فضاءات

حكاية الطبيب الحلي عبد الأمير علوش / طارق حسين

يحظى الطبيب عبد الأمير علوش بشعبية واسعة النطاق في اوساط المواطنين بمحافظة بابل، لما يتمتع به من حس انساني قل نظيره في هذا الزمان. فهو الوحيد من بين أقرانه الذي يولي اهتماما خاصا بالفقراء ويعالج المرضى منهم مقابل أجور رمزية تكاد لا تذكر.

وحتى هذه الأجور البسيطة جدا، وهي لا تزيد على خمسمئة دينار، غالبا ما يستثنى منها من هم تحت خط الفقر.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد, إنما يعفيهم من دفع مبالغ الدواء، عبر "إشارة رمزية" اتفق عليها مع صاحب الصيدلية المجاورة له.
بعيدا عن الأضواء، أثارت شخصية علوش المميزة بسلوكها السوي فضول الكثير من الإعلاميين فحاولوا الالتقاء به.
لكن أياً منهم لم يفلح في تحقيق ما يصبو إليه، ولولا تدخل الأستاذ عبد الرزاق حمود احد مجايليه لصالحي, لما تحقق لي انا ايضاً هذا اللقاء وجها لوجه مع الحقيقة في عيادته المتواضعة, لفت انتباهي خلو جدرانها البيض من الشهادات التقديرية بتوقيع من تشافوا على يده، مثلما يتباهى الكثير من أقرانه، ومن طبعات الحناء كتلك التي يضعها الناس على جدران وأبواب أضرحة الأئمة الأطهار، تعبيرا عن تحقق "المراد". ورغم تقاطر المراجعين عليه لم يستعن بسكرتير للقيام بتلبية احتياجاته وتنظيم أدوار المرضى، كأنه لا يريد أن يضع بينه وبين المريض حلقه زائدة قد تفسد العلاقة الحميمة بينهما، كل شيء هنا أبيض وبريء كقلوب الفقراء أول الغيث ..
الدكتور علوش من مواليد الحلة 1938, ومن أسرة اشتهرت بالثراء وهو شقيق وزير الصحة السابق صادق علوش. تخرج من كلية الطب عام 1962، شغل مناصب عدة خلال وجوده في الخدمة العامة أهمها: مدير عام صحة بابل ومدير مستشفى الحلة الجمهوري.
قبل ان يأذن لي بالحوار قال لي: سأمنحك الفرصة التي لم أمنحها لغيرك من قبل، لأنني أثق كثيرا بـ"المؤسسة التي تعمل لصالحها". ورفضي الحديث مع الصحفيين ليس غرورا مني، إنما لا أحب الحديث عن نفسي، كما لا أريد أن أكون مادة إعلامية يباع ويشترى بها!.
ولماذا أنت متحسس من الأعلام؟، مع أنك تقوم بعمل إنساني جدير بالاحترام، وان واحدة من مهام الإعلام هي تسليط الضوء على الجوانب المشرقة في حركة الحياة بهدف إشاعتها بين الناس.

لا.. أبدا, إنما لا أرى هنالك ضرورة لكل هذا الاهتمام بي, ما أقوم به لا يخرج عن أصل القاعدة التي تفرض علي وعلى غيري من العاملين في هذا الحقل، التحلي بالمسؤولية وايلاء المريض أكبر قدر من الرحمة, ألم يسمونا ملائكة الرحمة؟

لكن الواقع العام عكس ذلك تماما.

أنا غير معني بهكذا واقع، فيه خروج على أصل القاعدة.

ما سر الـ (الخمسمئة دينار)؟ وهل صحيح انك تعتز بها بسبب اقترانها من وجهة نظرك بـ(النصف دينار ) من أيام زمان، يوم كان الزعيم عبد الكريم قاسم لا يملك من المال سواها؟

غير صحيح, وفي اعتقادي هذا يدخل من باب التأويل الشعبي الذي يتميز به المجتمع العراقي, مع احترامي لشخص الزعيم عبد الكريم قاسم الذي أكن له كل الحب.

ما هو دخلك من العيادة؟

ثلاثون ألف دينار مقابل فحص ستين مريضا بين فترتي الصباح والمساء، ثلثها الأول يذهب لإيجار العيادة, وثلثها الثاني لي، وأما ثلثها الأخير فيذهب للاستثناءات ومستحقات الدواء.

غيرها ؟

مرتبي التقاعدي حصيلة خدمتي التي تجاوزت فيها السن القانوني.

هل أنت غني إلى هذا الحد؟

اذا كان المقصود بالغنى وفرة المال، فأنا أفقر الأطباء في العراق، ولست من أصحاب الأرصدة في البنوك, ولا من أصحاب العمارات، أما إذا كان المقصود غير ذلك, فلدي ما هو أهم بكثير من ذلك

ما هو ؟

سعادتي التي لا استبدلها بمال الدنيا.

هل أنت سعيد؟

جدا, وخاصة عندما أشعر برضا الناس عني.

ماذا تقول لمن تتجاوز اجورهم عشرات المرات أجرة فحصك؟

أنا لست وصيا على أحد, ولكل منا قناعاته التي يعمل بها , لكنني أوصيهم خيرا بالفقراء

هل من كلمة أخيرة تود قولها ؟

لا تقوّلني ما لم أقل.

إطمئن, وكما وعدتك.

شكرا على صراحتك، شكرا على أمانتك.