فضاءات

المهرجان الخامس لجريدة "طريق الشعب" .. "مرحباً يا أطفال"

طلال حسن
لعل صفحة "مرحباً يا أطفال"، التي كانت تصدر في الصفحة الأخيرة من جريدة "طريق الشعب" يوم الخميس من كلّ أسبوع، في سبعينيات القرن الماضي، هي من الصفحات المثيرة، والرائدة، في مجال صحافة الأطفال في العراق.
ولم يكن أدباء الأطفال، وأنا واحد منهم، من اهتموا وحدهم بهذه الصفحة الرائدة، فقد اهتمت بها أكثر من اهتمامها بالصفحات الأخرى ـ بحسب هيئة التحرير ـ الرقابة نفسها ـ فقد كانت تنظر إليها بأنها أخطر صفحة في الجريدة، فنصوصها، وخاصة القصصية منها، نصوص ، ملغزة، "ويدس" فيها كتابها أموراً تتعلق بالفكر والسياسة.
وأنا مع الرقابة، "فمرحباً يا أطفال" كانت صفحة خطيرة حقاً، وكتابها معظمهم، وأنا واحد منهم، لم يكونوا "أبرياء"، من هذه "التهمة"، ومن جهتي، فإن معظم قصصي التي نشرتها في "مرحباً يا أطفال" وعددها "12" قصة، يمكن أن تدرج تحت هذه "التهمة". وأولى تلك القصص هي قصة "حدث في صيف شديد الحرارة"، وقد رسمها لي وقتها الفنان الراحل الرائد مؤيد نعمة، الذي رسم لي آخر قصة في الجريدة بعنوان "الشمعة"، بتاريخ"1979" ولم يصل منها إلى الموصل إلا نسخة واحدة، مازلتُ أحتفظ بها، فهي كنز بالنسبة لي، كما رسم لي الراحل كتاب "قلنسوة من أجل دبدوبة"، وقد توفي للأسف الشديد قبل أن يتم رسم الكتاب، ونشرته دار ثقافة الأطفال كما تركه الراحل مؤيد نعمة.
وبعدها نشرت في "مرحباً يا أطفال" قصتان هما "القمر" و "الثعلب والقبج"، وسأنشر هنا، وبمناسبة المهرجان الخامس لجريدة "طريق الشعب، هذه القصص الثلاث، وأترك للقراء الأعزاء أن يحكموا، هل كانت الرقابة وقتها على حق؟ أم أنها فوبيا الشك والارتياب؟
تحياتي إلى كل من كتب في "مرحباً يا أطفال" ومن بينهم الشاعر الرائع ناهظ الخياط والقاص الباحث العزيز ناجح المعموري والكاتب المثابر العزيز محسن ناصر الكناني، ولن ننسى طبعاً محرر الصفحة الأستاذ العزيز عدنان حسين، فقد كان له دوره الكبير في إنجاح هذه الصفحة، ورسم نهجها المتقدم.
والآن "طريق الشعب" بلا "مرحباً يا أطفال"، وهذا ما لا نريده للأعزاء أطفالنا، الذين يحتاجون إلى ثقافية مبنية على المحبة والتسامح والتقدم، آمل من كلّ قلبي أن تستجيب "طريق الشعب إلى الأحبة الأطفال، فتطلق ثانية صفحة "مرحباً يا أطفال".
" 1 "
ـــــــــــــــــ
حدث في صيف شديد الحرارة
كانت تعيش في أحد الغدران ضفدعة وسلحفاة، وقد نشأت بينهما، مع الأيام، صداقة وطيدة، كانتا تلعبان وتتسامران معاً، وكانتا تحبان الغدير، لأنه كما تقولان: وطننا.
وذات مرة جاء صيف شديد الحرارة، وبدأ الغدير يجف، فدب الحزن والخوف في قلب الصديقتين، وخافت الضفدعة من الموت عطشاً، فقالت لصديقتها السلحفاة: يا صديقتي.. إذا بقينا هنا.. فسوف نموت.. وأنا لا أريد أن أموت.. يجب أن أهاجر.
فقالت السلحفاة بأسف: إلى أين؟
ـ إلى مكان آخر ..
ـ وتتركين الوطن؟
ـ إنني لا أريد أن أموت عطشاً ..
ـ ولكن دعينا أولا ً نبحث في وطننا عن الماء ..
