فضاءات

د. فالح مهدي يحلّق في فضاءات المعرفة الإنسانية

فراس عبد المجيد
ضيّفت اللجنة الثقافية لمقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الأربعاء الماضي، د. فالح مهدي الذي ألقى محاضرة بعنوان "دور المكان في تحديد ورسم سلوكيات الأفراد والجماعات".
شهدت المحاضرة التي احتضنتها قاعة الصراف في مقر الحزب بساحة الأندلس، حضورا لافتا من مثقفين وإعلاميين وناشطين سياسيين ومعنيين بالشأن الفكري، يتقدمهم الرفيق سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق رائد فهمي، وعدد من القياديين في الحزب، إلى جانب رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ناجح المعموري، ورئيس النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين عبد المنعم الأعسم.
أدار المحاضرة د. جواد الزيدي، الذي قدم نبذة عن سيرتي الضيف العلمية والفكرية، وسلط الضوء على أبرز المحطات المعرفية التي تنطلق منها المحاضرة.
وكانت المحاضرة عبارة عن سياحة فكرية وحضارية وفلسفية في فضاءات المعرفة الإنسانية، انطلاقا من المتلازمة التي تجمع الزمان بالمكان، باعتبارهما "الإطار الذي ينبع منه كل الواقع" – بحسب تعبير د. مهدي، الذي تتبع مراحل النشاط الإنساني في اختيار نمط العيش، بدءا بالصيد وجمع القوت، ووصولا إلى عصر الزراعة وما يمثله هذا الانتقال من متغيرات في الفكر تجد انعكاسها في شكل البناء ونمط العيش.
وتطرق المحاضر إلى الحضارات القديمة التي نشأت على أنقاض العصور البدائية، وما صاحب ذلك من حيث المواد المستخدمة في البناء، والأشكال التي يجسدها، "فقد بدأت البيوت والمعابد تأخذ الشكل الدائري الذي يتكامل على شكل قبة نظرا لليونة المادة الأولية المستخدمة في البناء، وهي الطين"، مشيرا إلى الترابط في عملية التحول في البناء والتفكير على حد سواء، من الشكل الدائري إلى الشكل الرباعي، الذي هو من سمات البيت السومري، والذي احتفظ البيت البغدادي التقليدي بأهم مواصفاته (الممر الضيّق، الحوش، والغرف التي تطل عليه)، ومتابعا ان اضافة الشناشيل تأتي لتكتمل صورة البيت البغدادي العريق، وتلتقي بجذرها الحضاري القديم.
وأكد المحاضر ان "أول خريطة في العالم هي الخريطة البابلية، وهي بمثابة دائرة تمثل بابل مركزها (أي مركز الكون)، وفي أعلى هذا المركز تتمثل سلطة الإله مردوخ، ومن هنا تتحدد الرموز المكانية للسلطتين الدينية والسياسية، ومن الجهات الأربع التي تحددها الخريطة يمكننا تحديد مفاهيم اليسار واليمين بالمفهوم الديني، واتجاهات الشرق والغرب، والخير والشر، والأعلى والأسفل، وما تفرزه من قيم مختلفة".
وفي معرض الجولة التاريخية التي قاد فيها مستمعيه إلى رحاب الحضارات والأساطير، توقف المحاضر عند الطوفان، والحاجة الماسة إلى بناء الفلك أو السفينة، مبينا ان السومريين قسموا التاريخ إلى مرحلتين: ما قبل الطوفان وما بعده، ومذكرا بالشكل الدائري المسمى "القفة" المعروفة في العراق، والتي تطلى بالقير لمقاومة الأمواج من خلال قدرتها على الحركة الدائرية المتوازنة.
وكان لا بد أن يتواصل العرض التاريخي والفكري للمحاضرة في اتجاه المفاهيم الاجتماعية وتغيرها من مرحلة إلى أخرى، وهو ما أكده المحاضر من خلال حديثه عن كارل ماركس، وما لاحظه من حتمية انهيار قيم العالم القديم وحلول قيم جديدة محلها، "وهو ما ينعكس على أدق التفاصيل الاجتماعية، ومنها علاقة الرجل بالمرأة، وكيف تنظر المجتمعات المختلفة إلى المرأة".
وفي سياق المحاضرة شارك عدد من الحاضرين بتقديم مداخلات انصبت في معظمها على الموقف من المرأة، والعلاقة الجدلية بين الزمان والمكان والكينونة.
وفي الختام قدم الرفيق رائد فهمي باقة ورد إلى د. فالح مهدي.
يشار إلى ان د. فالح مهدي باحث وبروفيسور مهتم بشؤون الفكر والفلسفة والحضارات. أكمل دراسته في القانون في الجامعة المستنصرية عام 1970، وعمل عام 1973 في المحاماة، وحصل على شهادة الماجستير عام 1976، ونال دكتوراه الدولة في جامعة باريس عام 1987، ودرّس فيها عام 1990.