فضاءات

السيدة التي قهـرت السرطان: " آمل ان اعيش 100 عام"

"حاول ان تبحث في دواخلك عن المكان الذي يشع منه الفرح، هذا الفرح هو الذي سـيقضي على الألم"
الروائي الأمريكي والباحث في الأساطير جوزيف كامبيل

على ضوء هذه الرؤيا، رسـمت السيدة نزهت سـتو مسيرة حياتها اللاحقة بعد ان تيقن الأطباء بأنها مصابة بمرض السرطان، وإن المرض قد إنتشر في الطبقة العليا من الدماغ وشكل ما يشبه شبكة العنكبوت بين تلافيفه الكثيرة، موقعاً السيدة ستو بفقدان الحواس والتوازن!
" مازلت اتذكر جيدا العام الفاصل 1988، وكيف جرت التغيرات في جسـمي، فقد نحلت كثيرا ولم اعد كما كنت سابقا، صـرت اتعـرّق بشدة، ورافقني شــحوب، وحالات متقطعة من اختلال التوازن و مشاكل في التذوق والسمع. وفي مستشفى بروفيدنس في ديترويت، إكتشفوا الأمر وأبلغوني بأن هناك (منطقة رمادية) في الدماغ بمساحة سنتيمترين ونصف، ولكنها لا تشكل اي خطر ويمكنني الذهاب للبيت".
إطمأنت السيدة نزهت والعائلة بهذه النتيجة، لكن القلق سرعان ما تصاعد ثانية بسبب تدهور صحتها، فإدخلت في مستشفى (هنري فورد) بديترويت، والذين بدورهم احالوا قضيتها الى المستشفى التعليمي التابع لجامعة "آن آربر" حيث يوجد فريق طبي اختصاصي بهذا المرض. ولعبت محاسن الصدف دورها هذه المرة، فتمكنت من حجز موعد مع (د. كريكوري تومسن) المتخصص بالحجيرة تحت الدماغ والتي تلتقي بها كل الأعصاب الحسية. عقد الأطباء عدة اجتماعات، ليصلوا الى النتيجة بأن علاج هذه الحالة سيكون بالأشعاع وليس بالمشرط!
هذه النتائج، وكلمات الأطباء ووعودهم شجعت نزهت والعائلة على الخطوة اللاحقة، وفعلا بدأت اولى جلسات العلاج بالأشعة، ثم حضيت السيدة برعاية خاصة في مستشفى "مايو كلينك" المشهورة و مستشفى "آن آربر". وكانت أصعب اللحظات، تلك التي إنتظروا فيها نتيجة الفحص بعد إستكمال الإشعاع، وجاء الخبر المذهل:
ـ ان ما جرى لك في العلاج هو معجزة طبية، فقد بينت النتائج بأن السرطان الذي كان منتشرا في دماغك قد إنتهى تماماً.
ولكن أين يكمن الـســر؟

