فضاءات

ابراهيم الحيدري في المقهى الثقافي في لندن يخرج مدرسة فرانكفورت من قمقمها / عبد جعفر

النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، هي الأمسية ال 24 للمقهى الثقافي العراقي في لندن، حيث استضاف زبائنه الدكتور ابراهيم الحيدري، للحديث عن رواد هذه المدرسة، ومفهومها للعلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة، وتطور رؤياها الفكرية الى نقد المجتمع وتجاوز نقدها الأدبي الى النقد الثقافي، وذلك يوم 29-9 -2013 .
وفي تقديمه المحاضر أكد الدكتور عبد الحسين الطائي أن مدرسة فرانكفورت، أوالنظرية النقدية هي حركة فلسفية نشأت بمدينة فرانكفورت في عشرينات القرن الماضي. جمعت مجموعة من الفلاسفة الذين يمثلون اليسار الأوروبي. تميزت بنزعتها النقدية للمجتمع والفرد والسياسة أرتبط اسمها في معهد الأبحاث الاجتماعية، الذي تأسس رسميا في 3 فبراير 1923 في جامعة غوته بمدينة فرانكفورت.
وأضاف: قد مرت هذه الحركة بمرحلتين الأولى من بداية التأسيس إلى وصول هتلر للحكم في ألمانيا سنة 1933، حيث اضطر رواد هذه الحركة للهرب إلى سويسرا وفرنسا وبريطانيا ومن ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الخمسينات بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية عاد بعض رواد الحركة الى فرانكفورت من أجل إكمال العمل، الذي بدؤوه قبل الهروب من ألمانيا لتنطلق بعد العودة من المنفى المرحلة الثانية في تاريخ المدرسة.
وأشار الى ارتباط اسم مدرسة فرانكفورت بالنظرية النقدية في معناها الفلسفي والذي ينبغي تمييزه بدقة عن الدلالة الرائجة في النقد الادبي. إن ما يميز هذه المدرسة عن باقي المدارس الفلسفية الأخرى هو عدم اقتصارها على المرجعية الفلسفية أو السوسيولوجية فقط، فقد تشربت هذه المدرسة من ينابيع جميع العلوم الانسانية، من فلسفة " كانط وهيغل...". حيث يعتبر هيغل حسب منظري مدرسة فرانكفورت رائد الفلسفة الاجتماعية. ومنظري مدرسة فرانكفورت تأثروا بالماركسية حتى اعتبر البعض إن هذه المدرسة ليست إلا فرعا من فروع الماركسية، لكن أصحاب النظرية النقدية وان تبنوا الماركسية كمبدأ أو كمنهج فإنهم لم يلتزموا بها كليا. وكذلك تأثروا بفلسفة ماكس فيبر وهربرت وأغوست كونت. ويعتبرعلم النفس الفرويدي أحد مراجعها المهمة، وكذلك اعتمدت على العلوم اللغوية.
والدكتور الحيدري سيقوم بمهمة التعريف بفكر وفلسفة هذه المدرسة النقدية وروادها الأوائل، هذه المدرسة التي أصبحت مرجعاً للكثير من النظريات والاتجاهات النقدية لما بعد الحداثة.
وفي حديثه الشيق أوضح الدكتور الحيدري ان التعريف بفكر وفلسفة مدرسة فرانكفورت النقدية وروادها الأوائل بعجالة أمر ليس بهين، بعد ان أصبحت هذه المدرسة أساساً لأغلب النظريات والاتجاهات النقدية لما بعد الحداثة، وخاصة في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والانثروبولوجيا وحتى في الأدب والفن والموسيقى، محاولين قدر الامكان توضيح مبادئها الرئيسية والعلاقات المعقدة لأفكار روادها الأوائل وتوضيح نتائجها على تطور التفكير الاجتماعي والحركات الاجتماعية والثقافية والسياسية في الغرب. وحول الأصول الفكرية للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، اشار المحاضر الى ان ممارسة النقد تحتاج الى الحرية ، لأن جوهر النقد هو الحرية.
أما النقد الذاتي فهدفه معرفة الذات ومحاكمتها لمعرفة مواطن القوة والضعف ومن ثم تقييم وتقويم الذات لمواجهة السلبيات وإعادة بنائها من جديد على أسس عقلانية.
مؤكدا أن النظرية النقدية تمتد في أصولها الفكرية الى عصر التنوير والفلسفة الألمانية المثالية الموضوعية وخاصة عمانوئيل كانت وهيغل والهيغليون الشباب حيث تمرد الهيغليون الشباب على الجانب التأملي المحافظ في فلسفة هيغل المثالية، التي تفتحت، في ذات الوقت، عن المنهج الديالكتيكي الهيغلي. وكان على رأسهم كارل ماركس وبونو بوير ولودفيغ فيورباخ وغيرهم، الذين اطلق عليهم «الهيغليون الشباب» الذين اسسوا عام 1841 «حوليات الأدب والفن»، وأرسوا دعائم فلسفة اجتماعية جديدة رفضت الفكر الفلسفي التقليدي، مثلما رفضوا النظام الاجتماعي القائم ومؤسساته.
واشار الى ان أسس النظرية النقدية يمكن ايجازها في ثلاث نقاط:
الاولى: نظرية نقدية للمجتمع
