فضاءات

شباب ضائع يعيش البطالة واليأس / مديحة البياتي

شبان تنخر الحيرة ثنايا حياتهم، وليس لديهم سوى التذمر من الواقع الذي يعيشونه، وحين تطلب من بعضهم أن يحدد حلولا لمواجهة هذه الحيرة ليكون لديه هدف محدد، يقول: أن أهم ما يحتاجه هو العمل الشريف والمناسب، فهو الوحيد الذي يجعله يتطلع إلى المستقبل بأمل، وهناك من قال أنه يتمنى أن يعود إلى مقاعد الدراسة لإكمالها بعد أن شعر بقيمتها حاليا.. تسأل الكثيرين عن الأهداف التي يضعونها لمستقبلهم فتكون الأجوبة في غالبيتها قاتمة وضبابية وليس هنالك أي مجال لديهم للتفكير في شيء اسمه المستقبل!

لقطة أولى

شاب في العشرين من العمر تشعر أنه يمضي إلى المجهول، لا يعرف سوى الانطلاق في اتجاهات تشير إليها بوصلة مشاعره غير المستقرة والتي تتذبذب في تأشيرها إلى الاتجاه الصحيح وحسب مزاجه المتقلب ، هو بدون عمل، وما لديه من مال استدانه، وأحيانا يأخذ من والديه وينفقه كيفما اتفق، ترك الدراسة في الخامس الإعدادي والسبب في ذلك الظروف الصعبة التي عاشها ، وعاشتها عائلته كما قال ، فاضطر إلى ترك الدراسة، وحاليا يمضي وقته في التسكع مع صديقه في أماكن اللهو التي يسمعون عنها، كما أنه يدخن السكائر، وحين تسأله كيف ينظر إلى المستقبل؟، ي?حك، ويقول بسخرية:» يا مستقبل يا بطيخ»!؟.
هذه اللقطة الصغيرة من هذا الشاب تجعلك تمضي في البحث عن بقية الشباب، وتحاول أن تلتقي بأكبر عدد منهم لتعرف ما يفكرون به وما يطمحون اليه، وأن تبحث في التفاصيل التي تهمهم في حياتهم ومستقبلهم، صحيح أن البطالة سبب مهم في هذه المعاناة الكبيرة، ولكن أليس من الصعب أن يكون الشاب غريبا عن نفسه، ولا يملك انتماء لمستقبله، بل يشعر أنه ضائع على المدى القريب والبعيد، فلا يتصرف الا وفق أهوائه ورغباته من دون أن يعترف بالرقابة سواء من ذاته أو من الآخرين، بل أنه لا يضع أي اعتبار للكثير من الأمور!؟.

حمار الساقية!

يقول محمد عمار: مشكلتي الوحيدة هي المال، احاول أن أجده من خلال البحث عن عمل جيد ولكن ما زلت في متاهة، فالمال بالنسبة لي كل شيء، وهو «حلاّل المشاكل»، الذي يجعلني أفكر في المستقبل.
وأضاف: أنا الآن بلا أي رصيد للمستقبل، لا زواج ولا بيت ولا سيارة ولا أي شيء، حياتي فراغ رهيب، وبصراحة أنا مثل «حمار الساقية»، لا أعرف سوى مغادرة البيت والعودة اليه!.
أنا عمر بلا شباب
ويقول عماد يوسف، يحمل شهادة بكالوريوس آداب، أنا شاب في مقتبل العمر كما يقال، ولكن ماذا أملك؟، لا شيء، أعيش كما يقول «فريد الأطرش» أنا عمر بلا شباب وحياة بلا ربيع!، ما زلت أعيش على ما أحصل عليه في أي عمل وقتي أجده، واذا لم أجد «قتلني الجوع»!، أحيانا لا ألوم احدا الا نفسي فالكثيرون جدا يعملون ويتقاضون رواتب جيدة ويحملون شهادات مثلي، أما أنا فلا عمل لي ولا راتب.
وأضاف: لابد لي أن أعيش واحلم، ولكن أية أحلام وسط هذا الضباب الذي أراه يخيم على مستقبلي، أحيانا أتأمل أيامي فلا أجد شيئا فيها، أنا حائر لا أستطيع الزواج وعلى الرغم من انني ملتزم في حياتي ولكن كم سيدوم وقت الالتزام؟.

