فضاءات

المقدم الشيوعي الشهيد علي وروار حاشوش-محمد عرب .. وداعا !/ عطا عباس

حملت أخبار شباط المشؤومة لعام ٢٠١٦ خبرا عن استشهاد المقدم علي وروار حاشوش، المكنى بـ (محمد عرب) في قاطع ابو غريب " أثناء تصديه الشجاع لمجاميع إرهابية هناك ".
علي أو "أبو حسين"، كما كنت أناديه تحببا، هو أكثر من أخ صغير، تعهدته حفنة سنين عجاف، قبل ان تتفتح خصاله كإنسان نادر المثال.
هو ثالث الشهداء الشيوعيين الأبرار لعائلة (آل حاشوش) المتجذرة عميقا في تربة السماوة، وكأنها أيقونة للمدينة، أو دافعة ضرائبها الوطنية نيابة عن الجميع!
في صباح بارد من شباط ١٩٩٢، وفي الطرف القصي والضاج لسوق السماوة، التقيت اليافع "علي" أول مرة في الدروب الأكثر وحشة وتحديا للعمل السري!..
كانت ظلال الغروب المفجع لانتفاضة آذار المجيدة عام ١٩٩١ تلقي بثقلها على الجميع..
سألته حذرا: (ما الذي أبقاك في السماوة ولم تغادرها الى "أرطاوية" السعودية بعد أن فتح الأمريكان في مدينتك، وبكرم غير معهود، أكثر من "كراج" لطائرات الهليكوبتر لنقل المنتفضين وعابري السبيل أيضا عبر الحدود) ؟ ! .
لم يجب، لكنه رد صاع السؤال بسؤال :
كيف اهتديت الى" آل حاشوش " في السماوة، وانت لست من أهلها، كما يبدو ؟ ! ..
قلت بلا مواربة، هو فضل لصديقنا المشترك رؤوف حسون، الذي غادر أسوة بالجميع، عندما كنت أبحث عن المتبقين من عائلتكم الباسلة، وها انت امامي ! ..
لم يدم لقاء التعارف الحذر طويلا، فافترقنا على آمل موعد جديد قادم .. وذاك ما كان .
بعد ما يقرب من الأسبوعين كنت مع العامل " أبو حسين " في محل عمله العجيب :
معمل للحلويات في الطابق الثاني من بناية وسط السماوة، تشمل أيضا سينما المدينة الوحيدة ! ..
هنا تأملت " علي " كاملا :
شابا يافعا وجريئا، يتدفق حيوية واصرار على مواصلة طريق أخويه الباسلين، الشهيدين الشيوعيين كاظم " يوسف عرب " ووصفي ..
لكن الخصلة المشتركة والأنسب لي تجلت بالآتي : اتقانه الصمت والابتعاد عن الهذر والادعاء!..
دخلنا مباشرة في تفاصيل عملنا اللاحق، ووضعت نصب عيني أمرين لازمين :
الحفاظ على "علي" مهما كلّف الأمر، ومعه أيضا "مشغل حلوياته" الذي لا يعوض، كمصدر للرزق ومحطة للقاء ولإقامتي، التي ستكرر كثيرا، لمدينة السماوة ..
حينها كان "علي" قد أنهى إجراءات الخطوبة وزواجه اللاحق ..
كان سؤاله الاول والملح يتمحور حول ظروف استشهاد أخويه، وخصوصا " يوسف عرب "..
أخبرته صدقا بما لدي :
( اقتربنا انا ويوسف من بعضنا صيف عام ١٩٨٠، وكان لقاؤنا الأول في منطقة "ابو غريب" بمعية الشهيد البطل سعيد شهيد- أبو حسن، أحد كوادرنا المختفية، والذي تم خطفه لاحقا بكمين غادر من أحد شوارع الحلة عام ١٩٨٤ ..
كان يوسف في طريقه صباح اليوم التالي الى تكريت، حيث قرر الاختفاء نهائيا هناك، وانا في طريقي الى الفلوجة لبعض شأني . وتواصلنا حتى افترقنا نهائيا، لأتلقى بعد اكثر من سنتين خبر استشهاده البطولي المفجع ..
كان قد وقع أسيرا إثر معركة " سويلة ميش " في منطقة كرميان باقليم كردستان عام ١٩٨٢ لا اعرف التاريخ بالضبط، وتم إعدامه مع رفيقين آخرين على الطريق الرابط بين حلبجة وسيد صادق.
كان جسورا، مثل كل "آل حاشوش "، لكني لا اعرف حقاً لا مكان قبره ولا كيف وورى جثمانه الطاهر الثرى ..
وختمت : ذاك كل ما لدي !).
ثم دخلنا في عمل مشترك لسنوات لاحقة .. كان " علي " يشع بريقا مع الأيام، حتى اضطررنا إلى الافتراق شتاء العام ١٩٩٦ ..
في نيسان عام ٣٠٠٣، عدت إلى العراق مباشرة بعد سقوط الدكتاتورية ونظامها المقيت.
كان " علي " حاضرا في الذهن تماما .
التقيته في السماوة مجددا، وفي مقر الحزب الشيوعي العراقي الذي تم افتتاحه للتو . هو الآن أب ورب عائلة، لكنه لم يفقد أبدا جذوة الحماسة والفرح المعهودين لديه .
وأخذنا الحديث طويلا. وفي نهايته سأل ان كانت هناك إمكانية ان يقرأ شاعرنا "أبو خلدون" عريان السيد خلف شيئا من شعره في السماوة !
وذاك ما كان .. جاءنا الى مقر " ريق الشعب" في "ابي نؤاس" حينها، والتقى " عريان " ورتبا الدعوة وتحضير الأمسية أيضا.
ثم افترقنا ثالثة لنتواصل عن بعد، قبل ان أفجع في ٢٨شباط من عام ٢٠١٦ بخبر استشهاد المقدم علي وروار حاشوش في منطقة " ابو غريب " ، وكأن المنطقة باتت لي مدفنا لذكريات شهيدين باسلين من ( آل حاشوش ) : يوسف عرب ومحمد عرب !
وداعا أيها الطفل الكبير .. وداعا أيها المقدم الشيوعي الجريء علي وروار حاشوش - محمد عرب.