فضاءات

د. موفق داود: لا تسير سيارة "جـي ام" الا وفيها شـــئ منــّي! / حاوره : كمال يلدو

حـاز على اعلى لقب هندسي في مجال الهندسة التقنية، أي "مهندس زميل" وذلك من خلال عمله في مختبر البحوث لشركة (جنرال موتورز) الأمريكية لصناعة السيارات، وفي جعبته (30) براءة اختراع و (50) اختراع ينتظر المناظرة عليها من اجل اقرارها لتدخل في ســـجلات حصاده العلمي المتميز، وفي العام 2012 وحده، حصـــد على (13) براءة اختراع في اجزاء مهمة تابعة لماكنة السيارات وأدواتها ومازال يقول: ان مشواره مع العلم والإختراعات يبقـى مفتوحا على كل الإحتمالات!
إنه الدكتور موفق داود الذي ولد في بغداد عام 1946 في واحدة من اجمل مناطقها وأكثرها شـــعبية، (عكد النصارى) وأدخلته عائلته الى مدرســة اللاتين هناك حتى الصف الثاني، وبسبب من طبيعة عمل والده الذي كان مدير محطة في السكك الحديدية، فقد تنقل بين عدة مدن وخاصة في جنوب العراق، مثل البصرة والرميثة والسماوة و الناصرية. أكمل دراسته في ثانوية المعقل بالبصرة، و كان الاول على دفعته عام 1963، مما أهله لزمالة دراسية الى يوغسلافيا في علوم الهندسة الميكانيكية، تصميم أجهزة المكائن الحرارية. عاد الى العراق وعمـل عدة سنوات في مجال ادامة و تصميم أجهزة التبريد المركزية في " شركة الالبان العراقية" و مؤسسات أخرى. ألف كتاب عن أجهزة التبريد و التكييف آنذاك.، قبل ان يغادر الى أنكلترا عام 1975 لدراسة الدكتوراه في مجال فيزياء المعادن في جامعة " شيفيلد"، وكان اختصاصه في مجال معادن الطاقه النووية. تخرج عام 1980 وسافر بعدها الى الولايات المتحدة للتدريس في جامعة Michigan Technological University، وبعدها ومنذ عام 1983 وهو يعمل في مختبرات البحوث في شركة جينرال موتورز. نشرت له الكثير من الابحاث حول مكونات المعادن و تصنيع المحركات، و الفرامل والاهتزاز و تخميد الصوت و علم الاحتكاك في المفاصل لمواد المغنيسيوم و الألمنيوم وغيرها. حاز على عشرات الجوائز من الشركة ومن مؤسسات وجمعيات أمريكية اخرى. أهم انجازاته هو أكتشافه لسبيكة معدنية ACuZinc جديدة لها خواص محسنة و مميزة تفوق قدرات المعادن، اذ انها تكبس بدقة عالية وبدون أجراء عمليات مكلفة، وتدخل في تصنيع السيارات و غير السيارات، وقد كتبت مقالات كثيره عنه وعن اختراعه هذا. منح شهادة تقديرية كبرى من قبل National Association of Die Casting. تثمينا لمساهماته الاستثنائية بأكتشافه السبيكة الجديدة، وهو حاليا عضو في الهيئة الهندسية والفنية المشرفة على تصنيع المحركات الكهربائية و تطويرها بخصائص متفوقة.
عن حكايته مع الزنك يقول (لمعدن الزنك خواص فريدة بين اقرانه، فهو ينصهر بدرجة حرارة منخفضة قياسا بالمعادن الأخرى، وعند تعاملنا معه في عملية الصب، فأنه لا يترك اية زيادات، اي انه يمتاز بالنظافة وهذا يساعد في تقليل عملية التنعيم او كما نسميها باللهجة العامية (الجرخ)، هذه المواصفات تساعد على انتاج اشكال معقدة يصعب انتاجها مع المعادن الأخرى، لكن المصيبة هي ان الزنك معدن ضعيف! والحل في اختراعنا للسبيكة الجديدة ACuZinc والتي يدخل فيها معدن الزنك كمادة رئيسية، وهذا المعدن الجديد يضاهي الحديد بقوته، ويمكن اذابته بدرجات حرارة اقل من الحديد وصار بالأمكان (صب) اشكال كان من الصعب جدا في السابق صبّها نتيجة لدرجات الحرارة العالية او لشكلها المعقد.