ان ما قامت به النظرية النقدية هو محاولة لصياغة نظرية نقدية جديدة وعلم اجتماع نقدي له مفاهيمه الخاصة وميدانه المحدد، كبديل للفلسفة التقليدية وعلم الاجتماع الوضعي والامبيريقية التي مارست انواعاً من السلطة التي هدفت الى تقويض طوعي في تاريخ الفلسفة وعلم الاجتماع، الذي أجبر النظرية على التراجع. وعلى النظرية النقدية ان تستغني عن المماثلة والأحكام المسبقة والقاطعة وان تكون موضوعية.
ثانيا- ديالكتيك النظرية والممارسة
كان المحور الاساسي للمناقشات الحادة يدور حول تفسير ماركس للعلاقة بين النظرية والممارسة(الوحدة بين النظرية والتطبيق). وقد تبلور مفهوم جديد للنظرية باعتبارها مرشدة للعمل وتوجيه الفعل الاجتماعي. اما الممارسة فهي نوع من السلوك الذي ينبثق من الداخل, أي من نفسه وليس خارجيا, أي من خلال التفاعل والصراع في حياة البشر. وهو سلوك لا يخضع للضغط او المراقبة من قبل الاخرين. وهكذا ظهر معيار جديد للممارسة يربط الممارسة بالنظرية في وحدة ديالكتيكية, وبمعنى آخر يجب ان تطعم الممارسة بادراك نظري دوما ومن منطلق نقدي. وان تكون في الاخير هدفا لكل فعالية ثورية.
ثالثا- من نقد الفكر الى نقد المجتمع
انطلق رواد مدرسة فرانكفورت النقدية في نقدهم الفلسفي والاجتماعي من رفضهم للنظام الاجتماعي القائم وايديولوجيته. ولم يكتفوا بنقد الأفكار والنظريات وانما انتقلوا من نقد الأفكار الى نقد المجتمع ومؤسساته وخاصة الصناعية الرأسمالية وكذلك وسائل الاتصال التي تدعم ذلك والمجتمع الاستهلاكي الذي يقتلع الافراد من جذورهم ويجعلهم يلهثون وراء بريق المدنية الزائف. كما يجب ان الانتقال من نقد الفكر الى نقد المجتمع وتجاوز النقد الادبي الى النقد الاجتماعي والثقافي والفلسفي والفني وحتى العلوم الطبيعية.
ثم توقف المحاضر عند الرواد الأوائل للمدرسة وهم من المفكرين الاجتماعيين الذين ينتمي الغالبية منهم الى «اليسار الأوروبي» بعامة والألماني بخاصة، الذين سبقوا غيرهم في اثارة كثير من التساؤلات المعرفية التي تدعو الى الشك والقلق والجدل، عن طريق نقدهم الفلسفي والاجتماعي والسياسي ورفضهم للنظام الاجتماعي القائم وكذلك ايديولوجيته.
ثم انعطف بحديثه عن نشأة النظرية النقـدية وتطورها والعوامل الذاتية والموضوعية التي أدت الى نشوئها. منها الحرب العالمية الاولى، وقيام أول دولة اشتراكية في روسيا وقيام جمهورية فايمار عام 1919 -1933 وفشل الحركات العمالية في اوربا وتحولها عن اهدافها الطبقية، بعد ان تحولت نقابات العمال الى شركات مساهمة.
في مايو من عام 1924 التقى عشرون مفكرا في احد فنادق فرانكفورت وعقدوا اول ندوة " حول الماركسية ". وكان من بين المشاركين في الندوة كارل كورش وجورج لوكاش وفردريك بولاك وفلكس فايل وكارل اوغست فتنوغل وهوركهايمر.
وهناك تبلورت فكرة تأسيس معهد للبحث الاجتماعي في جامعة فرانكفورت وقد تعهد المجتمعون على وضع اللبنات الأولى لنظرية نقدية تقف امام النظريات الاجتماعية التقليدية والوضعية التي سيطرت وما تزال تسيطر على الفكر في الجامعات الألمانية.
وقد تحققت فكرة تأسيس معهد البحث الاجتماعي في جامعة فرانكفورت واصبح حقيقة واقعة عام 1923.
وفي منتصف الثلاثينات اضطر اغلب أعضاء مدرسة فرانكفورت الى الهرب الى فرنسا وبريطانيا ومنهما الى أمريكا. وهناك استطاعوا نشر أهم واغلب أفكارهم في النظرية النقدية.
تقييم ونقد
واكد الحيدري ان اغلب أعضاء مدرسة فرانكفورت ينحدرون من أصل بورجوازية، بالرغم من تعاطفهم مع الحركات الاشتراكية ولذلك لم يلتزموا مشروعا سياسيا كما عمل غرامشي. ولم ينزلوا عن ابراجهم العاجية دون الاكتراث بما يحدث في الشارع من ثورة الطلاب، ولكنها ولدت أفكارا وشعارات حركت الطلاب والشباب للانتفاضة ضد النظام الرأسمالي عام 1968
المأثر الهامة هي أنهم أول من طور النظرية النقدية الجدلية والنقد الذاتي وجدلية العلاقة بين النظرية والممارسة وفضح تناقضات المجتمع الرأسمالي. و مع اختلاف اتجاهاتهم العلمية، فانهم متفقون على نقدهم للمجتمع الصناعي الشمولي وما يفرزه من تناقضات، وبخاصة ثقافته البرجوازية.
وقد اثارت هذه الندوة الممتعة الكثير من النقاشات والمحاور حول اتجاهات مدرسة فرانكفورت وافكار مؤسسيها ومواقفهم من الحركات الثورية ومنها حركة الطلبة التي شهدتها اوروبا عام 1968.

ويذكر أن إبراهيم الحيدري يعد أحد علماء الاجتماع العراقيين في المهجر الذين قدموا صورة طيبة عن الكفاءات العراقية في الغرب، والذين حافظوا على صلاتهم العلمية والبحثية ببلدهم والمنطقة. وقد اتضح ذلك من خلال الأعمال العديدة التي عملها وتلك التي لازالت قيد الانجاز.