فضاءات

حفل تأبيني وتشييع مهيب في لايبزغ للشخصية الوطنية واليسارية والديمقراطية د.صادق البلادي

طريق الشعب/ لايبزك
توافد عشرات العراقيين من مختلف المدن الالمانية وكذلك من خارج المانيا لتوديع الشخصية الوطنية واليسارية د.صادق البلادي ، حيث اكتضت قاعة التأبين ولم تتسع للحضور العراقي والعربي والالماني من رفاق واصدقاء وزملاء الفقيد وبدأ الحفل بعزف منفرد على العود لنشيد موطني بعدها افتتح الرفيق سامي جواد كاظم الذي ادار الحفل مرحبا باسم عائلة الفقيد ومنظمة الحزب الشيوعي العراقي في المانيا قائلا:
"عذراً ابا ياسر لم نكن على موعد لتوديعك هذا اليوم ...لقد كان موعدنا في برلين لاستذكار رفيقا من رفاقك الافذاذ هو ابو سعود ،لقد كنت منهمكا في استلال بعض من ذكرياتك واوراقك لتكون لك كلمة بهذه المناسبة، فلم تعجلت الرحيل هكذا فالرحلة التي بدأتها لم تكتمل بعد يا رفيق، لقد اوجعتنا حقا بهذا الغياب المفجع.
الحضور الكريم باسم عائلة الفقيد ومنظمة الحزب الشيوعي العراقي نرحب بكم وأقرأ لكم نعي المكتب السياسي للحزب للرفيق د. صادق البلادي ".
بعدها وقف صديق الفقيد السيد برنر ليلقي كلمة مؤثرة باللغة الالمانية مشيدا بروحه الانسانية المتجذرة وبجهود ابي ياسر في النشاطات المتعددة التي كان يقوم بها الفقيد في مجال حوار الاديان والثقافات وحركة السلام والتي جعلته شخصية معروفة على صعيد مدينته كمنتس .
ثم توجه للمنصة شقيق الفقيد الرفيق صفاء البلادي لالقاء كلمة رثاء بحق شقيقه ورفيقه قائلا:
" لم اكن مهيئاً لمثل هذا الموقف من قبل ، فلم اكن قادراً على الصعيد النفسي ان ارثي أخي وأبي ورفيقي وصاحبي وطبيبي الصادق البلادي. فقد كنت أتخيل بأن الموت لايختار البشر الحقيقيين والمتفانين والمضحين ،لان الموت يدرك أن هؤلاء لايهابونه أو يحسبون له حساب ،لان الراحل أختار طريق الاحرار والمضحين في سبيل وطنهم وحزبهم حزب الفقراء والكادحين ، كما ان الموت يدرك ايضا بان هؤلاء غير فائضين عن حاجات البشر ،فقد كان أخي الراحل قد فتح قلبه وفكره الى هموم مرضاه ومعاناتهم،وكرس جهده ووقته في سبيل راحة الناس فاتحا عيادته للجميع، ومع ان عيادته هي مصدر رزقه الوحيد فأنه يضطر لاغلاقها يوما في الاسبوع ليقوم باعمال اجتماعية وخيرية في سبيل اللاجئين ، فيكرس اليوم لمساعدتهم في اكمال معاملاتهم ويحقق لهم مايحتاجون اليه من مساعدات في مختلف الوسائل ، لقد جعل نفسه مرشدا لبعضهم ومترجما للبعض الاخر،ومتابعا لقضاباهم القانونية وذلك من اجل أشاعة الطمأنينة في نفوسهم.
أن غيابك يا أبا ياسر سيكون قاسيا علينا ، وسيدمي قلوبنا ،ولكننا نعاهدك أن نستمر على الدرب الذي اخترته وأن حضورك سيبقى الى الابد في قلوبنا وفي ذاكرتنا"
بعد ذلك القى د. صادق اطيمش كلمة رثاء بالالمانية بحق صديقه ورفيقه ابي ياسر وهذا مقطعاً مترجما منها:
" حينما يجتمع فكر الثورتين ، القرمطية الكلاسيكية والبلشفية الحديثة في نهج عمل ما ، فلابد لمن يتكفل هذا العمل ان يكون صاحب موهبة خاصة يستطيع من خلالها ربط ما كان يفكر به حمدان بن الأشعث القرمطي وما تمخضت عنه عبقرية يوسف سلمان الشيوعي ، فكان ذلك الوهج المتدفق في منهج فكري ثري ونضال سوح بعيدة المسافات عبَّر عنه حمدان يوسف باصلب معاني التعبير التي جسدها صادق البلادي على آلاف الصفحات وعِبرَ عشرات السنين في ينبوع الفكر العراقي الحديث ، في مجلة الثقافة الجديدة ، دون ملل او كلل.
