فضاءات

وداعا يا رفيق العمر" / صلاح عدلي*"

عرفت "حسين اشرف" هذا المناضل الجميل والصديق الوفي في سجون السادات حين كان فتى في اوائل العشرينيات متحمسا مقبلاً على الحياة، وذلك منذ أكثر من ثلاثين عاما وبالتحديد في ينايرعام 1981 أثر حملة قمع امنية واسعة لكوادر الحزب الشيوعي المصري ،وتجاورنا في نفس العنبر في سجن مزرعة طرة حوالي ستة أشهر لم أره فيها الا انسانا راقيا متفائلا ومناضلا صلبا مؤمنا بافكاره الماركسية وبأن الاشتراكية هي الطريق لخلاص الوطن والبشرية رغم أنه لم يعان في حياته بشكل مادي بل كان من أسرة ثرية ، ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي عرف فيها حسين السجون والمعتقلات حيث استمر ضيفاً في سجون مبارك ايضا في العديد من المرات خلال الثمانينات.
ومنذ ذلك الحين وحتى رحيل حسين استمرت صداقتنا العميقة تتوطد وتتعمق،وكل يوم وأنا أكتشف في هذا الانسان أبعادا رائعة تجسدت في مواقفه السياسية المنحازة للعمال والكادحين واهتمامه المستمر بالثقافة والادب والفن وتشجيعه الدائم للشباب، وكم جمعتنا عشرات من الامسيات الشعرية والغنائية حين كنا نستضيف الثنائي العظيم الراحل "نجم وامام" وكذلك اعضاء من مؤسسي فرقة اسكندريلا في امسيات خاصة ، وكان ايضا صاحب فكرة انشاء نادي سينما افاق الذي لعب دورا في تثقيف وتوعية الشباب بالفن السينمائي الراقي .
وكم دارت بيننا بشكل مستمر العديد من النقاشات العميقة والجادة في المواقف والظروف العصيبة التي مرت بها بلادنا . كنا نتفق عادة ونختلف احيانا واشهد ان صديقي واخي العزيز حسين اشرف لم يفقد البوصلة الصحيحة التي كنا نتفق حولها في نهاية الامر ولم يحدث لمرة واحدة ان حدث بيننا شقاق او خصام طوال هذه الرحلة الطويلة .
ولن انسى مواقف حسين اشرف حين اتخذنا قرارا بتأسيس "مركزافاق اشتراكية " في جلسة رائعة في "دار الثقافة الجديدة" جمعتنا مع الرفاق العظام الراحلين "محمود امين العالم ومحمد الجندي وعريان نصيف وبهيج نصار" وكان معنا ايضا "صلاح السروي وبهيجة حسين واحمد عبد القوي" ولقد كان حسين متحمساً بشدة لتأسيس المركز وساهم معنا بدعم مادي وعيني ملموس وتشجيع سياسي وفكري كبير كما ساهم كذلك في تأسيس مكتبة المركز واصدار مجلة "افاق اشتراكية" وحضور ندواتها والمساهمة في الكتابة فيها ولم يبخل حسين دوما بأي جهد أو دعم وكان يقول دائما أن هذا حق الرفاق عليه وأن هذا واجبه وكان يرفض اي كلمة شكر أو ثناء من اصدقائه ورفاقه على هذا الجهد والدعم الكبير.
كما أشهد ايضا أن حسين اشرف كان من أكثر أبناء جيلنا وفاء للحركة الشيوعية ولجيل الاربعينيات والخمسينيات . كان حريصا على التعلم منهم والتواصل معهم حتى أخر ايامهم وكان دائما يتصل بي لكي يذكرني بمواعيد احياء ذكراهم ويصر على ضرورة زيارتهم اثناء مرضهم واتذكر أننا زرنا منذ اشهر قليلة الرفيق الراحل عريان نصيف قبل وفاته بايام معدودة في منزله بطنطا وكان هذا بمبادرة من الرفيق الجميل حسين اشرف، وكان الى جانب اهتمامه بجيل الشيوعيين القدامى حريصا على تشجيع الشباب والحوار معهم بتواضع ودون تعال، وكان يؤكد لي باستمرار على ضرورة تجديد دماء الحركة حتى نكمل المسيرة التاريخية التي بدأها الشيوعيون منذ أكثر من مئة عام.
وكان الى جانب علاقتنا الرفاقية صديقا حميما يواسيني حين كنت اشكو له من تصرفات بعض الاصدقاء ومن تعقد وصعوبة الظروف، والحقيقة أنني كنت اخرج اكثر تفاؤلا حين كنت أراه واتحدث معه.
ولا يسعني الا أن أتقدم بالتعازي الى أسرته وأبنائه ورفاق دربه في حزب التجمع والحزب الشيوعي وكل أصدقائه في الحركة الاشتراكية.
وداعاً أيها الرفيق والصديق والاخ الغالي ولن ننسى أبدا مواقفك معنا، ولتبقى ذكراك مضيئة دوما بسبب مواقفك الشجاعة دفاعا عن شعبك ورفاقك وأصدقائك ودفاعاً عن افكارك النبيلة التي ظللت مخلصا لها حتى النفس الأخير .
* السكرتير العام للحزب الشيوعي المصري.