فضاءات

صعوبات وعراقيل أمام ورش السباكة وصهر المعادن / لويس فؤاد العمار

تتوزع معاناة أصحاب وعمال ورش السباكة المختصة بصهر وإذابة المعادن في منطقة الشيخ عمر ببغداد ما بين صعوبة العمل في أماكن لا تتوافر فيها أدنى شروط السلامة المهنية وبين تكاليف الإنتاج المرتفعة قياسا بالمنتج المستورد الذي اغرق السوق المحلية، وبين صعوبة الحصول على الوقود لتشغيل المصاهر، وبين ارتفاع بدلات الإيجارات السنوية للورش الصناعية, وجميع هذه الصعوبات والمعوقات راحت تهدد عمال المصاهر في منطقة الشيخ عمر بقطع أرزاقهم وتحويلهم إلى عاطلين عن العمل في حال بقيت نفس الظروف على حالها بعد أن قضوا سنين طوالاً في المهنة الشاقة ولا يعرفون عملا غيرها ما يستدعي من الجهات المسؤولة مد يد العون لهم وتذليل المعوقات التي تهدد مصدر رزقهم الوحيد.

تلوث خطير

جميع مظاهر السلامة المهنية مفقودة في ورش السباكة بمنطقة الشيخ عمر. إذ تستخدم ورش السباكة مادة النفط الأسود كوقود لإيقاد أفران صهر المعادن التي تنبعث منها غازات سامة وقاتلة في أماكن العمل التي لا تتوافر فيها تهوية جيدة تحول دون التعرض لاستنشاق كميات كبيرة منها. وبسبب ضعف الجانب المادي لأغلب الورش الصناعية بصهر المعادن, فإنها لاتوفر للعاملين فيها مستلزمات السلامة المهنية من قبيل الملابس الخاصة أو الأحذية الأمينة والمستلزمات الأخرى مايعرض حياة العاملين فيها إلى مخاطر لا حصر لها.

تكاليف إنتاج مرتفعة

أكثر الأمور التي أضرت بمصالح العمال وأصحاب ورش السباكة هي إغراق السوق المحلية بمنتجات مستوردة وبأسعار تقل عما تصنّعه الورش من نفس المواد الميكانيكية والأدوات الاحتياطية المختلفة بحيث سببت هذه السياسة الخاطئة أضرارا فادحة بأغلب الورش الصناعية واضطر الكثير من أصحابها إلى غلقها والبحث عن عمل بديل. أصحاب الورش الصناعية المختصة بصهر وصب المعادن أكدوا أن وزارة الصناعة إبان فترة الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن المنصرم كانت تتعاقد معهم لتصنيع أجزاء مختلفة وعديدة من الأدوات الاحتياطية للمكائن الصناعية والميكانيكية جراء منع دخولها إلى العراق في تلك الفترة بسبب العقوبات الدولية مما أسهم في انتعاش الأعمال الصناعية للورش وارتفاع مداخيل العاملين فيها. وأضافوا: أن الإنتاج في الورش الصناعية بعد فترة الاحتلال والى الآن تراجع إلى أكثر من النصف نتيجة منافسة السلع المستوردة التي أغرقت السوق المحلية. "

نقص الوقود وارتفاع أسعاره

يعتبر النفط الأسود المادة الرئيسية المستخدمة كوقود في إيقاد أفران صهر وإذابة المعادن في ورش السباكة كونه متوفرا بكميات كبيرة إضافة إلى رخص أسعاره وخصائصه الصناعية الأخرى, غير أن واقع الحال هذا لم يدم طويلا بعد مرور وقت قصير على الاحتلال بسبب عمليات التهريب التي تقوم بها مافيات متخصصة تمتلك صهاريج كبيرة لتهريب النفط الأسود إلى بعض دول الجوار ما استدعى القوات الأمنية بتشديد رقابتها حتى على صهاريج نقل النفط الصغيرة جدا ومنعها من حرية الحركة وهو بدوره أدى إلى صعوبة الحصول عليه من قبل أصحاب ورش السباكة وزيادة أسعاره بشكل كبير أثرت بدورها على تكاليف الإنتاج لترفعها أكثر وبالتالي صعوبة منافسة المنتج المستورد..

