شهداء الحزب

الشهيد قصي عبد الواحد البلجاني: شجرتنا وارفة.. تخْضّر مع الربيع / عبد المطلب البلجاني

لست متاكدا من ان مفردة الشهيد بكل رمزيتها المعنوية، معنى ودلالة، تعبيرُ دقيق، عن هذه الحالة الانسانية العصية على التفسير، أو اذا ما كانت معادلا تعويضيا عن ضخامة التضحية وفداحة الخسران، او تساميا مع الايمان المتجذر بعدالة الاهداف وصحة وسائل النضال؛ وهل خطر في بال المناضل المتورط بعشق الحياة، حمل هذا اللقب....! ؟َ قصي عبدالواحد محمد البلجاني: ولد تحت ظلال نخيل ابي الخصيب في محافظة البصرة، في يوم قائظ في الثلاثين من تموز 1950،وعاش فيها طفولته وصباه، وارتوى ثملا من جداولها، وتماهى حباً بارضها وسماها وبناسها حد الجنون.
في حزيران من عام 1980 ، وسط لهيب بغداد، واحتدام المناخ السياسي الذي اشعلت حريقه سلطة البعث في حملتها المحمومة لتصفية منظمات حزبنا بعد انتقاله للعمل السري اثر انفراط عقد الجبهة، اختطفه الجلادون في وضح النهار عندما كان يتنقل بين احيائها الملغمة بالمخبرين، واختفى اثره حتى سقوط الدكتاتورية في 2003، لنكتشف اسمه لاحقاً في قوائم المعدومين.
ترشح للحزب في بداية السبعينات، عندما كان طالبا جامعيا في كلية الاداب جامعة البصرة، وبعد تخرجه، عين مدرسا للغة العربية في اعدادية الجمهورية في مدينة البصرة. اقتحم النشاط الديمقراطي ( الطلابي والشبيبي ) والسياسي بحماس، وكان قارئاً نهما، وله محاولات في كتابة الشعر، كما كان محاورا هادئا ومنظما بشكل دقيق، عمل عضوا في المكتب الصحفي التابع لمنظمة الحزب في قضاء ابي الخصيب، ودرَّس مادة التنظيم للصفوف الحزبية التي اقامتها منظمته حينذاك. في خريف 1978 ترك الوظيفة، وانتقل متخفيا الى بغداد بعد اشتداد، المضايقات على رفاق الحزب ومنظماته في مدينة البصرة، عمل في بغداد مع المقاولين كعامل مسطر، في بناء الدور والمخازن وخلال فترة وجيزة تعلم تركيب السقوف الثانوية، وتحول الى (خلفه)، ومكنته ظروف عمله والدعم العائلي وحذره وهدوؤه، من الاستمرار في النشاط الحزبي، وتأمين الصلات للرفاق المنقطعين والمتخفين بسبب شراسة الحملة وسعتها، وكان سعيدا بالنجاحات الصغيرة التي يحققها على هذا الصعيد، وقد توفرت له اكثر من فرصة لمغادرة الوطن ولكنه رفض ذلك. ولالقاء المزيد من الضوء على تلك الفترة الحرجة، نترك للشهيد الحديث، من خلال مقاطع من رسائله من موقع اختفائه. في 12/04/1979 يكتب: (.... تتألق انت "المعني بالرسالة" نجمة في سمائي تُضيء ليَّ الطريق وتمنحني العزم، فاكون اقدر على الثبات في ظل شجرتنا الوارفة، الحزب انها تخْضّر مع الربيع وهذا ما يفرح، فالحديقة التي غادرتها تنمو بسرعة وهي مزهرة هذه الايام.) في 05/08/1979 يكتب:(......اني اعاني من ألم الغربة، فحتى اقرب اصدقائي سافروا. .... ولك ان تتصور، كم يكون قاسياً بُعد انسان كان يشغل يومي بكامله، ولكني اقول وبكل ثقة: لاتبتئس فانا الذي اخترت البقاء، فلا افكر ابدا في التخلص، من اجل ذاتي في هذا الظرف، وانني لا امتلك الجرأة على التخلي عمن احب من القلب، ذلك الذي نذرت روحي له، في وقت قد يكون احوج اليّ. هذا شعوري ايها العزيز. فان نتخلى عن الحبيب في هذه الايام، يعني ان نخلع القلب من بين الضلوع.)
في 12/11/ 1979 يكتب: ( نحن بخير، طموحنا كبير وامالنا قوية......) اخر رسالة كتبها في 25/11/ 1979 ، ( نحن بخير واحوالنا تتطور بشكل مُسر، بناؤنا "الحزب" يعلو رغم الصعوبات، ولاشك ان عودة الحبيبة " طريق الشعب "خلق لنا بهجة وفرح، وباءت بالخيبة كل احلامهم في منعنا من المواصلة والاستمرار......). إنتهت الاقتباسات. ان شعاع الامل المتوهج من الاعماق، والاستعداد الهائل لنكران الذات والاتحاد المطلق بين الذات المتفردة والحزب والوطن، ينبعث من بين كلماته، متحديا سطوة الجلاد بحياته وباستشهاده.