فأجابت الضفدعة: لا يوجد فيه ماء..
ـ يجب أن نبحث..
ـ أنتِ مجنونة.. هنا لا يوجد سوى الموت..
أطرقت السلحفاة في حزن، ولم تتكلم، فقالت الضفدعة: هل تأتين معي؟
أجابت السلحفاة: كلا ..
ـ لا تكوني عنيدة.. تعالي معي ..
فقالت السلحفاة بإصرار: لن أغادر وطني.
وفي اليوم التالي كانت الضفدعة قد غادرت المكان، وعندما عاد الربيع، رجعت إلى الغدير، ووجدت صديقتها السلحفاة ما تزال تعيش على العكس مما تصورت، فدنت منها، وقالت بحزن: صديقتي العزيزة، كيف حالك؟
فقالت السلحفاة ، وهي تبتسم بفرح لصديقتها: أهلاً بك .. وأنتِ كيف حالك؟
ـ ألا ترين؟ لقد هزلت كثيراً.. أنهكني التجوال من مكان إلى آخر، ولكن أخبريني.. كيف عشتِ؟ ألم يجف الماء ؟
ـ لقد عشت فترة صعبة في البداية، ولكن الوطن لم يبخل عليّ، فقد بحثت فيه عن الماء حتى وجدته.. إن الوطن، يا صديقتي، لا يبخل على أبنائه إذا هم عملوا.. لقد حفرت في قعر الغدير.. بقيت أحفر عميقاً حتى تدفق الماء ذات يوم.. وظل يتدفق.. وعادت الحياة إلى جميع المخلوقات في المكان كما ترين.
فأطرقت الضفدعة في خجل: ولكن ها أنت قد عدت ثانية، ولنبدأ من جديد.
وهكذا عادت الصديقتان، السلحفاة والضفدعة، تعيشان معاً ، في سعادة، ولم تغادرا الغدير إلى الأبد.
" 2 "
ـــــــــــــــــــــ
القمر
رأت البومة القمر الفضيّ يستحم ليلاً في البحيرة، فغادرت وكرها المعتم، ودنت من الشاطئ، وصاحت به، وهي تنعب: أيها القمر، لماذا تستحم هنا؟ ألا تعرف أن هذه البحيرة لي؟
لم يحفل القمر الفضيّ بالبومة، ولم يصغِ إلى نعيبها المشؤوم، وظل يستحم في المياه، ويبتسم للأسماك الصغيرة، وهوام الليل المتطايرة السعيدة، فاستشاطت البومة غضباً، وصاحت به ثانية: اخرج من بحيرتي، اخرج وإلا قتلتك.
ولأن القمر الفضي لم يعطِ أذناً صاغية لها، ولم يخرج من البحيرة، أخذت البومة حصاة من الشاطئ، ورمته بها.
حين ارتج القمر في الماء، وغام وجهه الفضيّ، فرحت البومة، وظنت أن المياه قد ابتلعته إلى الأبد.
لكن القمر الفضيّ، ما عتم أن أطلّ من أعماق البحيرة، وراح يفرش ضياءه فوق مياهها الطيبة، ويبتسم للأسماك الصغيرة، والهوام الضاحكة .. السعيدة.
" 3 "
الثعلب والقبج
رأى ثعلب جائع قبجاً جميلاً يغني، فقال له: يا صديقي، أنت رائع إذ تغني، ولابد أنك أروع حين تنام، أرجوك .. أغمض عينيك، ودعني أراك نائماً.
فأغمض القبج الطيب عينيه، وهو يبتسم، لكن الثعلب المحتال قفز عليه بخفة، وأطبق بأسنانه القوية على عنقه، فقال القبج متوسلاً: أرجوك يا صديقي، ما دمت تريد أن تأكلني، مزقني بأسنانك، ولكن لا ترمني من أعلى الجبل.
ولأن الثعلب الملعون، يكره القبج الجميل، ويريد أن يعذبه، فقد صعد به إلى أعلى الجبل، ورماه من هناك، لكن القبج، الذي انطلت حيلته على الثعلب، فتح جناحيه القويين، وراح يحلق فوق الهاوية بسلام، وهو يصيح بالثعلب: حيلة بحيلة، لكني تعلمت، أيها الثعلب الملعون، ألا أغمض عينيّ أمام الأعداء.