لقطة ثانية

هذا السؤال الذي انتهى به عماد تبدو الإجابة عنه صعبة للغاية، ووراءها تكمن المشاكل العديدة التي يخشى منها الجميع، فالصبر على الالتزام ربما لن يطول وبهذه الحالة يكون الشاب الملتزم محاصرا بضغوطات حياته ربما تؤدي به إلى الانفلات والسير في طريق مليء بالسلبيات، وهنا يكون الهدف ضائعا أو ضبابيا وهو ما يجعل الشاب يتخبط في مسيرة حياته.
أمامنا حكاية أخرى من حكايات الشباب العراقي الغارق في مأساة البطالة حتى أذنيه، هذا واحد من أعداد كبيرة، من أكداس مكدسة ممن هم بلا عمل، يحرقون سنواتهم بالرتابة والسكون، وأعمارهم تذوي منكمشة باليأس الذي تحوم حوله مغريات كثيرة، تدعوهم إلى الطرق الأسهل في تحقيق ذواتهم، والى نزع الكثير من الصفات الحميدة، فنحن نرى الكثير من الشباب لا يعرفون من الواقع الذي يعيشونه سوى الانتظار أو البحث غير المجدي أو ممارسة أعمال لا يكسبون منها سوى دراهم معدودة لا تسد رمقهم في وجبة غداء جيدة، وذات مرة توقفت أمام شاب يقف أمام عربة خ?ار على رصيف شارع عام ببغداد، قال: مضى أكثر من عشر سنين وأنا أبحث عن عمل ولم أجد، لذلك اضطررت إلى أن اعمل بقالا في السوق بعد أن وضعت شهادتي الدراسية في صندوق الذكريات!.
وأضاف: ما أحصل عليه هو قوت يومي لا يمكنني أن أضع منه ليوم غد شيئا، وأن تعطلت في اليوم الثاني فسوف لن تأكل العائلة!.

عمال المسطر

في منطقة الباب الشرقي تقف مجموعة كبيرة من الشباب، يضعون أدوات عملهم أمامهم بانتظار من يطلبهم للعمل، على الرغم من أن الصباح انقضى، كل واحد منهم يحمل هما ثقيلا وغير قادر على أن يتواصل معه، ومن يبحث في خرائط نفوسهم سوف يجد تضاريس هائلة من الأوجاع، الكثير منهم يهرع إلى من يقف من السابلة ظنا منهم أنه سيوفر لهم فرصة عمل، أحدهم قال:» كلنا في الهوا سوأ.. كلنا نشكو البطالة، عدم وجود عمل أدت بي إلى أن أفترش الأرض».
فجأة تجمع الكثير من العمال حول شخص كان يطلب عمالا، تعالت أصوات غاضبة ومن ثم حدثت مشاجرة بالأيدي بين بعضهم لأن كل واحد يريد أن يختاره الرجل وهذا ما دعا إلى الاحتدام ومن ثم المشاجرات، بعدها ذهب الرجل من حيث أتى!.

صناديق للتسليف

ترى كيف ننهض بهؤلاء الشباب ونعيد هذه الشريحة إلى موقعها المناسب من جسد الامة، خصوصا ونحن نتطلع إلى مستقبل زاهر.
يقول محمد عبد الحسين، أستاذ علم النفس والاجتماع في الجامعة المستنصرية: أول عمل يجب القيام به هو اعطاء الفرصة لجميع المخلصين وذوي النظر ان يقدموا رؤيتهم لمشاكل الشباب وتقييم واقعهم ومن ثم التفكير في وضع آليات الحلول وتنفيذها، من دون كلل وملل أو تقصير.
وأضاف: أرى أن المشكلة الأساسية عند الشباب هي انهم يعيشون واقعاً يفقدهم القدرة على تحديد أهدافهم أو التخطيط للمستقبل والسبب يكمن في الظروف التي يعيشها الشباب، فهي تحاصرهم من جميع الجهات ولا تسمح لهم بالنظر أبعد من اليوم الذي يعيشون فيه، فالمشاكل التي يعيشونها أكبر من قدراتهم وأحيانا من تفكيرهم، ولأنها متداخلة ومتشعبه نجدهم في حيرة من أمرهم، لا يستطيعون السيطرة عليها.
وأضاف الأستاذ محمد: المسؤولية الكبيرة تقع على الحكومة لأنها المعنية بهذا الامر، فلابد من وجود دراسات بحثية لتحديد المشاكل واولوياتها، ويجب أن تتولى هذا الامر وزارة الشباب لأنها من أكثر الوزارات ارتباطا بهم، وعليها أن تسأل الشباب عن أبرز مشاكلهم ومعاناتهم، وسيكون جوابهم حتما: البطالة وقلة فرص العمل التي تخلق لديهم أوقات الفراغ الذي يمكن أن نصفه بالقاتل، وهذا الفراغ يجعل كلاً منهم يعيش في روتين حياتي ممل يجد في نفسه إنسانا غير مهم، وهنا تتبدد طاقته الخيرة ، وتبرز بدلها الطاقة الشريرة، فيكون مستعدا للاستجابة ?أي إغراء حتى لو كان بالضد من رغبته، وعند أي مبادرة لملء هذا الفراغ يصبح صيدا سهلا لتنفيذ أية فكرة شريرة أو قبيحة أو مخالفة للدين والقانون، وأنا اعرف الكثير ممن أدمنوا الخمر أو المخدرات هروبا من الواقع، ومن هنا لابد من توفير فرص عمل للشباب وفسح المجال أمام من لم تسمح لهم الظروف بإكمال دراستهم، وعلى وزارة الشباب ان تفعل عمل مراكز الشباب وتولي الشباب من خلالها رعاية كبيرة وتحاول أن تزرع في نفوسهم الثقة والأمل، وضرورة إنشاء صناديق تسليف للشباب الراغبين في فتح مشاريع للعمل بعد الاقتناع بجدوى المشروع واخذ الضمان?ت عليه.
على الحكومة إنشاء صناديق تسليف للشباب لإنهاء معاناتهم
فقدان الخطط المركزية للوزارات في تعيين العاطلين وراء كثرة مشاكل الشباب.