بدلات إيجارات مضاعفة

ويكاد يجمع جميع من التقيناهم من أصحاب الورش الصناعية على اتساع حجم معاناتهم جراء ظروف العمل القاسية والذي لايسد مردوده المادي الرمق في اغلب الأحيان نتيجة لأسباب عديدة إضافة إلى تهديدات هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السني بطردهم من أماكن عملهم وحتى حبسهم ( حسب قانون الهيئة) في حال الامتناع عن تسديد أقيام بدلات الإيجارات السنوية المرتفعة والمضاعفة في موعدها المحدد والتي لم تراع مقدار مايحصل عليه الحرفيون من مردود مالي مقابل أعمالهم الشحيحة أصلا.. منوهين إلى نقطة غاية في الأهمية وهي اعتقادهم الأكيد بان أقيام بدلات الإيجارات السنوية على ورشهم ومحالهم لم تضعها لجان مشكلة من أشخاص من ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة ولهم القدرة على دراسة وضع سوق العمل وقراءة الواقع الاقتصادي للبلد وما تعانيه الصناعات والورش الصغيرة من صعوبات جمة , بل خضعت التقديرات في أقيام بدلات الإيجارات السنوية إلى مزاجية وارتجالية في القرارات بل وحتى الفساد بدليل اختلاف قيمة الإيجارات السنوية لمحال تقع في نفس المكان وبنفس المساحة.. أصحاب المحال والورش الصناعية الذين التقتيناهم بينوا أن هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السني استندت بإجراءاتها التعسفية على قانون الهيئة رقم 40 لسنة 1999 المعدل الذي وصفوه بأنه احد القوانين التي صاغها رأس النظام المباد لإذلال العراقيين والانتقاص من كرامتهم فضلا عن الإضرار بالحرف والصناعات الميكانيكية الصغيرة في المجمعات الصناعية في قلب العاصمة بغداد.إذ أوضح أصحاب الورش الصناعية أن القانون المذكور يهدد أصحاب الورش الصناعية في الأملاك الموقوفة التابعة للوقف السني في منطقة الشيخ عمر / مقبرة الغزالي بالطرد وحتى الحبس في حال الامتناع عن تسديد بدلات الإيجارات السنوية تحت مختلف الظروف القاهرة , واصفين القانون بأنه احد القوانين الموروثة من الحقبة الصدامية التي تنتهك حقوق الإنسان وتتعارض مع الدستور العراقي الجديد ومطالبين في الوقت نفسه بإيقاف العمل به إلى حين تشريع قانون جديد يستلهم روح العراق الديمقراطي الجديد ويحفظ مصالح وكرامة الكادحين والفقراء من أبناء الطبقة العاملة

معاناتهم يرونها بأنفسهم

الحرفي عباس أكرم عباس الذي يدير ويعمل في ورشة للسباكة في كراج الأنعام بمنطقة الشيخ عمر المتكون من 20 ورشة تزاول نفس الاختصاص ,. بين أن حركة العمل قبل سقوط النظام المباد في 2003 كانت أكثر نشاطا مما هي عليه اليوم بحيث أن قيمة الإيجارات السنوية في حينها والبالغة 250 الف دينار لم تشكل وقتها عبئا على أصحاب الورش في كراج الأنعام, مشيرا إلى أن فتح باب الاستيراد العشوائي بعد سقوط النظام واستيراد نفس المواد التي كانت تصنع في الورش قد اضر بأعمالهم كثيرا ما انعكس سلبا وبشكل مباشر على الإيرادات المتحققة من أعمالهم الفنية في الورش التي تصنع بعض أجزاء المكائن والمعدات الميكانيكية.. عباس أكد أن وتيرة العمل في الورشة وباقي ورش الكراج الأخرى في ظل هذا الظرف قد تلكأت بصورة كبيرة بحيث يكون محظوظا من يعمل لمدة أسبوع كامل خلال الشهر الواحد مع العلم أن الإيرادات التي يحصلون عليها تكاد تكون على شكل مكسب يومي لا مجال للادخار منه.. كما بين أن توقف العمل في الورش الصناعية أثناء فترات الركود الطويلة يعني حرمان عشرات العوائل من قوتها اليومي.. عباس نوه إلى أن غياب دعم الدولة للصناعيين والحرفيين ساهم في ارتفاع تكاليف المواد التي يصنعونها في ورشهم قياسا بأسعار المستورد منها وهو سبب آخر يضاف إلى معاناتهم اليومية في العمل إضافة إلى ارتفاع قيمة بدلات الإيجارات السنوية التي تفرضها عليهم هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السني , مبينا أن نقص الوقود المستخدم في إيقاد بوتقات صهر المعادن في الورش ارتفعت أسعاره في السوق المحلية إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الأولية والخام الداخلة في صناعاتهم جعلت من هامش الربح ضئيلا جدا ما جعلهم يطالبون الهيئة بان تخفض من أقيام بدلات الإيجار السنوية لورشهم مراعاة لهذه الظروف القاهرة والصعبة.. موضحا أن الهيئة عمدت إلى رفع بدلات الإيجار السنوية على ورشهم من مبلغ خمسة ملايين دينار سنويا إلى أكثر من ستة عشر مليونا في خطوة اعتبرها تسهم في قطع رزق عائلاتهم نتيجة لظروف العمل التي سردناها آنفا..

الخاتمة

معاناة أصحاب الورش الصناعية في منطقة الشيخ عمر / مقبرة الغزالي التي ترزح مابين وطأة ظروف العمل القاسية وصعوبة تامين قوت عائلاتهم اليومي بسبب مشاكل العمل والإنتاج من جهة, والزيادات الفاحشة والمستمرة لاقيام بدلات الإيجارات السنوية لورشهم الصناعية التي تفرضها عليهم هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السني بالاستناد إلى قانونها الموروث من الحقبة الديكتاتورية والذي يتنافى مع مباديء الدستور العراقي من جهة أخرى. بحاجة إلى معالجة جادة وسريعة من أصحاب القرار في الحكومة العراقية كي يؤمن أصحاب هذه الورش من الكادحين والعمال والفقراء أن عصرا جديد من الحريات واحترام حقوق الإنسان وحقه في العيش بكرامة, قد بدا يلوح فعلا في أفق العراق الجديد..