فضاءات

شمعتان من مدينة البرتقال / أرينا قاسم وأبراهيم التميمي

عندما نتكلم عن التاريخ الحافل للحزب الشيوعي العراقي , لا بد لنا من وقفة مع المرأة الشيوعية , التي تحملت الكثير وضحت بالكثير وأثبتت للعالم اجمع أنها قادرة على العطاء. نحن هنا نتذكر رفيقتين ضحتا بأعز ما يمكن، فكان خير عطاء لحزبنا العريق وتأريخهُ المشرف. ولمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد الحزب لا بد من وقفة مع الشهيدتين اللتين قدمتا تلك التضحية من اجل استمرار مسيرة النضال ضد القوى المتغطرسة, التي تبّيت الموت والدمار لكل شيء جميل في هذا الحياة. في محافظة ديالى, وبالتحديد في مدينة بهرز، كانت لـ "طريق الشعب" وقفة مع عائلة الشهيدتين (رجاء مجيد) و(كوثر مجيد)، بأمل أن نسمع قصة اختفائهما الغريب في زمن الظلم والظلام. التقينا شقيق الشهيدتين فحدثنا قائلاً بأنه هو من دعم رغبة الشهيدة رجاء في الانضمام للحزب ورشحها لعضويته, وذلك في عام 1970 وكانت هي من مواليد 1951، تعمل مهندسة زراعية، ولديها طفلان (سلام ورندة) اللذين يعيشان الآن خارج العراق، وكان زوجها فلسطيني الجنسية.
كانت رفيقة مناضلة معروفة ببسالتها وبساطتها مع الناس وتحب الفلاحين والفقراء وتوزع جريدة "طريق الشعب" على رفيقاتها في تنظيم بهرز التابع للحزب الشيوعي العراقي، كما توزعها على الأصدقاء. تم اعتقالها عام 1979 في كراج باب المعظم في بغداد من قبل الجهاز الأمني للنظام البائد, ولم نعرف مصيرها لغاية اليوم. أما عن الشهيدة كوثر، فقد حدثنا شقيقها قائلاً أنه بعد اعتقال الشهيدة رجاء بأيام تم تطويق منزل العائلة من قبل مفرزة من الأمن مكونة من 28 شخصاً يقودهم نقيب من أهالي ديالى. طرقوا الباب فخرجت (كوثر)، قالوا لها (هل أنت كوثر ) أجابتهم (نعم أنا كوثر)، فاعتقلوها وكانت هناك آلة (غيتار) معلقة على احد جدران المنزل، فإذا بضابط الأمن ينزلها ويعزف عليها معلناُ بأنها "معزوفة النهاية".
واضاف شقيق الشهيدتين انه بعد فترة التقى باحد الرفاق المطلق سراحهم من السجن، حيث قال له بأن (كوثر) كانت في الزنزانة المجاورة لزنزانته, وكانت ترتدي بجامة حمراء وقد تم تعذبيها على ايدي الجلاوزة, وكان هو يسمع صراخها وهي تصيح بهم ( لا يا أولاد الكلب). وبعدها لم يسمعوا عنها شيئاً.
وقال شقيقها ايضاً نحنُ عائلتها لم نعرف شيئاً عن مصيرها منذ اعتقالها، علماً بأن كوثر كانت تعمل في مطبعة الرواد التابعة للحزب، وكانت عضواً في اتحاد الطلبة العام , وكانت محبوبة وتملك حس الدعابة والسخرية بشكل عفوي . وهي من مواليد 1955، وأيضاً رشحتها بنفسي للحزب عام 1975. وكانت تدرس بثانوية بعقوبة المركزية، وتم ترشحيها بوقتها إلى المدرسة الحزبية في موسكو .
***
هكذا اختطفت الشقيقتان الشيوعيتان رجاء وكوثر من قبل قوى القمع الصدامية، واختفت آثارهما.. حتى اليوم!
لكن ذكراهما ظلت وتظل حية في قلوب رفيقاتهما ورفاقهما الوطنيين وكل المخلصين من ابناء ديالى والعراق بأسره، فضلاً عن عائلتهما واصدقائهما في بهرز- مدينة البرتقال.