فضاءات

حفل تأبيني مهيب في لندن للفقيدة بشرى برتو..

"طريق الشعب"
بعد حوالي سبعة عقود من النضال من أجل الشعب والوطن، غادرتنا الى الخلود يوم 13 تشرين الثاني 2017 الرفيقة بشرى برتو، بعد صراع مع مرض عضال، حال دون مواصلة عطائها. وتخليداً لذكرى هذه المرأة الباسلة، أقامت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا، مساء الأحد 3 كانون الأول 2017، حفلاً تأبينياً مهيباً للفقيدة في قاعة المركز الثقافي الايرلندي في همرسمث غرب لندن، اُلقيت فيه كلمات عديدة وقرئت برقيات تعزية وعرضت فيه شهادات، ووثائق ومقابلات تلفزيونية للفقيدة، وقدمت قصيدة شعرية وقطع موسيقية.
في بداية الحفل، أكد الإعلامي فلاح هاشم الذي أدار الحفل، ان الفقيدة رغم عمرها وطول نضالها فإن حلمها من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية لم يمت او يشيخ، وهو الحلم نفسه الذي مازال يراودنا.

بعدها بُثّت كلمة مسجلة للرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، عبّر فيها عن الأثر الكبير الذي تركه رحيل الرفيقة بشرى على أحبتها ورفاقها ومن كان على تواصل مباشر معها. وقال ان هناك إجماعا على دورها الرائد كمناضلة في الحركة النسوية وكامرأة شيوعية. وتحدث عن جوانب من شخصيتها ومواهبها المتعددة، والفترة التي امضتها في فرنسا، مشيراً الى ان الشيوعيين الفرنسيين يحملون ذكرى طيبة عنها وسيتلقون نبأ رحيلها بحزن كبير. كما أشار الى تأثيرها الكبير على وسط متنوع، ثقافي واجتماعي، وانها كانت شخصية نسوية بارزة ومن القلائل اللاتي شهدها العراق على مدى تاريخه الحديث.
وفي كلمة مسجلة أخرى بُثّت في الحفل التأبيني، قال الرفيق حميد مجيد موسى، السكرتير السابق للجنة المركزية، ان غياب العزيزة بشرى كان "خسارة حقيقية، فهي حتى الرمق الأخير كانت مع هموم شعبها. وبغيابها فقدنا شخصية فذة لم تبخل بجهدها وفكرها على امتداد حياتها في المساهمة بالنضال المضني ضد الاستبداد والظلم ومن اجل الحرية والتقدم. فهي ليست مناضلة رائدة في ميدان الدفاع عن حقوق المرأة وحسب، بكل ما تعنيه هذه المساهمة من حراك وتنظيم وبالذات في قيادة رابطة المرأة العراقية، ومساهم مميز في تنظيم صفوفها وصياغة برامجها وقيادة نضالها في المحافل الداخلية والخارجية، بل كانت شخصية باسلة في معارك شعبنا ضد الدكتاتورية. هكذا كان إسهامها، في العمل الحزبي السري، وفي النشاط الجماهيري الديمقراطي، في منظمة انصار السلام، وفي قيادة العمل المهني الديمقراطي للحزب الشيوعي العراقي، وفي حركة الانصار المسلحة في كردستان، وكقائدة في حزبنا. وهي المثقف العضوي اللامع والمترجم القدير الذي للأسف الشديد لم يسعفه الوقت والظروف التي عاشتها مع رفيق دربها العزيز الدكتور رحيم عجينة لإظهار كامل مواهبها في هذا المجال ولنشر كامل انتاجها". وختم كلمته قائلاً "ستبقى ذكرى العزيزة بشرى خالدة في نفوس رفاقها ومحبيها ورمزاً فريداً لنساء العراق في النضال لتحقيق مطامحهن النبيلة".
بعدها قرئت برقيات تعزية من السيد فؤاد معصوم رئيس الجمهورية، والرفيق فرج اطميزه الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، والرفيق خليل يوسف رضي الأمين العام للمنبر التقدمي في البحرين
وعرضت في الحفل أجزاء من مقابلة تلفزيونية مطولة اجراها مع الفقيدة بشرى برتو الفنان علي رفيق، تحدثت فيها عن نشأتها في البصرة، وبدايات تطور وعيها السياسي في كركوك التي انتقلت اليها مع عائلتها، وتأثرها بأحداث وثبة كانون 1948، وعن محطات مهمة في نشاطها الطلابي وحضورها تأسيس اتحاد الطلبة العام في مؤتمر السباع في نيسان 1948، وانضمامها الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي.
