوظيفة لمدة ستة أشهر، وأعتقلت مرة اخرى ثلاثة أشهر، ونقلت إلى بلدروز وبقيت سنتين هناك ثم نقلت إلى بغداد.
هل فصلت من العمل؟
أبو ولسن: لا لم أفصل ولكن نقلتُ إلى مدرسة (شاطئ التاجي) في بغداد نهاية 1968، وكنت مقطوعا عن العمل الحزبي إلى أن نقلت إلى مدينة الحرية الثانية حيث كانت لي لقاءات مع الرفاق ومنهم (فاخر جاسم).
وكيف كانت الامور بعد ضربة 1978-1979؟
سافرت إلى الجزائر 1979 وأنا مازلت بعلاقة صداقة مع الحزب ولم أكن في التنظيم الحزبي، ولكن كل الأمور الحزبية والسياسية كانت تجري في بيتنا، ولم يفاتحني أحد من الرفاق لإعادتي إلى الحزب والتنظيم، حتى 1988، حيث سيطرت الأحزاب الإسلامية وإنتشار الأفكار المتشددة في الجزائر، اضافة إلى المضايقات حينها كنت مدرسا في إعداد المعلمين. وسافرت إلى سوريا حيث عملت في مقر الحزب الشيوعي العراقي في دمشق، وفي بداية التسعينات سافرت إلى السويد.
ماذا تقول عن الوضع الحالي؟
إنني أتإلم على جهل شعبي وهذا التخلف والتراجع في كل شيء ومنها التعليم والثقافة وغير ذلك.
لو رجعت إلى سنوات الشباب هل تحمل نفس الفكر؟
أن الماركسية هي رمز الإنسانية وهي تعادي الروح الأنانية، انني اعيد نفس الطريق الذي هو بناء العدالة الإجتماعية والإشتراكية، هذا الفكر الذي يساعد ويدعم الفقراء والكادحين والعمال والفلاحين، كما يجب الإعتماد على الثقافة الشعبية، وتوعية شعبنا بالتدخلات الأمريكية والرأسمالية ودورها التخريبي في بلادنا. وعلينا أن نقول صراحة أننا نريد دولة علمانية،أي فصل الدين عن الدولة.
وحول التظاهرات ناشد ابو ولسن قيادة الحزب وكوادره رفع الروح الثورية لرفاقهم والعمل بنشاط ضد الأفكار الرجعية.
ام ولسن
اما الرفيقة نرجس لطيف حافظ السيفي (ام ولسن) فقالت لنا:
ولدتُ في محافظة البصرة/ الجمهورية، وهناك دخلت المدرسة الإبتدائية .
تأثرت بأفكار إبن عمي سامي، وخالي (فاضل كزار) صاحب صيدلية اليوم الواقعة في شارع الرشيد. أعتقل خالي بعد انقلإب شباط الأسود، وكنا نشعر بتأثر والدتي على أخيها حتى خروجه من السجن.
وكان بيتنا يعيش مع الحزب وقريبا من الأصدقاء والأقرباء من خلال الاحاديث التي تدور حول الحزب الشيوعي وافكاره.
سألناها وماذا بعد .. ؟
اجابت: عندما تزوجت في عام 1970، شكلنا حلقة أصدقاء في بغداد - مدينة الحرية الثانية، ومن ضمنها خالتي نورية. وقد قدمنا رسائل ترشيح إلى الحزب في تلك الفترة إلى الرفيقة السكرتيرة (سميرة العزاوي)، وبعدها غادرت العراق عام 1979.
كنت معلمة في إحدى مدارس البنات في الحرية، وقت كتبت التقارير الكثيرة عني من قبل المديرة، كان الوضع في تلك الفترة لا يطاق حيث المضايقات كبيرة من قبل الأجهزة الأمنية والنظام.
عند انتقالك إلى الجزائر ماذا كان شعورك؟
لقد فقدت أهلي ووطني والأحبة من الاصدقاء والاقرباء. انها فترة عصيبة، كوني أول مرة أغادر الوطن. كنتُ مع احدى الصديقات أسمع الأغاني العراقية ومنها لفؤاد سالم وسعدون جابر. عشنا في مدينة الأصنام والتي سميت بعد الزلزال بمدينة شلف على اسم نهر هناك. وقد تبرعنا لدعم نضال الحزب ضد النظام الدكتاتوري.
عشت سنوات في الجزائر وكنا نخيط الملابس من أجل العيش، وعندما انتقلت إلى سوريا كانت الحياة تختلف حيث قربها إلى العراق والأصدقاء الكثر مما خفف عنا الكثير.