استغرق بحثي في معدن الزنك وسبيكته الجديدة حوالي (6) سنوات، وأصبح الأختراع مدونا في مركز (الستاندرد الأمريكي)، ويمكنني القول بأن المعدن الجديد قد دخل في عشرات الأجزاء المهمة من السيارة او الماكنة ويعمل بنجاح فائق، ومنها السكة التي يمشي عليها الكرسي، مقود السيارة (الستيرنك)، مفتاح السيارة، اجزاء في الماكنة وغيرها. وربما الأهم من ذلك هي صناعة القوالب التي تصنع هيكل السيارة والتي كانت تصنع من معدن يتآكل بسرعة قياسا للمعدن الجديد مما وفر اموالا هائلة للشركة. وقد قامت شركات عملاقة مثل شركة (جان دين) لصناعة التراكتورات وشركة (شـالكـي) لصناعة الأقفال، بأستخدامه وذلك في عمل الأدوات التي تحتاج الى تقنية عالية.
وعن البدايات يقول المهندس داود: بدأت مسيرتي مع الأختراعات منذ العام 1991 ولحد الآن. وكانت ثمرة ذلك عشرات براءات الإختراع و13 شهادة تقديرية وست جوائز مهمة، أبرزها جائزة (كيترنك اوورد) التي تمنح في المجال التقني، كما نشرت لي (30) دراسة معتمدة، وأشتركت في عدد لا يحصى من الندوات والكونفرنسات المحلية والعالمية للحديث عن اختراعاتي. لقد كنت مأخوذا بالفكرة القائلة: هناك البعض الذين ينظرون للأشياء كما هي ويتسائلون: لماذا؟ لكني دائما ما احلم بأشياء غير موجودة ابدا وأتسائل: لم لا؟
ويمكنني القول بفرح وتواضع وفخر بأني اصـنّف من ضمن (5) علماء في العالم بعـدد ونوع براءات الأختراع ضمن حقلي الخاص، وهذا يمنحني طاقة لا توصف ليس للعمل والتفكير فقط، بل لدعوة الآخرين، وخاصة ابناء وبنات جاليتنا الغالية للأنطلاق نحو العمل والعلم وخدمة البشرية طالما كانت الفرص متاحة.
وعن نشاطاته خارج حقل تخصصه يشير الى ( كنت عضوا في أتحاد الطلبة العام واشتركت بعدة فعاليات تضامنية وأحتجاجية في أوربا خلال عقدي الستينات و السبعينات، كما ساهمت في تنظيم العديد من النشاطات المتعلقة بحقوق الأنسان في العراق اثناء عقد الثمانينات في الولايات المتحدة، وفي اصدار ملحق باللغة الانكليزية لجريدة "صوت الأتحاد" التي كانت تصدر في ولاية مشيكان الأمريكية. وعملت ايضا كمسؤل لجمعية الامل الخيرية العراقية، وأشتركت بعدة فعاليات تضامنية انسانية لمساعدة الشعب العراقي في محنته خلال الحكم الدكتاتوري. كما كان لي دور في عدة نشاطات انسانية، من جملتها أخراج مسلسل عن القبور الجماعية في العراق بعد أكتشافها عام 2003 ، وأشرفت على تنظيم Exhibit عن الطب العربي القديم، وعمدت مؤخراً لتأسيس جمعية تراثية بأسم "أحفاد رابي رابا" التي تعني بالتراث و التاريخ.
ولوطنه الذي عشق يقول د.موفق: حينما اتابع اخبار العراق، تلازمني حالة من الحزن وأتطلع لليوم الذي تزول عنه هذه الغمامة الطائفية السوداء، ومسلسل العنف الذي ابتلى به الناس، وأعتقد ان البديل الحقيقي لبناء العراق سيكون بيد ابنائه النجباء، الحريصين كل الحرص على تراثه وأهله وخيراته، وأتطلع ان يحقق التيار الديمقراطي العراقي النجاح في الأنتخابات القادمة بأمل ان يكون حافزا للتغير المنشود، نحو بناء مجتمع مدني حقيقي ينعم فيه كل العراقيين بالأمن والأمان والسعادة والطمـأنينة على مستقبلهم.