لا ... لم تمض يا ابا ياسر وقد تركت شعاعاً متالقاً في سماء وطننا ينير درب الأجيال الناهضة والباحثة عن الفكر العلمي والثقافة التقدمية وعن سبل النضال الوطني الصادقة التي كانت تستنير منك وبك طيلة العقود الطويلة من عمرك الزاهر بكل ما يفخر به كل من عرفك عن قرب او بعد .
انت فخرنا ايها الرفيق والصديق والزميل وستظل بيننا دوماً فكراً نقياً وينبوعاً نرتشف من سلسبيله أبداً ."
ثم اعتلى المنصة رفيق وصديق ابي ياسر الشاعر د. حميد الخاقاني ليلقي رثاءا حزينا قائلا فيه:
" لم يكن الراحلُ، وريثُ (دلمون)، منشغلاً بسؤال الموت وأسراره. ما كان يعنيه هو الاجتهادُ في أنْ يكون الزمانُ، ما بين قدومِ أحدنا إلى هذا العالم وخروجِهِ منه، مُمتلئاً بما هو ذو معنى ونفعٍ للحياة وللناس. وأرى أنَّ صادقاً سعى، حضوراً وسلوكاً وكتابةً وجدلاً، ومهنةً كذلك، إلى أنْ يملأَ زمانَه هو، وعلى قَـدْر طاقته، بما ينفع الناسَ والحياة أيضاً.
طوالَ زمان رفقتنا وصداقتنا لم أسمَعْ صادقاً يتحدثُ بسوءٍ عن أحدٍ، أو يُظْهِرُ ضغينةً أو كراهيةً لأحد. حتى حين يتحدث، أو يصغي لحديثٍ، عن مستبدٍ أو جلادٍ ما، يعرِضُ لأفكاره وأفعاله، بهدوءٍ يكاد يكون حيادياً حتى، تاركاً لمن يسمعُهُ التأمّلَ الحرَّ في صورة ذاكَ الجلاد، وهذا المستبد، والحُكْمَ عليه.
ما كان يعنيه هو أفكارُ الأفراد والجماعات وأفعالُها، والجدَلُ الهادئ معها : هل تنفعُ البشرَ والحياةَ، أم تسيئُ لهما؟
مَزِيَّةُ الإصغاء الهادئ لآراء الآخرين، طابَقَتْ ما يراه ويعتقدُه هو، أو ناقضتهما، لم تُغادِرْهُ حتى رحيله عنا. صوابُ الآراء والأفكار وخطلُهما يتحقَّقُ في الحياة، وفي حقول التجارب التاريخية والعملية. هذه التجاربُ هي ما يُظْهِرُ صوابَ الأشياء أو خطَأها. منافعَها وأضرارَها. شرورَها وخيراتِها. الحسَنَ منها والقبيحَ كذلك.
وإذا ما أرادَ نقدَ أحدٍ، أو شيئٍ لأحَدٍ، كان (كم يشُقُّ عليَّ أنْ أتحدث عن صادقٍ بصيغة الماضي؟) يُمَهِّـدُ لنقده بابتسامةٍ، أو بضحكةٍ، أو بكَفٍّ تلامسُ كَفَّ المنقود أو كَتِفَهُ بمحبَّة.
لم أَعِشْهُ، طيلةَ هذه العقود الأربعة، لحظةً يغضبُ فيها، أو يحْتَدُّ على أحدٍ، أو يسخطُ على هذه الدنيا وزمانها. حتى في المرة الوحيدة التي شكى لي فيها حَيْفاً، رأى أنَّ هيئةً حزبيةً ما ألْحَقته به، ظلت نبرةُ شكواه، وقتَها، أقربَ للعَتَبِ منها للشكوى.
