فضاءات

باعت صيدلياتها لتزرع البسمة على شفاه أطفال العراق / كمال يلدو

يسمونها «ملاك الرحمة»! تقول إعلاناتها في الراديو والتلفزيون بأنها مستعدة لمساعدة اللاجئين العراقيين بتقديم التخفيضات لهم وايصال الأدوية لمنازلهم، كذلك الحال مع اصحاب الدخل المحدود او مع المواطنين الذين لا يملكون التأمين الصحي بسبب ارتفاع تكاليفه.
قصتها مع العراق لم تنته يوم هاجرت مع عائلتها أواخر السبعينيات الى الولايات المتحدة، بل بدأت حين رأت في الحصار الذي تعرض له العراق في عقد التسعينيات «كابوسا»، لابد من أن تقوم بعمل ما للتخفيف من آثاره على الناس، فبدأ المشروع الخيري الكبير للصيدلانية العراقية المقيمة في الولايات المتحدة نضال كرمو، حين أرسلت وبمبادرات فردية عدة شحنات من الأدوية، عسى أن تخفف من متاعب العراقيين، متمسكة بمقولة رائعة للفنان الأمريكي جيمي دين:» ربما لا استطيع تغيير اتجاه الريح، لكني سـأضّبط أشــرعتي من اجل الوصول لغايتي المنشودة».
ولدت نضال في بغداد، وانهت دراستها الثانوية هناك وقبلت في الجامعة التكنلوجية اواخر السبعينيات، وفي السنة الأولى قررت عائلتها الرحيل للولايات المتحدة. وهناك ورغم ما يواجهه المهاجرون الجدد من صعوبات مالية او لغوية، أكملت نضال كلية الصيدلة، وعملت في كبريات الصيدليات المنتشرة في مدينة ديترويت، قبل أن تفتح بنفسها أول صيدلية خاصة عام 1995، متحدية بمثابرتها وعملها الجاد والمضني ومساندة الناس لها، المنافسة الشديدة مع كبريات الصيدليات، حتى صار اسمها شائعا ومتداولا بين اوساط الجالية والأطباء.
ورغم الإنشغالات الكثيرة، لم تنس الوطن الغالي، وأرعبتها ما كانت تسمعه عن الظروف الصعبة التي تعيشها بعض القطاعات الشعبية، فهرعت للبحث عن المنظمات والجمعيات الخيرية الأنسانية الأمريكية التي يمكن ان تساعدها في توفير الأدوية وبعض المستلزمات الطبية مجانا، ونجحت في مساعيها وراحت ترسل الأدوية للعراق. لكن مع كل كمية ترسل كانت تأتي طلبات أكبر، في ظل خراب القطاع الصحي، وانعكاسات الحصار على توفر الأدوية الجديدة وغير المزورة.
في العام 2003، إستبشرت نضال خيرا، وتمكنت من الحصول على «شاحنتين كبيرتين» من الأدوية والمعدات الطبية من إحدى كبريات المؤسسات الخيرية، وأرسلتها فرحة للوطن. عن تلك اللحظات تقول نضال:
 انتابني شــــعور انفعالي طفولي، لا ادري، صرت ابكي ثم اضحك. ان هذه الشحنة تعني وصول الأدوية لآلاف الناس المحتاجة، لكن بقيت المشكلة قائمة في كيفية ايصالها للعراق، وللجهة الصحيحة والمسؤولة، خاصة وقد أصرت الجهات الرسمية على استلام الشحنات إذا ما صرفت عليها اجور الشحن، ولم يكن هناك ضمان أن تصل تلك الأدوية لمستحقيها في بعض القرى والمحافظات المنسية. فتوجهت لأبناء الجالية وإستقطعت من وارداتي لتغطية إجور الشحن.
كان شرط الجهة المانحة ان تقوم نضال بمرافقة الشحنة حتى تتم عملية التوزيع من اجل ضمان التبرعات في المستقبل. وهذا ما تم بالفعل. وتمضي السنين وتتكرر التبرعات وتتكرر زيارات نضال للوطن حتى وصلت الى (12) رحلة. وحين شحت الواردات، لم تتردد في بيع صيدليتين من صيدلياتها الثلاث لتغطية تكاليف نشاطها الخيري هذا.

عند سؤالي لها عن غايتها من هذا العمل، الذي هو عمل انساني صرف أجابت:

عاهدت نفسي منذ البداية على مساعدة الفقراء العراقيين، بعيدا عن السياسة ومشاكلها، لقد نفذت كل ما وعدت به ،فاكثر ما يهمني هم اطفال العراق، لقد شاهدت معاناتهم بعيني اثناء زياراتي المتكررة..أحلم ان ابني في العراق مستشفى لعلاج امراض السرطان عند الأطفال. ولا اخفي ســرا ان قلت، اني واثقة من قدرتي على زرع السلام والتآخي في العراق. لقد تعاملت مع كل مناطقه بذات المحبة.
المشاريع الأنسانية التي اشتركت بها السيدة نضال كرمو لم تقتصر على العراق فقط بل قامت مؤخرا بزيارات مع شحنات من الأدوية لمخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، وترعى مشروعا صحيا كبيرا للاجئين السوريين في كردستان العراق، كما كانت لها مساهمات خيرية في دولة الهندوراس.

وماذا بعد؟

أطمح لمشروع انساني في الناصرية، فأن لي صداقات وعلاقات كثيرة في مدينة ديترويت مع ابناء الجالية بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم.
لقد جلب نشاط الصيدلانية نضال كرمو انظار العديد من المسؤولين والمنظات الخيرية الأمريكية فكوفئت بالعديد من الجوائز والأوسمة التقديرية، تقديرا لجهودها وعملها الأنساني الكبير، وصلت الى (14) جائزة، وهي تعد من الوجوه البارزة ليس على صعيد منظمات الجالية فقط، بل حتى على صعيد المؤسسات الأمريكية المعنية في ولاية مشيكان او في العاصمة واشنطن.

وعند سؤالي لها عن دعم الجالية قالت:

لا ابيح ســرا بالقول من ان الجالية فخورة بما اقوم به من جهد، وهم يشدون على يدي كلما اصادفهم في المناسبات والتجمعات، لكن هذا لا يكفي، فأن الشاحنات تكلف اموالا كثيرة من اجل ايصالها للجهات والناس المحتاجين لها. وللأسف لم اجد الجهة العراقية التي تستطيع مساعدتي ويبقى السؤال: من الذي سيدفع لأيصال المساعدات الى العراق؟ بالحقيقة هذا هو الأمر الذي يؤرقني ليل نهار.
ولكن هل جعلتك هذه التكاليف الباهظة تندمين؟

انا اسعد انسانة في العالم، رغم اني تعبانة، لكني سعيدة جدا، ويكفيني «دعاء» العراقيين والعراقيات لي ولعائلتي بالخير والبركة. إن فرحهم وضحكتهم والأمل الذي اقرأه في عيونهم يزيل عني كل الهموم وكل مشاكل الحياة والعمل. أتمنى أن ينال الكثير من العراقيين ذات السعادة بأن يستثمروا وجودهم في هذا البلد (الولايات المتحدة) لمساعدة اقرانهم في العراق او حتى في دول «الأنتظار» مثل سوريا والأردن وتركيا ولبنان ومصر، فهناك الكثيرون ممن انقطعت بهم الطرق، فلم يعودوا يتمكنوا من الرجوع للعراق والعيش به، ولا تسير معاملاتهم بالسرعة التي تزيل عنهم ازدواجية العذاب بالغربة ومشاكلها.