فضاءات

في الذكرى الـ 39 لإعدام نجم المنتخب العراقي والشرطة بشار رشيد / منعم جابر

ان يحاول البعض من حملة الاقلام النظيفة استذكار الرموز والابطال والنجوم في جميع مجالات الحياة فهذا فخر ما بعده فخر وعمل اخلاقي يرفع من قيمة الكاتب ويزيد من نجوميته في عالم الصحافة والاعلام.
ويسرني اليوم كما عودتكم في الاعوام السابقة ان اكتب شيئاً عن رفيقي واخي وصديقي اللاعب الدولي المبدع والقامة الرياضية الشامخة الشهيد بشار رشيد في مناسبة الذكرى الـ 39 لإقدام النظام الدكتاتوري الصدامي المقبور على اعدامه هو وثلة من رفاقه بتهمة باطلة الا وهي القيام بتنظيم عسكري ومحاولة اسقاط نظام الحكم البعثي القائم يومذاك.
وهنا استذكر ما كتبه الزميل ورفيق المسيرة المبدع فالح حسون الدراجي في مقدمة كتاب " بشار الطائر المذبوح " حيث قال: " اذا كانت الكتابة عن الشهيد – اي شهيد – واستذكار موقفه البطولي وتضحيته العظيمة من اجل الوطن والقيم والمبادئ واجبا وطنيا وانسانيا واخلاقيا تقع مسؤوليته على عاتق كل كاتب غيور. واني اعتقد ان الكتابة عن شهيد بارز وكبير مثل الخالد بشار رشيد هي شرف كبير للكاتب قبل ان يكون واجبا وطنيا واخلاقياً".
لقد وجدت في هذه المداخلة الرائعة ان بشار اكبر من كل الكلمات والعبارات لأنه قدم نفسه منذورا لشعبه ووطنه، وان ما تريد ان تقوله بحقه هو غيض من فيض لان بشار هذا الرياضي الجنتلمان الذي كان نموذجا للاعب المتألق الذي تسلق المجد الكروي وبدأ لاعبا كبيرا مع فريق العاصفة الاهلي ثم المنتخب العراقي المدرسي والسكك الحديد ثم القوة السيارة وآليات الشرطة واخيرا المنتخبات العسكرية والاولمبية والوطنية، كأحد اعمدة هجومها البارزين. وعلى الرغم من ان عمر الشهيد بشار الكروي كان قصيرا، الا انه كان ربيعا زاهيا حمل الزهور بألوانها وعطرها ووزعها بين الناس من خلال حبه للفقراء والكادحين وخدماته التي يتذكرها الكثيرون.
من أين بدأ الشهيد بشار مسيرته؟
من عائلة كادحة، ومحافظة عرفت بتاريخها الوطني هي الديوانية، ولد شهيدنا الخالد بشار رشيد في منتصف القرن الماضي وانتقل هو وعائلته الى العاصمة بغداد ليسكن في منطقة (ابو سيفين) وهي منطقة فقراء وكادحين، وكان صديقه الاول الزميل الاعلامي فيصل صالح، وكان ملعب الامانة في منطقة الشيخ عمر هو مرتع طفولته الاول، وكان من زملاء طفولته ومعشوقته الاولى كرة القدم صباح حاتم وستار خلف وطارق عزيز وكاتب هذه السطور، واسماء اخرى، اما فريقه الشعبي الاول فهو نسور العاصفة بقيادة المربي الراحل غازي عباس عام 1961. وتقدم العمر بالشهيد بشار وتطور مستواه الفني وتوطدت علاقاته مع رسن بنيان وكاظم عبود وقيس شاكر ومحمد علي قنبر وجاسم محمد وقيس مصطفى وفخري ابو الليل.
وكانت الفرق الرياضية يومها ذات توجهات يسارية وتقدمية وقريبة من الشيوعيين ومنها العاصفة الاهلي والطليعة وشباب الاحرار وعمال بغداد وانتصار والجزائر والمربعة. وكان اسم بشار يشغل مساحة كبيرة في الفرق الشعبية في منطقة شارع الكفاح والنهضة وملاعب العوينة والشيخلية، ومن المدرسة ارتقى الشهيد الى المنتخب المدرسي للمشاركة في الدورة المدرسية العربية في سوريا بصحبة فيصل صالح ومجبل فرطوس وانور جسام وعبد القادر زينل وفخري ناجي وآخرين، لتكون نقطة انطلاقته نحو الدوري الممتاز ليمثل فرق السكك والشرطة ومنها تمثيل المنتخبات العراقية المختلفة وليؤكد حضوره في الميدان العراقي والدولي .. ولكن؟
الشهيد بشار والاقتراب من الشيوعيين
عاش الشهيد بشار في مناطق شعبية وعمالية وفقراء سواء في ابو سيفين او في مدينة الثورة (الصدر حاليا) واختلاطه بالجماهير واحساسه بالفقراء، كل ذلك هيأ الارضية الفكرية للشاب بشار في اختياراته المستقبلية. وضمن هذه الاجواء والافكار وتحركات الشيوعيين وتواجدهم في هذه الاوساط اقتبس شهيدنا الغالي افكاره وقناعاته. وفي تلك الفترة كان القائد الشيوعي كمال شاكر لاعب منتخب خانقين السابق قريبا من الرياضيين واستطاع ان يشخص بعض نجومها ومبدعيها ليقيم علاقات قوية معهم، وتم يومها تشكيل اول هيئة رياضية شيوعية ضمت الشهيد بشار والمناضل كاظم عبود وكاتب هذه السطور، وكنا جميعاً نلعب ضمن فرق الدوري الممتاز العراقي والمنتخبات العراقية آنذاك.