وقدمت الفنانة سوزان خالد مقطوعة على الفلوت بعنوان (حنين) أهدتها الى الفقيدة بشرى. وألقى الدكتور صباح جمال الدين قصيدة بعنوان "رثاء الرفيقة بشرى برتو"، جاء فيها:
الحزب والشعب في حزنٍ لمثواها والرابطية تبكي اليوم (بشـراها)
لكنهـــا لم تمت، بشـرى بخافقنــا تحيا الخلود، بقلب الشعب محياها
وقدم الفنان إحسان الإمام مقطوعة موسيقية على العود مهداة الى روح الفقيدة.
توالت بعدها كلمات من قبل السيدة مها العطية عن رابطة المرأة العراقية في بريطانيا، والسيد هاشم الهاشمي ممثل تنسيقية التيار الديمقراطي العراقي في بريطانيا، والسيدة فوزية العلوجي عن المنتدى العراقي في بريطانيا. وقدّمت كلمة رثاء من الرفيق عادل حبه ألقاها ابنه سلام.
كما القى الرفيق عبد الرزاق الصافي كلمة قصيرة مؤثرة عن السيرة النضالية للرفيقة الراحلة بشرى. وقال "تعرفت على الفقيدة في النصف الثاني من عام 1948". واشار الى دورها في انتفاضة تشرين في 1952 عندما كانت في كلية الصيدلة التي شهدت اضراباً طلابياً تم قمعه وكان الشرارة التي فجّرت الانتفاضة. واشار ايضاً الى مساهمتها في الحركة الانصارية في الثمانينات، وكان من بين اعمالها المساهمة بتحرير جريدة "نهج الانصار".
وتضمن برنامج الحفل كلمة للرفيقة بلسم عجينة تناولت فيها بعض الصفات المميزة في شخصية الفقيدة، وحبها للناس وتعاملها معهم بتواضع وعدم توانيها عن تقديم المساعدة للآخرين. وقدمت السيدة نازنين قفطان ذكريات جميلة عن الراحلة بشرى التي كانت صديقتها المقربة. والقيت ترجمة لرسالة تعزية من السيدة فران هيزلتن، سكرتيرة حملة "كاردري"، التضامنية مع الشعب العراقي ضد القمع والدكتاتورية، التي انطلقت في بريطانيا في اواخر السبعينات واستمرت الى اوائل التسعينات. وقدمت كلمة لرابطة الانصار الشيوعيين القاها الرفيق سمير طبلة وكلمة منظمة الحزب في بريطانيا القاها الرفيق معن كدوم.
واختتم الحفل التأبيني بكلمة مؤثرة القاها الدكتور فاروق برتو، شقيق الفقيدة. وأشار الى انها امتازت بالذكاء منذ نعومة أظفارها، وكانت تحب القراءة، واستطاعت خلال وجود العائلة في كركوك ان تحصل على عدد من الكتب التقدمية. وبعد انقلاب 1963 كان صوتها يهز مضاجع الجلادين من خلال إذاعة "صوت الشعب العراقي" في براغ. وقال "كان جلاوزة الحرس القومي في المعتقل يسألوني ما الذي تريده اختك منا؟. فقلت لهم: اسألوها انتم!".
وأضاف د.فاروق "كثيراً ما كنت احميها من الملاحقات واحاول ان اخفيها في بيتي أو بيوت الأصدقاء". وأشار الى أنه "بعد ان اصدرت مديرية التحقيقات الجنائية في العهد الملكي موسوعة عن الحزب الشيوعي العراقي، فقد ورد فيها اسمي واسم بشرى، ولكي لا يطلع والدنا على هذا الملف، قمنا بتمزيق تلك الصفحات
وألقى المشاركون في الحفل التأبيني الضوء على محطات مهمة ومشرقة في حياة هذه المرأة الشيوعية الشجاعة الباسلة. فبشرى ارتبطت بالحركة الديمقراطية والحزب مبكراً، وكانت من جيل الرواد الذي حملة شعلة التنوير والتقدم، ولعبت دوراً متميزاً في الدفاع عن المرأة، وكانت مع الراحلة الدكتورة نزيهة الدليمي من مؤسسات رابطة المرأة العراقية. وقد عرفت بحضورها في نشاط الشبيبة ومنظمة السلم العالمي، وفي حركة الأنصار.
وكان للفقيدة حضور متميز في الدفاع عن حقوق العراقيين اللاجئين في بريطانيا من خلال عملها في المنتدى العراقي. ليس هذا فحسب بل هي وثّقت جرائم النظام السابق في كتاب (كي لا ننسى). وهذا يعد امتداداً لعملها ضد القمع والإرهاب بعد انقلاب 8 شباط 1963 الأسود.
ورغم ما تعرضت له الرفيقة بشرى من ملاحقات من قبل اجهزة الأمن، لم يثن عزمها في مواصلة النضال، فظلت مخلصة ملتصقة بالحزب، رغم ما أصابها من مرض وفقدان رفيق حياتها الدكتور رحيم عجينة.