هذه الأحوال تجسيدٌ لنفسٍ شفيفةٍ فيه. نفسٍ تتحلى بجميلِ صبرٍ لا ترى أنه "مفتاح الفرج"، ولا تنشُدُ فيه ثواباً ما، وإنما هو حالةٌ من طاقةِ هذه النفسِ على حَمْلِ أعباء العيش، ورِضاها عن نفسِها وعن صاحبها، ورضاهُ هو عنها وعنه.
صادقُ الذي رحلَ عنا يظل، شأنَ أحبَّةٍ كُثْرٍ غادرونا، في ذاكرتنا. نفتَحُ أبوابَها ونمضي إليه حيثُ نشاء، ويأتينا هو حيث يشاء "
هذا وقرأ الرفيق عريف الحفل مقاطع من نعي مجلة الثقافة الجدبدة وأتحاد العام للادباء والكتاب في العراق،وكذلك نعي منظمة الحزب والملتقى العراقي في لايبزغ ومحلية البصرة وتعزية من الاستاذ فخري كريم رئيس مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون
وتعزية من المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في المانيا
وتعزية من منظمة الحزب الشيوعي العراقي في كندا
ثم قامت الزميلة وفاء الربيعي بالقاء تعزية لجنة تنسيق التيار الديمقراطي في المانيا.
بعدها عرض فلم قصير عن الرفيق الراحل د.صادق البلادي
أعقب ذلك كلمة رثاء مؤثرة القاها الرفيق الكاتب يحيى علوان في حق صديقه ورفيقه ابي ياسر.
وفي الختام شكر عريف الحفل باسم عائلة الراحل ومنظمة الحزب الشيوعي العراقي الحضور لتجشمهم عناء السفروبعد المسافات ولحرصهم على وداع رفيقهم وصديقهم ابي ياسر، وتوجه الى جثمان الراحل قائلا : " لقد دونت ياأبا ياسر بمناسبة عيد ميلادك الثمانين أمنية لم تتحقق للاسف وقلت فيها :
( شكرا جزيلا أيها الأحبة من الأصدقاء والرفاق والزملاء وألأقارب و الأهل على تهانيكم الطيبة ، النابعة من القلب ،و تمنياتكم بعيد ميلادي الثمانين – بـلٌغتموه جميعا -، متمنيا أن تدوم أواصر المحبة والإخاء صافية جميلة ، جمال شروق الشمس على شط العرب ، وكشروقها اينما تحلون.
وأتمنى أن يتحقق حلمي بقضاء الأشهر الثلاثة الأخيرة من العمر والناس جميعا في كل الدنيا كما تمنى شيلر وصدح بها كورس تاسعة بيتهوفن : " كل الناس يصبحون أخوة " ، يعيشون في سعادة و أمن وسلام.
وتبقى محبة الناس إكسير الحياة ، والأمل لن يموت أبد الدهر.
وأمام هذا الجمع من الصديقات والأصدقاء ، والرفيقات والرفاق أقسم بدماء و عذابات شهداء وضحايا النضال من أجل حرية الإنسان أقسم أن أواصل العطاء وبكثافة تعويضا أيضا عما قصرت فيه لحد الآن ، مستذكرا في ذلك شعارَ الشهيد أبي سعيد : فتش عن الإستعمار!! ، ودعاءَ أبي گاطع :" : " اللهم لا تباركَ في زرعِ وضرع من قَصَّرَ في فضح الفاشية ." و أُكمله ..." أو قصر في فضح الإنتهازية ".)
هذا وغادر الجمع الغفير القاعة بحزن وخشوع وعلى شكل فرادى مع انغام كورس تاسعة بيتهوفن منحنيا مودعا للرفيق والصديق الذي لاينسى ابا ياسر.
وفي اليوم الثاني توافد الجمع من العائلة والرفاق والاصدقاء مرة اخرى في المقبرة وبأجواء حزينة جداً لتوديع الرفيق الراحل قبل مواراة جثمانه الثرى ، حيث وُدِعَ ابا ياسر امام قبره بكلمة مؤثرة من الشاعر د. حميد الخاقاني والقيت الزهور على جثمانه المعطر، وتواصى رفاقه واصدقائه على استذكاره دائما وجمع ماكتب من مقالات وبحوث لطبعها في كتاب تخليدا له .