فضاءات

اقمار عراقية خلدها التاريخ وانحنى لها المجد اعتزازا واحتراما / منعم العبيدي

في مثل هذه الايام من عام 1978 وتحديداً يومي 17- 18/ أيار 1978 اقدم النظام الدكتاتوري الفاشي على اعدام 22 مناضلا شيوعيا منهم نخبة من اصدقاء الحزب بتهمة اقامتهم عدة تنظيمات عسكرية لغرض اسقاط نظام الحكم السابق، وهي تهمة باطلة اطلقها النظام الفاشي على المدنيين بتهمة مسؤوليتهم عن هذا النشاط.
وبصراحة فان هؤلاء الابطال لم يكن بينهم وخاصة العسكريين اية علاقة مستمرة بالحزب واكثرهم من الاصدقاء والمتعاطفين مع الحزب، ولكن النظام الفاشي كان له اهداف اخرى.
وقد تسنى لي ان اعيش مع هذه النخب الرائعة، والشجاعة، الحاملة للقيم الوطنية العليا والاخلاص لقضية الشعب، حيث مثل الشهيد الرياضي ونجم المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم بشار رشيد نموذجا للشيوعي الوطني المخلص للشعب، الذي نال حب واعجاب حتى سجانيه. وصباح شياع الذي وقف امام "مجزرة الثورة" وصرح بشجاعة نادرة مسؤوليته عن المجموعة ليخلص نخبة من رفاقه من حبل المشنقة وحاول ان ينقذ رفيقه النائب الضابط كيلو صبيح طلال الذي امتلك الثقة بحزبه وشعبه ونفسه ولم ينكر امام المحكمة حبه وتقديره للشيوعيين وحزبهم المناضل وكان لـه بنتان الاولى اسمها ميثاق والثانية اسمها جبهة، حيث قال له الجزار مسلم الجبوري رئيس المحكمة: "يا كيلو هم ميثاق وهم جبهة وتكول آني مو شيوعي"؟ هنا هتف كيلو قائلاً: " افتخر ان اكون شيوعياً ". بشكل اذهل المحكمة واثار استغرابها.
الديوانية تقدم ابطالا ميامين
وقدمت محافظة الديوانية اربعة رجال، هم نعم الرجال وفخرهم المناضل كريم الجابي والمعلم التربوي ابو واقد والشرطيان صميدح خديم والشاب الوسيم حامد خضير. وكانوا نعم المناضلين الصادقين. فكريم الجابي الشيوعي المبدئي والمخلص لشعبه ووطنه ظل صامداً وصادقاً على قيمه حتى الشهادة وكان المعلم والمربي ابو واقد الذي ساهم في تعليم احد الموقوفين لعبة الشطرنج لغرض إشغالهم بما ينمي القابليات الذهنية. وقدم صميدح وحامد صورة جميلة عن التزامهم وتعاونهم مع رفاقهم الموقوفين لتجاوز المحنة وشكل موقفهم امام المحكمة صورة رائعة عن مبدأيتهم، وكانت ثقتهم بالحزب عالية واملهم بالتضامن الدولي والاممي كبيرا لانقاذهم من بطش النظام، الا ان الدكتاتور كان يحمل افكارا وتوجهات مرتبطة بالمخططات الدولية والحروب العدوانية.
«يصفالي الجو وآخذ ثاري»
وجادت مدينة الثورة – الصدر – بشباب بعمر الورد اولهم المفوض شاكر رحيم الرياضي الذي تطوع في سلك الشرطة لمعاونة اسرته بعد ان استشهد والده وصارت العائلة بحاجة الى عمله. وكان رفيقه في القضية رحمن الكردي ابن المدينة في حي اكرادها، حيث احتفلنا بعيد تأسيس الحزب يوم 31/ 3/ 1976 وكان العيد الثاني والاربعين في معتقل الامن العام يومها سحبني رحمن الكردي وقال لي: رفيقي منعم اود ان اقول لك سراً ارجو ان توصله الى الحزب والناس. تعجبت وقلت: ما هو ؟ قال: انا وشاكر في قضية واحدة ولكن للحقيقة والتاريخ، آني مو مسوؤل شاكر الحزبي، قلت: شلون؟ قال : مسؤوله عامل طباعة يعمل في مطبعة طريق الشعب. سألته: وبعد؟ قال: آني صديق شاكر وعشنه سوه وشاكر عند الضغط عليه وبسبب التعذيب ذكر اسمي. واضاف حين دخلت عليه في التحقيق وجدته قد تعرض إلى تعذيب رهيب وخشيت عليه من الموت تحت يد الفاشيست، وأجبتهم بنعم، انا مسؤوله الحزبي حتى انهي مسلسل التعذيب والموت البطيء لشاكر. وفعلا اغلق التحقيق واضاف: سيكون يوم غد موعد محاكمتنا، وغادرا الى المحكمة ليعودا عصراً لاخذ فراشهما، فقد حكما بالاعدام شنقا حتى الموت. وصعد شاكر والكبير رحيم الى ارجوحة الابطال بكل شجاعة وبسالة. وضمت قوائم الموت البعثية اثنين وعشرين رمزاً وطنياً شريفاً تم تقسيمهم الى وجبتين ثم اعدامهم يومي 17 و 18 أيار من عام 1978.
الجريمة وصمة عارفي جبين النظام الدكتاتوري
ستظل تلك الجريمة وصمة عار في جبين النظام المقبور. هؤلاء من عشت معهم لأكثر من عام، ولكن زنزانات الموت كانت تضم بين جنباتها رموزا رائعة شاهدتهم عن بعد لكنهم كانوا مثالا رائعا للتضحية والفداء. فقد كان سهيل شرهان نموذجاً للانسان المتفائل بالمستقبل وبحتمية انتصار ثورة الفقراء والكادحين وبناء الغد السعيد. اما علاء فكان متماسكاً حتى لحظة اقتراف الجريمة البشعة بحقه.
هؤلاء من عرفتهم عن قرب واحببتهم بمصداقية وذرفت عليهم دموع الحزن والأسى، وآسف اذا لم تسعفني الذاكرة وسنين عمري وبعد المسافات وابتعاد المحطات من تذكر كل رفاقي وصحبي ممن عشنا سوية في زنازين الطغاة وارهاب الفاشيست والحُجر المظلمة والعفنة.
تحية حب واعتزاز وعرفان لمن قدم حياته قرباناً للوطن ومن اجل الشعب والحزب والموت والعار للانظمة الدكتاتورية ومن يدعمها ويساندها وسيظل املنا عظيما وكبيرا بوطن حر وشعب ترفرف عليه رايات الحرية والديمقراطية.