حين سألت السيدة نزهـت عـن ســر صمودها ونجاح علاجها قالت:
ـ إنه زوجي وشريك حياتي نوري ستو، الذي رافقني في كل هذه الرحلات المتعبة وأمدني بالصبر والحنان، وعائلتي التي غمرتني بالمحبة، لجان الأطباء المختلفة الذين اشرفوا على علاجي، وحسن الطالع في التشخيص السليم الذي ساعد في انقاذ حياتي.
ـ ولكن معظم المرضى يتوفر لهم كل هذه الأمور وربما أكثر، فهل هناك شئ آخر؟
ـ لا اخفيك سراً، انا اعشق الحياة، وأحب أسرتي وقد سعدت كثيرا لولادة حفيدتي الأولى (كريستينا)، وخلفيتي الأكاديمية والمهنية في علم الأجتماع ساعداني على التعامل مع المرض بشكل طبيعي. صحيح ان في جاليتنا اناس ترفض حتى لفظ اسم مرض السرطان وتقول (هذا الذي لا نسميه) أو (هذا الخبيث) أو (ذاك المرض) في اشارات تدل على الرعب حتى من تداول اسم المرض. انا شخصيا لم اذعن للمخاوف، وتقبلت الأمر، وكنت اجيب الناس عندما تسألني، وكنت امارس حياتي بشكل طبيعي، رغم اني كنت متعبة نفسيا وجسديا. اعتقد ان جزءً من السر يكمن في طريقة تعامل الأنسان مع المرض ونتائجه اللاحقة. شخصيا، خسرت العديد من الصديقات والأصدقاء بسبب هذا المرض، وكانت الهواجس تهاجمني مرارا بأني سأكون الضحية اللاحقة للمرض، وكنت أمنّي نفسي بالقول: اهلا وسهلا به متى ما جاء!
النشأة الأولى
ولدت السيدة نزهت ستو في العام 1944 من السيد عزيز القروي والسيدة مريم اوراها عكاش في منطقة سوق الغزل/ صبابيغ الآل. ادخلوها مدرسة الراهبات القريبة من سكنها، وبعد ان انهت الأعدادية دخلت كلية الآداب وأختارت قسم علم الأجتماع والذي كان قد افتتح للتو. اقترنت بالسيد نوري ستو عام 1968 وهي لما تزل طالبة جامعية، وتخرجت عام 1970، وعملت في مدينة الطب بصفة باحثة اجتماعية، ثم مشرفة على مدارس التمريض بذات الأختصاص. رزقت بهيثم، ثم يوسف وايفا! هاجرت مع عائلتها الى الولايات المتحدة في العام 1976، ورغم التزاماتها الكبيرة في تنشئة ورعاية ابنائها الثلاثة، الا ان ذلك لم يمنعها من مزاولة الأعمال الحرة، حتى اقعدها المرض عام 1988.
السيدة نزهت ستو نشطة في مجال الدفاع عن حقوق الشعب العراقي والمرأة ابان الحكم الدكتاتوري وحتى اليوم، وقد عملت لسنين في صفوف الأتحاد الديمقراطي العراقي ومازالت تحضر نشاطاته وأماسيه، على الرغم مما يبدو عليها احيانا من تعب او ارهاق.
الصراع ثانية

في العام 2010، وفي اليوم التالي لزيارة طبيب العائلة، انتبهت نزهت الى نتوء كبير في احد الأثداء، مما بعث مجددا بالقلق الكامن والخوف من تكرار المرض. ولأن طريق الأطباء والفحوصات صار مألوفا لها، راجعت "د.ايرك براون" في مستشفى "بومانت" بديترويت والمتخصص بالغدد اللمفاوية، وبمساعدة الطبيبة العراقية المتخصصة بالأورام السرطانية (مها الصراف) تلقت العلاج على يد الطبيب كيمنسكي، المرشح لنيل جائزة "نوبل" في الطب لأبحاثه المتقدمة في علاج السرطان اللمفاوي، وثانية جاءت المعجزة وشفيت بجرعات من (كيمو ثيربي) و بالأشعة من المرض.
إهتماماتها اليوم

قلت للسيدة نزهت ستو بأنك انسانة رائعة بصبرك ومقاومتك للمرض، فردت قائلة:
ـ اشكرك، مثلما اشكر كل من اسمعني كلمة تشجيع حلوة، واليوم انا احاول ان ارد الجميل للعديد من النساء والرجال الذين يعالجون من هذا المرض. أحاول أن أكون مثلا حياً لهم بالأنتصار على مرض السرطان. ازور البعض، واتحدث للآخرين بالتلفون، وكلما ساعدتني صحتي او صحة زوجي الذي يتعافى من المرض ايضا. قد اقول لك بأني الأسعد في هذا العالم، فقد عشت الأسوء وأجتزته، واليوم انا اتمتع بســني التقاعد مع زوجي، ومع احفادي الستة، وأتطلع لليوم الذي احضر أعراسهم وألاعب ابنائهم، اوقفتها قليلا وقلت، ان هذا سيستغرق وقتا طويلا، فكم ستعيشين، ضحكت نزهت وقالت: 100 عام ، وأومأت الى (عمتها) السيدة مريم جـجو كنّو والدة زوجها والتي تعيش معها في البيت، وهي التي شارفت على 100 عام من العمر!

كمال يلدو
كانون ثان 2014