وهل كان لكم تأثير على أبنائكم؟
أولادنا اندفعوا إلى الحزب ذاتيا، وكان الكثير من الرفاق يأتون الينا وقد تعرفوا من خلالهم على أخلاق الشيوعيين وتصرفاتهم وفيما بعد انضموا الى الحزب.
وما المطلوب من الحزب الآن؟
تجيب أم ولسن: يحتاج بذل الجهد لكسب الشباب، وعلينا كحزب أن نكون إنسانيين بأخلاقنا وتصرفاتنا. علينا نشر الثقافة والتثقيف الذاتي للشيوعيين والتوعية لأبناء شعبنا ونحتاج إلى التاثير على عوائلنا وكسبها، وان لا نعمل بشكل علني لان الحكومة تعادي وتستهدف الناشطين، علينا ان نحارب الفساد والمفسدين.
وسن
وكان لنا لقاء
مع أبنتهم وسن
الرفيقة وسن، الشابة التي خرجت من العراق بعمر السبعة أعوام، ولم تزر بلادها الى هذا اليوم، وتزوجت رفيقها أسعد الخميسي.
تقول الرفيقة: خرجت وأنا طفلة، ولكننا عشنا مع الكبار، فقد كان بيتنا تجمعا للرفاق وتربينا معهم، وسمعنا احاديثهم وذكرياتهم وأمورا حزبية مختلفة، ولم نر طريقا غير الحزب والانضمام اليه.
ماذا تقولين الآن وماهي مهامنا كحزبيين؟
تجيب الرفيقة وسن- مساندة الشباب لتهيئتهم لاستلام قيادة العمل الحزبي، وتهيئة الدورات الحزبية لتثقيفهم بافكارنا والأمر الآخر ضرورة الابتعاد عن المجاملة وضرورة الحديث باننا علمانيون، إبعاد الاشخاص الانتهازيين لان البعض يضرنا اكثر ماينفعنا.
ولسن
وأجرينا لقاء آخر مع الأبن الكبير ولسن (46 عاما) الذي غادر العراق وهو في عمر ثماني سنوات وأجرينا الحديث التالي:
كيف حصلت على عضوية الحزب؟
انت تعرف انني نشأت في بيئة شيوعية الأهل والأصدقاء وغير ذلك وعندما انتقلنا من الجزائر إلى سوريا حيث كان نشاط الحزب كبيرا بين العراقيين المتواجدين هناك. نشطت بين الشبيبة والطلبة حيث كانت منظمة لها.. كلفت بعدة مهام في البريد وأمور حزبية إلى الداخل خاصة الى مناطق بهدنان، اي دهوك والمناطق الحدودية من العراق القريبة من سوريا. انتقلنا الى السويد وانظممت الى منظمة الحزب حيث حصلت على عضوية الحزب عام 1995 واصبحت بعد فترة في قيادة منظمة العاصمة ستوكهولم.
شكلت مع مجموعة من الشباب تجمع الشبية والطلبة وقد نشطت بشكل كبير في العاصمة وكان هذا عام 2000. وفيما بعد تزوجت وأصبحت زوجتي مها رفيقة في الحزب.
ماذا تريد من الحزب؟
إن التجربة العملية تعلمنا بضرورة قراءة الماركسية على ضوء ظروف العراق منسجمة مع الشارع العراقي وليس قراءتها على روسيا اوغيرها. وهذا يرتبط بثقافة المواطن وتاريخه وعاداته. والنقطة الاخرى علينا ان نعمل بشكل سري، حيث لدينا تجربة قاسية عندما تم كشف التنظيم والرفاق في زمن النظام السابق.
ان اساس الماركسية النقد ويحتاج منا تطويره وتطوير الصراع الفكري، وهذا الفكر يحتاج ترجمته الى الواقع. الاشكالية ليس لدينا مفكرون كثيرون من اجل تطوير الفكر، مع ان مساعي حسين مروة وقلة من المفكرين جيدة في هذا المضمار.
علنية الحزب محفوفة بالمخاطر لان الحزب يحسب له حساب من القوى في الداخل او الخارج.
علينا قراءة الواقع بعيون جديدة.
سألنا العائلة: ماهي تمنياتكم لذكرى تأسيس الحزب 83..؟
التهنئة الحاره لجميع الرفاق والاصدقاء، ونتمنى ان يأخذ الحزب دوره الطبيعي في بلادنا وأن يعم الأمان والسلام في العراق وشعبه.