لقد كان الشهيد بشار دمث الاخلاق ومحبوبا له صداقات واسعة يرتبط بعلاقات انسانية مع الجميع كل ذلك جعل الشيوعيين يهتمون به وبرفاقه الآخرين. وفعلا كان بشار رفيقا امينا على قيمه ومبادئه وظل هكذا حتى الرمق الاخير من حياته.
رجال الامن يقتحمون ملعب الشعب ويعتقلون بشار
في يوم افتتاح دوري كرة القدم للموسم 1975- 1976 وكانت مباراة الافتتاح بين الشرطة والجامعة (نادي الطلبة حاليا) ومع نهاية المباراة اقتحم ازلام الامن منازع اللاعبين لفريق الشرطة وألقوا القبض على بشار مدعين انه مطلوب لمدة دقائق – للاستفسار – في الدائرة (وهذا الاسلوب كان شائعا آنذاك)، خلع بشار ملابسه الرياضية وذهب معهم، حاول الكابتن عبد كاظم معرفة سر هذا الفعل الامني، ولماذا تم القبض عليه؟ لكن لم تكن هناك اجابة وظل الامر مجهولا لأشهر. وفي الايام التالية حاولت الاجهزة الامنية توسيع دائرة الاتهام حيث تم القبض على القيادي في الحزب الشيوعي كمال شاكر لعلاقته مع الرياضيين والشهيد بشار حصراً، وسعت إلى للبحث عن علاقات بشار مع عبد كاظم ومظفر نوري وطارق عزيز، لكن بشار اكد في التحقيق على ان هؤلاء النجوم هم اصدقائي وليس لهم اي علاقات سياسية ولا وجود لأي نشاط سياسي في نادي الشرطة، لكنهم اصروا على ذلك لانهم كانوا يخططون لإنهاء العلاقات (الجبهوية) والبدء بحملة شرسة على القوى الوطنية والديمقراطية بعد ان حققوا اهدافهم من اتفاقهم مع الشيوعيين. وقد استاءت الجماهير من هذا التصرف الاهوج واقتحام غرف منازع اللاعبين، واعتقال نجوم وابطال كرة القدم دون احترام لهذا المكان المقدس! وبعد اعتقال بشار شن ازلام النظام ومنظماته الحزبية حملات شرسة من الاعتقال والملاحقة والتضييق وتم اعتقال العشرات من الرياضيين بتهم ملفقة اساسها ان الرياضيين يتعاطفون مع الشيوعيين او ينتمون اليهم وصدرت بحق الكثير منهم احكام جائرة منها الاعدام او السجن المؤبد، ولمدد مختلفة، كما ان البعض من الرياضيين هاجروا الى خارج الوطن حفاظا على حياتهم، وكان هدف النظام الصدامي واضحا الا وهو تهديم العلاقات مع القوى الوطنية والانفراد بالسلطة وفرض القبضة الحديدية على الشارع العراقي.
بشار واجه الموت بشجاعة
في مثل هذه الايام من عام 1978 اقترف النظام البعثي جريمته الكبرى بإعدام 22 مناضلا بتهمة اقامة تنظيم عسكري تابع للشيوعيين للقيام بانقلاب عسكري، وكان على رأس القائمة لاعب المنتخب الوطني بشار رشيد وشاكر رحيم وعبد الرحمن الكروي وصميدح خديم كحط وعبد الكريم وابو واقد وصباح شياع وكيلو صبيح وآخرين. وقد ذكر لي احد الاخوة من جنود الانضباط بانه شاهد الشهيد بشار رشيد وهو لا يعرفه ولكنه وجده شجاعا سار إلى الموت بشموخ وهتف بحياة الوطن والشعب والحزب وبسقوط الدكتاتورية والفاشية..
المجد والخلود لشهداء الوطن والحزب والخزي والعار للفاشية واذنابها والى مزبلة التاريخ.