- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 28 آذار/مارس 2017 19:19
يفتتح اليوم في العاصمة الأردنية عمان مؤتمر القمة العربية الثامنة والعشرين، بعد ان سبقه اجتماع تحضيري لوزراء خارجية البلدان العربية.
ولا بد من الاشارة اولا الى أهمية مثل هذه اللقاءات، كونها في الأقل تشكل إطارا للحوار في القضايا التي يتفق على بحثها، وتأشير نقاط الاختلاف غير القليلة بالتأكيد. وكان السؤال الأهم الذي يطرح طيلة عمر هذه القمم هو : متى تتحول مثل هذه الاجتماعات واللقاءات الى ورش عمل حقيقية، لمعالجة قضايا شعوب المنطقة وما يواجهها من تحديات ؟
ولا ريب ان القمة الحالية تنعقد وسط تحديات جمة تواجه بلداننا، لعل في مقدمتها انتشار سرطان الارهاب، الذي يتوهم من يعتقد انه في منأى عنه، أو ان تقديمه الدعم له او غض الطرف عما يقدم له من دعم، سيقيه شروره. والأمثلة على ذلك عديدة من الماضي ومن الحاضر. ولا بد هنا من تأكيد واجب الادانة على طول الخط للارهاب، ايا كان شكله وايا كان مصدره، الادانة العلنية والعملية والسعي الفعلي لدحره وتجفيف منابعه، عبر حزم متكاملة من الاجراءات والمواقف، وعبر التنسيق والتعاون.
وأمام أعيننا يبرز التردي الشديد في حياة المواطنين في البلدان العربية، وانتشار الفقر والبطالة والمرض والأمية، وامتداده حتى الى الدول التي سبق ان شهدت بحبوبة في فترات معينة. ولا يكفي تبرير ذلك بانخفاض اسعار النفط عالميا، فثمة في مقدمة الاسباب غياب التوجه الحقيقي والسعي الملموس لتحقيق تنمية مستدامة متوازنة، تعتمد تطوير قطاعات إنتاجية تؤسس للنمو والتقدم.
وفي أساس كل هذا التردي المهول تكمن الهشاشة في البناء السياسي لدول المنطقة، وافتقارها الى البناء المؤسسي، ولجوئها عموما الى التضييق على الحريات، وقمع الآخر، وتقزيم الديمقراطية او مصادرتها بحجج واهية. ومن هنا هذه الانفجارات والانتفاضات الشعبية، العفوية احيانا، التي تشهدها بلداننا وتأتي كرد طبيعي على تدهور الاحوال وسوئها، وتبديد الثروات واستفحال الفساد واستشرائه.
ولعل من المظاهر الخطرة التي يمكن تأشيرها هنا هذا التأجيج المقيت للمشاعر الطائفية والنعرات القومية الضيقة والروح الشوفينية، والازداء لحقوق المرأة والاقليات، بما يتماهى مع الخطط والمشاريع الهادفة الى ادامة حالة عدم الاستقرار والتخلف والتبعية، والى الإمعان في تجزئة المجزأ، واشغال شعوب المنطقة بقضايا ثانوية بعيدة عن أولوياتها وما تواجه من قضايا كبرى ومصيرية، بما في ذلك السكوت المخزي على ما تقترفه إسرائيل من جرائم ضد الشعب الفلسطيني وتنكرها التام لحقوقه المشروعة في إقامة دولته الوطنية على أرض وطنه.
ان القمم العربية مثل هذه التي تبدأ اليوم مطالبة بالنظر في هذه القضايا وغيرها مما هو ملح وذو اولوية بالنسبة الى المواطنين. ويقينا ان ذلك لن يحصل من دون ادراك عميق لضرورة اجراء تغييرات عميقة وجذرية في المنهج والتوجه والأداء، وإعادة هيكلة البناء السياسي وإطلاق طاقات الجماهير والاستناد اليها، لا الخوف منها، وبناء الدول المدنية الديمقراطية الحقة التي تعبر عن مصالح الناس، وتحقق قدرا معقولا من العدالة الاجتماعية، وتتعامل مع المواطنين من دون تمييز.
وبالنسبة الى بلدنا العراق، فان المشاركة في مؤتمر القمة العربية تشكل فرصة أخرى للانفتاح على المحيط وإقامة العلاقات المتوازنة والمتكافئة، والانطلاق من مصالح الشعب العليا، وإبعاد بلدنا عن سياسة المحاور المدمرة والمهلكة، وما تفرضه من صراعات لا طاقة لبلدنا بها في الظروف الحالية الصعبة والمعقدة والمتشابكة التي يمر بها.