فضاءات

رحيل محزن للمربي ناصر المعموري / رحيم الحلي

بتاريخ 18-10-2013 خسرت مدينة الحلة ، أحد اطيب رجالها ، وأحد أقمارها التربوية ومناراتها اليسارية الاستاذ ناصر حسين ناصر المعموري ابن اسرة بابلية احبت الثقافة وعشقت اليسار وسارت في دروبه الوعرة لأنها وجدت فيه انتماءاً للناس والفكر النير ، ولد عام 1951 في قرية عنانة هذه القرية الغافية في بساتين الحلة وتتنفس عطر حضارة بابل ، درس في مدرسة عنانة الابتدائية ثم اكمل تحصيله الدراسي في اعدادية الحلة ، ثم اكمل تعليمه في معهد التعليم في اربيل ، مارس التعليم في قرى محافظة بابل في قرى جبلة ، كان تربوياً نموذجياً ، عند اكماله ثلاث سنوات في الريف جاء امر نقله الى مركز المدينة راجع مديرية تربية بابل لإلغاء النقل لأنه رغب باكمال مشواره التعليمي في مدرسته الريفية مع الطلاب الذين ابتدأ معهم في الصف الاول واستمر الحال معه ستة عشر عاماً ، كان يصرف من جيبه الخاص على تهيئة وسائل ايضاح ويعمل خلال مبيته في المدرسة على اصلاح المقاعد المتكسرة ، انتمى للحزب الشيوعي مطلع السبعينيات وكان عنصراً فاعلاً في تنظيمات الحزب السرية ، تعامل مع طلبته كما يتعامل مع اولاده حيث كان يقوم بتقليم اظافر طلابه وتمشيط شعرهم ويجلب قراصات شعر للطالبات الفقيرات ، كان يهتم بتحسين نظافة المدرسة ، كان يكنس الصف قبل خروجه في الحصة الاخيرة ويكتب عنوان الدرس لليوم التالي وحين يناديه زملاؤه للذهاب كان يطلب منهم الذهاب او انتظاره حتى تنظيف الصف وحتى يقفل باب الصف بيديه ، حين يعمل في مدرسة يتقرر تعيينه فيها ، يقوم بإنشاء حديقة للمدرسة و يقوم بزراعتها وتحسين منظرها حين يجدها مهملة ، انه احد اولئك الذين أمنوا بان التعليم عمل تربوي ابوي وليس مهنة او حرفة ، ، كان يساعد الفقراء من الطلاب والأصدقاء والأقرباء ، ذات يوم جاءته ام لأحد طلابه المتأخرين دراسياً من اجل انجاحه في الامتحان فراح الاستاذ ناصر يعمل على اعطائه دروساً في المدرسة اثناء العطل والاستراحات ، حين عاد الى التعليم عام 2004 بعد خمسة عشر عاماً من الانقطاع شعر بالحزن الى حد البكاء لما رأى تراجع المستوى التعليمي ووجد الطلاب وهم في الصف السادس لا يجيدون كتابة اسمائهم . حاول ان ينقل قيمه ومفاهيمه التربوية والحياتية الى طلابه ، كان وفياً لمبادئه ، كتب الكثير من الاصدقاء قصائد رثاء منهم الاديب الدكتور أسعد النجار ، الشاعرة حسينة عباس ، الشاعر ناظم البكري ، الدكتور وليد الزبيدي .....
كتب الاديب الدكتور أسعد النجار في رثائه
سمعت بموته ففقدت رشدي وسرت مسائلا من دون قصد
وناصر ان فقدناه سيبقى
نزيل القلب يعطر مثل ورد
كريم النفس محمود المحيا
رقيق الطبع يصدق كل وعد
كتبت الشاعرة حسينة بنيان في يوم رحيله كلمة في رثائه.
(ناصر ..اليوم هو ثالثك ياأخي ..سأقول لك كما تقول القلوب (أسم الله على أسمك ) وياسين...سأقرؤها لك دائما وأبدا ..سأهديك ايها المناضل كلمات لا تحتمل الهذيان بل تخلقها الروح لينطق بها القلب ...أعود الى بداية السبعينيات وأنت تطرق بابنا ليلاً لتدسَّ في يدي منشورات ال (.....) كان31 آذار ...حسينة يجب ان توصليها ...انشريها ..وزعيها في مدرستك...يجب أن يعلم الجميع ..أننا موجودون...أخذت المنشورات وانا مغمورة بشعور الفرح والخوف..هذه صورة لك ياعزيزي ..صورة واحدة فقط...
من صور الوفاء والحب له عند سماع طلاب مدرسة وأهالي النيل التي غادرها قبل خمسة عشر عاما اصروا على اقامة مجلس عزاء إلا إن عائلته اقترحت تأجيل الاربعينية ، رغم مرضه ودراسته للقانون مسائي كان مواظباً على اعطاء الدروس الاضافية لتلامذته خلال ايام العطل الاسبوعية ، اكمل دراسة القانون مسائي وحصل على شهادة البكالوريوس قبل شهر من وفاته ، سلاماً لك ايها الورد الراحل والنابت في قلوب الناس ودروب الوطن ، ستبقى معلماً كبيراً تتذكرك اجيال حلّية عرفتك وأدركت معانيك الكبيرة.